أسقطوا الحدود فماذا ننتظر؟
غالب قنديل
لم يقم الاستعمار الغربي اعتباراً لحدود سايكس بيكو يوماً وبينما حرسها وفرض عدم تخطيها في ما بين الدول العربية بمحاربته المستميتة لمشاريع الوحدة وللحركة القومية التحررية بينما أعطى لإسرائيل حق تخطي تلك الحدود وتدميرها بحروبها العدوانية منذ قيامها باغتصاب فلسطين وعمل بكل جهد بالتعاون مع الحكومات العربية التابعة على تجزئة الصراع العربي الصهيوني وتحويل مساراته منذ مؤتمر مدريد إلى أطر واتفاقات منفردة لتصفية قضية فلسطين وقد خرج عن هذا السياق بلدان هما الجمهورية العربية السورية ولبنان.
يجاهر الحلف الاستعماري منذ احتلال العراق بإعادة رسم تلك الحدود عبر تقسيم جديد يضاعف وطأة التفتيت والتناحر العرقي والطائفي تحت مسميات الشرق الأوسط الجديد وخرائطه المتعددة.
أكدت حرب غزة الأخيرة أن الكيان الصهيوني يختنق بهزائم جديدة في وجه منظومة المقاومة الإقليمية التي تضم سورية وإيران والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية وهي مجموعة ائتلافية لم ترق سياسياً إلى كيان اتحادي عابر للحدود لكنها عملياً ومن غير إعلان تتحرك ككتلة واحدة استراتيجياً وتكتيكياً وهو ما ثبتت فاعليته أيضاً في مقاومة العدوان الكوني على سورية.
يطرح خطر الإرهاب التكفيري نفسه في المنطقة راهناً وهو عابر للحدود كما تبين بالتجربة وهذا الخطر يمثل قوة رديفة وظيفتها تخطي عجز الكيان الصهيوني وتعويض تراجع قدرة الاستعمار الغربي على التدخل المباشر بعد هزائمه في العراق وأفغانستان.
يمثل الإرهاب التكفيري قوة تدمير للمجتمعات والدول الوطنية وهو يستهدف الجيوش التي تمثل العمود الفقري للكيانات القطرية في المنطقة ويحمل التكفيريون منظومة من القيم والمفاهيم البربرية المتخلفة المكرسة لتبرير المذابح وعمليات النهب الواسعة للثروات ولاستهداف جميع المعتقدات الدينية وإلغاء كل من يخالف التكفيريين أفكارهم من أي مذهب أو معتقد كان والأقربون كانوا الأولى بالويلات والشرور التي ينشرها مرتزقة وقتلة محترفون يشتريهم أرباب الإرهاب بالمال.
قوى التكفير الإرهابي وتنظيماته تتحرك على مساحة المنطقة من دون اعتبار للحدود والكيانات والدول وتجاهر بذلك بينما المجابهة مع خطرها لا تزال حبيسة الأطر والحسابات الضيقة ومن أبرز مظاهر تلك المعضلة ما تعرض له حزب الله منذ تدخله في مجابهة العدوان على سورية والناقدون كان بعضهم ممن تدخلوا لتمكين الإرهاب من عبور الحدود إلى سورية وقد تلمسوا خطر انقلاب التوازنات ضد صنائعهم.
الحاجة تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى للعمل على الصعيد الإقليمي والقومي في إطار حركة نهضوية شاملة عابرة للحدود على صعيد الفكر والاستراتيجيا وإلى تنظيم المقاومة الشعبية والعسكرية للإرهاب والعدوان فقد أثبتت تجربتا سورية والعراق أن المقاومة الشعبية إلى جانب الجيوش الوطنية تتيح قدرات عالية في مكافحة الإرهاب ودحره وهذا يتطلب حملات واسعة لتعبئة الجماهير وحشدها في حركة المقاومة وهذه العملية تسرع تفكيك البيئة الحاضنة والمضللة بعمل جماهيري وتعبوي واسع النطاق.
إن من يتخيل إمكانية إيقاف الإرهاب عند الحدود القطرية ومنعه من التسرب إلى داخل أي بلد يخالف الطبيعة والمنطق وهو واهم بالمطلق فدعاية التكفير عابرة لجميع وسائل الاتصال والإعلام والدول المتورطة في دعم التكفيريين واحتضانهم واستعمالهم توفر لهم سبل الدعاية والتحريض وممارسة التضليل على أوسع نطاق إقليمي ودولي والشبكات العابرة للحدود بتنظيماتها المتطرفة وبواجهاتها الدينية المستترة تتحرك في كل اتجاه ولا يمكن تصور فرص النجاح في مكافحة هذه الظاهرة من دون تنسيق مباشر ومن غير تبادل المعلومات وتوحيد الجهود عبر الحدود.
مقاومة التكفير الإرهابي مثل مقاومة العدوان الصهيوني تستدعي إنهاض الفكرة القومية والوطنية والتصرف من منظور وحدوي تؤكده مجدداً وحدة المصائر والأخطار الوجودية التي تشمل دول المنطقة برمتها وخصوصاً دول الشرق العربي وأول الطريق النضال لإلزام الحكومات والجيوش بتوحيد الجهود والقدرات من دون اعتبار لاعتراضات المعرقلين هنا أو هناك.
يبقى السؤال: هل تنهض الجبهة المناهضة للتكفير والصهيونية في إطار سياسي مشرقي يتخذ له تعبيرات نضالية عابرة للحدود القطرية وإلا فكيف ينتصر على داعش وسواها من يهابون تخطي الحدود التي أعلنت هي إلغاءها في أول فرصة؟
عضو المجلس الوطني للإعلام