قانون بلا عصا… فوضى وشريعة غاب!

محمد ح. الحاج

قد يوحي العنوان بأنني من أنصار العنف أوالمطالبين بأن تحمل الأجهزة التنفيذية في الدولة العصا في وجه المواطن، والحقيقة أنّ العصا هي الجزاءات المترتبة على مخالفة القانون بكلّ أنواعها وأشكالها، بدءاً من مخالفة الشاخصة المرورية إلى أكبر الجرائم وأشدّها عنفاً وهي السرقة بالقوة وعمليات النهب والسلب وجرائم القتل وما شابه، فالقانون هو مجموعة القيم التي تفرض السلوك الفردي والجماعي بما يخدم المصلحة العامة للشعب ويحقق الأمن والنظام، ويتعلّق تطبيقها والالتزام بها بمنظومة الأخلاق والسلوك الاجتماعي، فهل نحن في أزمة أخلاق حقيقية أم نقترب منها؟

عندما نتحدث عن القانون والعقوبات والأخلاق، فنحن لا نتحدث عن الشعوب المتحضّرة، بل عن العالم المتخلف الذي ما زال سلوكه مرتبطاً بالقوة المفروضة عن طريق الأدوات التنفيذية المختصة، وينفلت هذا السلوك في الحالات والظروف التي يتراخى فيها تطبيق القانون لأسباب موضوعية كالثورات والحروب الطويلة الأمد، وضعف هيبة الدولة وعدم سيطرتها على مناطق من أراضيها كأن تقع تحت احتلال أجنبي أو سيطرة مجموعات محلية متمرّدة مدعومة من الخارج كما في الصومال وليبيا وصولاً إلى الشام والعراق وربما لبنان.

الصراع في الدول المتخلّفة واجهته تختلف كلياً عن خلفيته، فالواجهة تكون على السلطة والثروات ويتخذ أشكالاً متعدّدة طبقي – ديني مذهبي عشائري إلخ… وأما الخلفية فهي صراع نفوذ بين الدول الكبرى تطبّق استراتيجية استعمار من نوع جديد، والغاية الأساس الحفاظ على أسواق العالم المتخلّف ومنع الشعوب من التطوّر، وبالتالي السيطرة على الثروات واستمرار النهب المنظّم لها، من هنا نجد التعدّدية في التبعية ضمن الشعب الواحد والأمة الواحدة، صراع الاستخبارات العالمية يتكفّل بهذا الأمر خدمة لغايات سياسية واقتصادية، ولنا أن ندرك أنّ الدول المانحة للمساعدات والمعونات لأية جهة ما، حتى على الصعيد العسكري فإنما هي تقدّم هذه الخدمات على قاعدة لا تعط التسعة إلا إذا أكلت العشرة فما بالنا ونحن نلمس وندرك أنّ الدول الاستعمارية الحديثة تدفع بدول تفيض أموالها عن حاجاتها رغم فقر شرائح من شعبها لتمويل الحروب والثورات بعد تضليل قياداتها وربط مصائرهم بسلوك طريق الخضوع وتنفيذ المخططات الموضوعة، وهي بالتالي ليست من الدول المستفيدة من برامج الغرب الاستعماري لا من ناحية النفوذ السياسي لمجرّد كونها دول تابعة، ولا الفائدة الاقتصادية والمثال القريب دويلة قطر ومملكة آل سعود وتوابع أخرى في عالمنا العربي.

أمكن للمتابع فهم جانب كبير من «ربيع تونس»، وبقي عصياً على الفهم المغزى من ثورة ليبيا، إلا إذا ربطنا الأمر بمصالح «الناتو» في هذه الدولة الغنية، وديون كلّ من فرنسا وايطاليا، واستثمارات مشبوهة كانت قائمة بين القيادة الليبية وشخصيات سياسية كبيرة من هاتين الدولتين، وبالتالي فإنّ سقوط القذافي وتصفيته مع كامل أفراد عائلته جاءت في هذا المنحى، سقطت الديون، وذهبت الاستثمارات إلى جيوب شريك أوحد برلسكوني ، كما صادرت الدولة العظمى أمريكا أموال ليبيا الموجودة في بنوكها لتصرفها على ثورات خططت لها الإدارة الأمريكية وحلف «الناتو»، بعيداً عن رقابة الخزينة الأمريكية ومجلسي الشيوخ والنواب، كما صادر الغرب الأسلحة الليبية المكدّسة وبدأ عمليات الشحن إلى الدول المجاورة لسورية تركيا والأردن ، ودبّت الفوضى على الساحة الليبية ليقوم صراع لا يمكن التنبّؤ بنهايته ولتبدأ رحلة معاناة لشعب لا طوائف ولا مذاهب فيه… كان في بحبوحة لم يصل إليها كثير من شعوب العالم العربي بما في ذلك شعب نجد والحجاز، إذ كان المواطن الليبي يحصل على السكن، والراتب، والخدمات مجانية كهرباء وماء ، وتتحمّل الدولة نفقات الطلاب الدارسين في كلّ أنحاء العالم! فلنسأل الشعب الليبي اليوم ما الذي جناه وما الذي تغيّر بذهاب «الدكتاتور» وانتشار العصابات المسلحة، وتدمير الاقتصاد وكلّ أشكال الحياة السياسية… بما في ذلك الحرية؟

الثورة الليبية المزعومة هي استكمال لما بدأه الغرب في الصومال والجنوب السوداني وغايته السيطرة على البوابات الجنوبية للبحر الأحمر الجزر الواقعة على باب المندب لما في ذلك من خدمة للمشروع الصهيوني، وأيضاً تطويق مصر ومنع حتى الحلم بعودة وحدة وادي النيل، التي لو قامت وتمّ استثمار ثروات السودان لانتقلت مصر والسودان من عالم الحاجة إلى الكفاية والفائض الزراعي للتصدير إلى العالم العربي، لكن الدراسات الاستباقية الغربية لا تسمح بذلك، ولاستكمال تطويق مصر كان لا بدّ من حريق ليبيا وتدميرها لتكون عالة على الحدود الغربية المصرية تؤرق الجيش المصري وتشتّت جهوده، وهذا أيضاً يخدم المصالح الصهيونية التي تشكل جوهر المشروع الغربي بعد احتواء مصر وربطها باتفاقيات تبدو شبه أبدية، وألزمتها واقعياً بتجميد أو إلغاء كلّ اتفاقيات الدفاع المشترك مع محيطها العربي ودول المواجهة مع الكيان الصهيوني.

الجبهة الشرقية بمواجهة الكيان الصهيوني تحطم عمقها الاستراتيجي بعد احتلال العراق العام 2003، وجرت محاولات للسيطرة على لبنان والشام لم يكتب لها النجاح، سقطت الاتفاقية مع لبنان، وتجذّرت ثقافة المقاومة، وفشل كيان العدو في أكثر من معركة على هذه الجبهة، خصوصاً في الأعوام 2000، و2006، و2009، من هنا كان لا بدّ من تنفيذ مخطط الفوضى الداخلية وتحريك الأدوات والخلايا النائمة المرتبطة باستخبارات الغرب، وعلى الأخصّ الإخوان الشياطين وما تفرّع عن «القاعدة» ومسمّياتها، والبداية كانت تشكيل «جيش حر» اعتمد في بدايته على انشقاقات بعضها حقيقي وأغلبها مفبرك، وعلى هامش هذا الجيش وتحت يافطته تحرّكت خلايا الإخوان النائمة، لكن العدد الكبير ممّن رفعوا راية هذا الجيش كانوا عصابات من اللصوص وطريدي العدالة ولهم مشاريعهم التي لم يتوانوا عن تحقيق جزء كبير منها، وخلاصتها عمليات سرقة ونهب للثروات وقتل للمواطنين في المناطق الآمنة، ضعفت سلطة الدولة في كثير من المناطق، وانحسرت في مناطق أخرى، وطبّق الخارجون على القانون شريعتهم وهي بمجملها شريعة غاب، وهو أمر متوقع إذ لا يمكن لأحد أن يطلب من هؤلاء التزاماً أخلاقياً وهم المتجرّدون من الأخلاق والقيَم، ولا من التنظيمات الأخرى المتصارعة الموجهة من الخارج لتنفيذ المخطط، فلا الحسّ الوطني ولا حتى الإنساني موجود، تنظيمات خرجت على النواميس وفرضت مفاهيم تعود إلى جاهلية تجاوزها التاريخ، قتل وسبي واغتصاب، قطع رؤوس وتمثيل بالجثث، وبيع للبشر في أسواق نخاسة أحدثوها، وتطهير عرقي وديني ومذهبي لم يستثن أحداً من أبناء الشعب الواحد على مساحة الشام والعراق… ووصل إلى مشارف جبل لبنان.

هل ما زال القانون بخير على الضفة الثانية، والجواب بالتأكيد: ليس تماماً، ويبدو أنّ الاهتمام بمكافحة التنظيمات الإرهابية وجهد الدولة في هذا المجال، أورث نوعاً من التراخي تجاه مجموعات مشبوهة تتوزع هنا وهناك في قلب المناطق الآمنة، تستبيح الممتلكات، وقد تفاجأ بواحدة منها تعترض سبيلك ليقول آمرها: نحتاج الآلية في مهمة! تماماً كما في الأفلام الأمريكية، وقد يشهر عليك السلاح، أن تمانع فأنت ميت، ولهذه العصابات أساليبها في توصيل السيارة إلى خطوط تماس مع التنظيمات الإرهابية لتبيعها بنصف الثمن، وبعضها يزوّد الإرهابيين بالذخائر والمؤن، وتقوم بينهم تجارة، وهو واقع يؤرق الشرائح الاجتماعية ويدبّ الذعر في الصفوف بعد اكتشاف جثث كثيرة لأصحاب سيارات مفقودة، المستفيدون من الأزمة يحرصون على استمرارها، على الجانبين، لكن، لا بدّ من التفاؤل بعد تشكّل حالة من الوعي الشامل ووقفة شعبية إلى جانب الجيش تتصدّى لثقافة الفوضى بقوة على امتداد ساحة الأمة.

كلمة لا بدّ منها: أن تضع على شرفة منزلك أو على سيارتك علم أية دولة من دول العالم، أمر مألوف في لبنان، لا يسألك أحد وهذا يندرج تحت يافطة الحرية، رغم أنّ الالتزام الوطني يقتضي رفع العلم اللبناني فقط، أما أن تعبر بسيارتك في واحدة من المدن اللبنانية الكبرى وعلى جانب اللوحة صورة علم الجمهورية السورية فهذا ما يستفز الدواعش والنصراويين وجند الشام والتحرير وكلّ المسمّيات، عندها تتعرّض للمطاردة بواسطة سيارة لا تحمل لوحات، تضايقك، أو دراجة تحمل على متنها اثنين من «الزعران»، يبادر الراكب الخلفي إلى ضرب السيارة بعصا فيحطم الزجاج ويولي الادبار… أنت لا تحمل سلاحاً، ولا حتى عصا… والقانون سقطت عصاه، تابع سيرك، والعوض على الله… فأنت في حضرة أوباش يهاجمون جيشهم الوطني!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى