الصراع المتجدّد في لبنان.. . مذكرة التخطيط الطارئة «رقم 22» 2

منى يعقوبيان

إن استهداف نقاط تفتيش الجيش التي وُضعت لفرض الاستقرار والأمن، ساهم في تعزيز العنف في لبنان. وازدادت دعوات رجال الدين السنّة المتطرفين الجنود السنّة إلى الانشقاق عن الجيش. وقد لبّى تلك الدعوة بعض هؤلاء المجنّدين الشباب الآتين من مجتمعات فقيرة، لكن عزيمة الجيش اللبناني لن تخفت، وتماسكه لن يتخلخل.

إن الآثار التراكمية لهذه السيناريوات الثلاثة المتتالية تشكل امتداداً نحو نقطة تحوّل حاسمة في لبنان. إذ إنّ كلّ نقطة يمكن أن يكون لها آثارها التدميرية، وإمكان حدوثها في وقت واحد، يمكن أن يتهدّد وجود الكيان اللبناني برمّته.

مؤشرات تحذيرية: إن المؤشرات التحذيرية لإمكانية تجدّد الصراع في لبنان تتضمن التطورات التالية:

– التدفق المفاجئ والهائل للاجئين السوريين، فضلاً عن الارتفاع الحادّ في أعمال العنف ما يعجّل من نزوح هؤلاء وتفضيلهم الوجهة اللبنانية.

– تسريع وتيرة التفجيرات السنّية المتطرّفة والتي طاولت المناطق الشيعية في الضاحية الجنوبية والبقاع والتهديد بالتطاول على الأماكن المكتظة بالسكان بهدف إثارة الرعب والخوف في قلوبهم.

– تعبئة المليشيات الطائفية داخل المجتمعات واضمحلال قدرة أمين عام حزب الله في السيطرة على شارعه يعزّزان من إمكانية الانتقام لمثل هذه التفجيرات الانتحارية العنصرية.

– تكاثر نقاط التفتيش التي تقسّم المدن والمناطق إلى أجزاء وتجعل الكانتونات واقعاً يفرض نفسه. ويزداد تورّط اللاجئين المتطرفين من السوريين والفلسطينيين في أعمال العنف الذين يتخذون من المخيمات ملاجئ جيدة لهم، ينظّمون ويخطّطون من خلالها لهجماتهم الإرهابية في الداخل اللبناني.

– اغتيال زعيم لبناني كبير كالسيد حسن نصر الله او استهداف المواقع الدينية المبجّلة، قد يثيران عنفاً حاداً ومفاجئاً.

ويتهدّد تجدّد الصراع في لبنان المصالح الأميركية وفق اعتبارات ثلاثة.

أولاً: زعزعة الاستقرار الأمني في المنطقة الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه ديمقراطياً وانتعاشاً اقتصادياً. فضلاً عن أن تعميق الصراع الإقليمي على الساحة اللبنانية المترافق مع توترات سنّية ـ شيعية، من شأنه أن يؤخّر إعادة التوازن، التي تعتبرها الولايات المتحدة من أولوياتها السياسية.

ثانياً: قد يتهدّد تجدّد الصراع في لبنان أمن «إسرائيل»، حليف أميركا الأساس، خصوصاً إذا ما تمكن الجهاديون من تثبيت أقدامهم في لبنان. وتحديداً القاعدة ومتفرّعاتها التي تسعى إلى تأسيس وجود لها على الحدود الشمالية مع «إسرائيل»، بهدف تنفيذ هجمات ضدّها.

ثالثاً: إن تجدّد الصراع في لبنان سيسمح للجماعات السنّيّة التكفيرية بالسيطرة على المناطق غير الخاضعة لسلطة الدولة اللبنانية، واتخاذ هذه المناطق بؤراً للتدريب والقتال وإطلاق الهجمات، ما يمكن أن يتهدّد أمن الولايات المتحدة وأيضاً أوروبا.

نظراً إلى الصلة المباشرة بين تمدّد العنف السوري وإمكانية تجدّد الصراع في لبنان، فإن إنهاء الأزمة السورية من شأنه أن يشكّل العامل الأكثر فعالية في منع تجدّد الفتنة. ومع ذلك، هناك استراتيجية معينة تهدف إلى التخفيف من الآثار غير المباشرة للصراع السوري على لبنان مع دعم الصمود اللبناني في وجه هذه العواصف وتقليص التوترات الطائفية، وتمنع بالتحديد من تجدّد الصراع في لبنان، ويمكن للولايات المتحدة أن تساهم في هذا عبر اتباع ثلاثة خيارات سياسية، هي التالية:

– التخفيف من وطأة الصراع السوري: عبر تكثيف الجهود لوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين السوريين العزّل ما يساعد على عدم انزلاق الصراع إلى الداخل اللبناني. يواجه هذا الخيار عدد من التحدّيات نظراً إلى عدم وجود إجماع دولي حول طبيعة الصراع الذي أصبح متجذّراً في سورية. وهذا يقتضي تطوير الحوار مع إيران أبعد ممّا هو حاصل الآن في مجال الملف النووي الذي لم يكن من أولويات سياسة الولايات المتحدة إلى الآن. وقد تستطيع هذه الأخيرة أن تتخذ بعض التدابير التي من شأنها أن تمنع تأجيج الصراع في سورية، وذلك كما يلي: ـ العمل مع الأمم المتحدة والجهات الإقليمية والعالمية الفاعلة وذات الصلة لتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى سورية، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139.

– البدء بحوار حول سورية ترعاه الأمم المتحدة بهدف احتواء العنف وبمشاركة الدول الإقليمية ذات التأثير مثل السعودية، وإيران وقطر وتركيا والعراق.

– تعزيز المرونة اللبنانية. فقد تستطيع الولايات المتحدة أيضاً النظر في اتخاذ تدابير تعزّز من صمود لبنان نظراً إلى التدفق السوري المستمرّ. قد يكون هذا الخيار ممكناً مع وصول الكثير من الموارد… وينبغي أن يتمّ ذلك بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، وتحديداً المملكة المتحدة وفرنسا، ودول الخليج وخصوصاً السعودية. وتشمل هذه التدابير ما يلي:

– زيادة التمويل في المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان ولسكان البلد المضيف.

– تعزيز أمن الحدود اللبنانية المشتركة من خلال العمل مع القوات المسلّحة اللبنانية والشركاء الدوليين.

– التخفيف من وطأة المناوشات الطائفية: تستطيع الولايات المتحدة أن تعمل من خلال عدّة قنوات، ومن ضمن هذه القنوات حلفاؤها الأوروبيون والخليجيون للمساعدة في مقاومة إغراء إذكاء الطائفية في لبنان: وذلك من خلال الآتي:

– البدء باجتماعات عمل رفيعة المستوى مع الزعماء السياسيين في لبنان لتشجيع بناء توافق في الآراء والعمل على انتخابات رئاسية وبرلمانية سليمة.

– تفعيل عملية الحوار الوطني وتعزيزها.

– إصلاح دور المؤسسات الأمنية وتعزيزها وتفعيلها، خصوصاً الجيش وقوى الأمن الداخلي.

إذا ما انزلق لبنان إلى العنف والصراع، سيكون لدى الولايات المتحدة خيارات أقلّ من تلك المتاحة أمامها للتخفيف من حدّة عواقب هذا. ومع ذلك، فإنه سيكون من الضروري الحدّ من الأضرار التي قد تنبثق من لبنان. وتشمل هذه الخيارات التالي:

– إرسال مبعوث أميركي رفيع المستوى للتوصل إلى وقف سريع لأعمال العنف. وسيكون الوضع دقيقاً جداً وأكثر حرجاً إذا ما امتدّ هذا الصراع خارج لبنان ليشمل «إسرائيل». حينذاك سيقوم هذا المبعوث بجولات مكوكية وقد يستعين بالحلفاء الأوروبيين، وإذا لم يتوقف العنف، فستلجأ الولايات المتحدة حينئذٍ إلى قطر كونها نجحت سابقاً في إعلان اتفاقات مماثلة بُعيد نشوب الصراعات.

– إنشاء فريق لإدارة الأزمات مع الحلفاء الإقليميين المهمين بمن فيهم تركيا والأردن والسعودية للحدّ من تداعيات الصراع في لبنان.

– تعبئة الموارد الدولية الولايات المتحدة، أوروبا، دول الخليج من أجل المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار من خلال صندوق الطوارئ اللبناني.

– استكشاف مدى إمكانية تعزيز قوات حفظ السلام في لبنان، تبعاً لمستوى العنف… ويمكن للولايات المتحدة العمل من خلال قنوات الأمم المتحدة، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار والمساعدة في حماية المجتمعات ضدّ المجازر الطائفية.

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

مستشارة بارزة في برنامج الشرق الأوسط، مركز ستمسون

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى