المعلّم الذي كفّ عن ارتشاف الرحيق!

مشهور خيزران

قطرة من دموع الحبر…

بين الحنين والحنين يفرُّ طيرٌ نحو مدى لا نبض فيه للحياة، ممن اصطفتهم الطبيعة بأرياش البهاء، الذين بنوا أعشاشهم في أفئدة الجمال، هم الأدباء: شعراء، روائيون قاصّون، مسرحيّون… إلى آخر الدوحة.

وعندما يصيبُ هذا السهم الجلف ـ الموت ـ من وجودي مقتلاً، أجدني مجروفاً للسير في سبيلٍ كم توعرت مسالكه وأوحلت، والسبيل في البحث الثقافي والأدبي.

ثم أصحو فأرتوي، وإن كان الأدب لروحي هو المأكل والمشرب، فما لي بهذا التطاول لأزجّ بقلمي غامساً إياه في محبرة أهل الخبرة والاختصاص؟

وعلى رغم فاجعتي برحيل أب القصة السورية ـ ياسين رفاعية ـ فلو تمكّنت كآبتي من جري إلى هذا الأمر لأمسيت كغوّاصٍ أوهم عيونه صفاء الماء، ورأى الدرر في الأعماق بجلاء، فقفز إليها ناسياً جهاز التنفس الذي كمّم فمه فيه لا يكفيه في مغاصه إلا لأمتار قليلة.

لذا، كان قراري أن أنأى بنفسي، فكثر هم المبوّقون بلفظة البحث في الأدب، شأنهم شأن ذوي السلطان قديماً وحديثاً باقتراف الجرائم بحق الفكر والمفكّرين في الأدب، وقد جعلوها سلاحاً وبشكلٍ خاص ضدّ الأدب الإنساني الطليق.

ياسين رفاعية القاصّ المبدع الذي لوّح مودّعاً، ميمّماً نحو أبديته تاركاً رئتيّ مدهشاته القصصية للقفص الصدري للقصة تتنفس بهما كي لا تموت. فبقيت ساحة المبارزة مفتوحة الجهات والوجهات يتصاول فيها مبدعو هذا النوع من الأدب الخفقاني عند البشر ـ القصة ـ نعم، يقول الشاعر «العتابي» العظيم وقد رأى القلم باكياً: «أحسب القلم أنزل قطر الحبر منزلة قطر الدمع». وقال: «ببكاء القلم تبتسم الكتب». ياسين رفاعية أزف ترحالك والوطن يبكيك بحبر النزف الأحمر.

رحلت يا صاحب الكلمة المكتوبة على لجة الناي.

أسلبت الجفون وقد عاينت شآمك تستل ياسمينها من غمد الأريج تواجه بمواويل البقاء غزاتها البغاة ولصوص أرغفة بنيها.

هي الآن أيها الدمشقي المولد والعيش والوفاة تصارع الهوج كسفينة أطفأ زنادقة الموانئ كل منارات الاهتداء على شواطئه.

برحيلك يا ابن الكلمة الشآمية الأدفأ من يملأ فراغ اللمسةِ الأخيرةِ من القصة؟ أيها الموضوعيون عذراً على رومانتيكيتي فالنجم القاص الذي خبا من سماء القصة السورية ـ ياسين رفاعية ـ أبكاني، فقد كانت القصة عنده وطناً، والوطن قصة مكتوبة عنده بأنسجة الشغاف.

وداعاً ياسين رفاعية.

ممثل ومخرج سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى