الحرب في سورية: «الجولة الرئاسية»
محمد شمس الدين
بات من الطبيعي أن يوظف كلّ فعل أو ردّ فعل في سورية، في انتخابات الرئاسة في البلاد التي من المفترض أن تحصل في موعد الاستحقاق، المصادف في حزيران المقبل أو تموز إذا طرأ ما يدفع إلى التأجيل، إنْ أمنياً أو لوجستياً، يتعلق بإنجاز مرحلة التحضيرات، لهذه الانتخابات التي من الممكن أن تشكل عنصر الحسم الأكبر في الحرب التي أكملت السنوات الثلاث من عمرها.
ما يشير إلى هذه الاستنتاجات، الضغوط السعودية التي ما زالت تراهن على تغيير واقع الميدان. في حين أنه ليس في مصلحة جماعاتها المسلحة، عبر السعي الحثيث إلى مدها بالسلاح «النوعي» كالصواريخ المضادة للدروع أو تلك التي تسقط الطائرات، لكن ما كان قدّم من هذه الأنواع لم يثبت فعاليته في مناطق أخرى، كانت قد زودت جماعاتها المسلحة بها، إذ تركت في مكانها بعد أن لاذ بالفرار من كان يفترض أن يستخدمها.
القرار السعودي الأميركي الذي تم التوصل إليه خلال زيارة رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، إلى الرياض واجتماعه بالملك «العليل» ووليَيْ عهده في «روضة خريم» حيث المنتجع الملكي، خلص الى أن يصار إلى ضخ السلاح الذي قد يغيّر من مجريات المعارك بعد دراسة لائحة تشكيلة منه، لا تشكل خطراً على الأمن الدولي في حال تسلمها المقاتلون الذين لا ثقة فيهم، خصوصاً أنهم جُمّعوا من جنسيات عربية وغربية متعدّدة. لكن ما يؤكد عليه القرار، أن المعركة يجب أن تتواصل وبضغط أكبر للحؤول دون تمكين الحكومة السورية من إجراء الانتخابات الرئاسية في هذه المرحلة، لمنع تجديد الشرعية للرئيس السوري بشار الأسد الذي يشكل بقاؤه أو عدمه عنواناً للانتصار أو الهزيمة، ليس فقط في سورية بل في المنطقة والعالم.
لم تكن الاختراقات التي حصلت عبر الحدود التركية إلى منطقة كسب في ريف اللاذقية سوى جزء من عملية وضع المعوقات أمام إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية، ومنها أيضاً العودة إلى فتح جبهات جديدة بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها الجماعات المسلحة في مناطق متعدّدة، لا سيما جبال القلمون في ريف دمشق وحلب في شمال البلاد، ما أدّى إلى انهيار عسكري ومعنوي بالغ لدى تلك الجماعات وداعميها الإقليميين والدوليين. ومن تلك الجبهات «الموعودة» منذ زمن، والتي يُحضَّر لها بقوة هذه المرة، هي تحديداً في منطقة درعا عبر الحدود الجنوبية لسورية مع الأردن. تلك الجبهة التي من الممكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، بحيث تتجاوز النيران حدودها، والتي يحاول الأميركيون منذ أشرفوا على تدريب أكثر من 1000 مقاتل في محيط عمان وتجهيزهم، خوض الحرب في تلك المنطقة باعتبارها الأقرب إلى العاصمة دمشق، حيث تصبح تحت رحمة المعارك، ما يقوّض الجهود الحكومية كلّها ويشلّ المركز.
من المعلوم أن الأميركيين تسلموا قيادة العمليات مباشرة عبر الأردن بعد سقوط مدينة القصير في حزيران 2013 بأيدي الجيش السوري وحزب الله، كما كانوا توعدوا بشنّ هجوم واسع النطاق على سورية حددوا موعده في تشرين الثاني من العام نفسه، إلا أنهم تراجعوا تحت وطأة الخوف من انفلات الأمور من عقالها والغرق في أتون حرب قد لا تبقي ولا تذر على مستوى المنطقة، وربما العالم الذي انهارت كل «مواقفه» بعد تلك الواقعة في ريف حمص، ليبرز الأميركيون من جديد بالموقف نفسه أخيراً، إذ يقاربون معركة الجنوب بحذر شديد نتيجة تداخل المعركة الجيوسياسي هناك لقربها من حدود فلسطين المحتلة، وإمكانية تورط «تل أبيب» الذي سيجر إلى حرب تعرف واشنطن جيداً أن أطرافها على استعداد كامل لخوضها، في حين أن المعلومات التي توفرت لحزب الله منذ ما قبل قيام الحكومة اللبنانية أكدت أن «الإسرائيليين» يعدّون لشيء ما ضده في لبنان من دون إسقاط احتمال استهدافه داخل الأراضي السورية. لكن الولايات المتحدة قررت على ما يبدو خوض معركة الجنوب السوري في محاولة أخيرة لتغيير قواعد الاشتباك على ألا يخرج عن ضوابطه.
نجح السعوديون في انتزاع ذلك من الرئيس الأميركي لدى زيارته المملكة، خصوصاً أن القوة التي جُهّزت تتّصف بـ»النظامية» البعيدة عن الأسلوب الذي اعتمدته الجماعات المسلحة في ممارسة الإرهاب والعنف الأعمى، وأدّى إلى تفكك الموقف السياسي الدولي وصولاً إلى إجراء تغييرات كبرى في قيادة الحرب، أبرزها ما جرى في دولة قطر، وعلى مستوى السعودية بين رئيس الاستخبارات بندر بن سلطان ووزير الداخلية محمد بن نايف.
ما تقوله مصادر «محور الممانعة» إنّ العمل جار لإجراء الانتخابات الرئاسية السورية في موعدها انطلاقاً من قاعدتين، الأولى أن المعادلة التي فرضت نفسها في بداية الحرب في سورية، والتي تقول إن المعارضة تسيطر على ما نسبته 70 في المئة من الأرض قد انقلبت حالياً بنسبة مئة في المئة، مؤكدة أن القوات الحكومية باتت هي التي تسيطر على تلك النسبة مقابل 30 في المئة للجماعات المسلحة المعارضة.
أما القاعدة الثانية فتتمثل في أن سورية ما زالت تحتضن أكثر من ثلاثة أرباع سكانها، ما يعني أن الغالبية المطلقة قادرة على المشاركة في عمليات الاقتراع، وأن 40 في المئة من المكون الأساس في المجتمع السوري، يؤيدون من دون أدنى شك الرئيس الأسد الذي يشكل المرشح الوحيد بعيداً عن كل التصريحات حول التمسك به أو عدمه، لأن لا شخصية حيادية تستطيع تولي الحكم في ظروف لا حيادية فيها.