ترشّح جعجع قصة خيالية لا صلة لها بالواقع

شادي جواد

لقد زاد ترشّح رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع رسمياً إلى رئاسة الجمهورية في الشرخ الحاصل داخل فريق «14 آذار»، إذ تقصّد من خلال ترشّحه من دون أيّ مقدمات أو مشاورات مع حلفائه، إغلاق الأبواب أمام أيّ مرشّحين محتملين من المسيحيين المنضوين في منظومة هذا الفريق. كما أنه تقصّد من وراء ما قاله في مؤتمره الصحافي الذي عقده في معراب، إظهار نفسه على أنه الرجل القويّ والشجاع على الساحة المسيحية وداخل فريق الرابع عشر تحديداً، متجاهلاً أن هناك من الشخصيات المسيحية التي لديها حيثيات معينة تجعلها مؤهلة لخوض غمار هذا الاستحقاق.


تصرف جعجع بسلوكه هذا على كونه ما زال رئيس ميليشيات من الممكن أن يفرض رأيه بشتى السبل من دون أن يقف أحد في وجهه.

لا شك أنّ ترشّح جعجع في هذه المرحلة هو أقرب إلى قصة خيالية لا يمكن لها أن تصبح واقعاً في أي ّيوم من الأيام، وأنّ المواقف التي أعلنها في بيان الترشّح لا تتعدّى كونها صراخاً في واد، لأنّ طبيعة هذا الترشّح جاءت معاكسة تماماً للواقع اللبناني وللمشهد الإقليمي والتطورات الإقليمية، فالانتخابات الرئاسية في لبنان كانت وما تزال نتاج فعل إقليمي ودولي أكثر ممّا هو داخلي، وهو استحقاق ملتصق التصاقاً وثيقاً بالاستحقاقات التي تنتظرها المنطقة، وبالتالي فإنه من غير الممكن أن يتفرد أحد بقرار هذه الانتخابات، لا سيما أن الصورة في المنطقة غير متبلورة بعد وتحتاج إلى بعض الوقت لكي تتظهر في ظل المناخات المتقلبة التي تتحكم بمسار التطورات التي تحصل، لا سيما على المستوى السوري.

وبغضّ النظر عن كون الظرف الإقليمي والدولي غير ملائم بعد للانطلاق في السباق الرئاسي بشكل فعليّ، فإن ترشّح جعجع فتح الأبواب على مصراعيها على الكثير من الاحتمالات في ما خص علاقة معراب مع مختلف مكونات «14 آذار» قبل غيرهم من الأفرقاء السياسيين المعنيين بهذا الاستحقاق، خصوصاً أنه بدأ يسمع ولو همساً على مستوى «تيار المستقبل» امتعاضاً حريرياً من الأسلوب الذي اتبعه جعجع في إعلان ترشّحه، وأن البعض ممّن هم في موقع القرار في «التيار» يعتبرون أن خطوة جعجع أحرجتهم في الداخل والخارج، خصوصاً أن هناك مرشّحين آخرين داخل الفريق المسيحي و«14 آذار» وكان على رئيس «القوات» عدم الاستعجال وإجراء مروحة من الاتصالات والمشاورات أقله مع حلفائه لتأمين المناخات المطلوبة للترشّح، خصوصاً أن المرحلة الحالية في لبنان هي مرحلة استثنائية غير عادية، وأن الوضع السياسي غير صحي، لا بل إنه متشرذم ومنشطر على نفسه، وأن الولوج في معركة الانتخابات الرئاسية في حالة كهذه تحتاج إلى الكثير من التروي ووضع خارطة طريق من شأنها أن تساعد المرشح على خوض هذه المعركة برؤية واضحة بدلاً من خوضها في مناخات ضبابية غير محسوبة النتائج.

وحول الأسباب التي دفعت جعجع إلى إعلان ترشّحه بهذا الشكل، يقول مصدر وزاري في فريق «14 آذار» إن هذه الخطوة تعدّ متسرعة، وإنّ جعجع إذا أراد أن يقطع الطريق على غيره فهو مخطئ، إذ إن من يريد الترشّح لن يستحي منه وهو سيقدم على هذه الخطوة في حال كانت الصورة متبلورة لديه، فالترشّح إلى الرئاسة الأولى يحتاج إلى حوارات وتفاهمات وتذليل عقبات، فهذا الترشّح ليس غلى رئاسة نقابة أو حزب أو جمعية، إنه ترشّح إلى الموقع الأول في البلد، وهذا الموقع لكل اللبنانيين ويجب أن يكون هناك حد أدنى من قبول القوى السياسية لأيّ مرشّح إلى هذا الموقع. وتتلاقى مصادر سياسية متابعة مع رؤية هذا الوزير الآذاري، إذ ترى أن ظروف الانتخابات الرئاسية لم تتبلور بعد، وأن هناك الكثير من العناصر المطلوب توافرها قبل خوض غمار هذه الاستحقاقات، وغالبية هذه العناصر ما زالت معدومة، وبالتالي فإنه من الممكن أن تتأخر الانتخابات الرئاسية بعض الوقت عن موعدها الدستوري.

ومن أبرز هذه العناصر على المستوى المحلي غياب التفاهمات السياسية المطلوبة، وعدم بدء الحكومة في إعداد الأرضية الملائمة لهذا الأمر، عدا عن أن هناك جهات فاعلة ومؤثرة في هذا الاستحقاق لم تقل كلمتها بعد، ومن بينها بكركي على وجه الخصوص. أضف إلى ذلك العوامل الإقليمية، إذ إن المشهد التفاوضي الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» ما زال ضبابياً، والأزمة السورية لا تزال غير محددة المسار، ناهيك عن أمر أساس من غير الممكن تجاهله أو تجاوزه وهو التوافق الإيراني ـ السعودي الذي ما زال بعيد المنال، هذا عدا عن أن الوضع اللبناني ما زال غير أولوية على المستوى الدولي، إذ تعتبر الدول الكبرى أنّ الملف اللبناني غير منفصل عن ملفات المنطقة، وبالتالي فإن أيّ تقدّم جوهري على مستوى الاستحقاقات الكبرى في لبنان يبقى متعذّراً ما لم يواكب بحلحلة على مستوى أزمات المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى