حسين قاووق… يصعد «السلّم الكوميدي» بموهبة واعدة
جهاد أيوب
منذ عشر سنوات ونحن نعيش استسهال العمل في المسرح، وأصبحنا نفتقد الخشبة التي تذهلنا، والتي نتعلّم منها الصوت والتفكير والبسمة الصافية، وفنّ الإصغاء، وتهذيب الحدث. هو مرض أصاب أبا الفنون بعد مرحلة اقتصادية محرجة، وواقع فكريّ فنّي سياسيّ أليم نعيشه، وتحديداً مع غياب التجارب المسرحية الحقيقية إلّا نادراً، ما فرض علينا نمطية استهلاكية نقلت الكاباريه والنوادي الليلية إلى المسرح بحجة «الكوميدي شوو». وبسرعة، اجتمع من حول هذه الفكرة مجموعة عاملين في الإعلام والفنّ تقدّر موهبتهم التمثيلية بالتواضع، وأحياناً ليست موجودة.
ونظراً إلى عدم الاستعانة بهم، والبطالة، وتجاهل وجودهم، قرّر بعضهم نقل الخبرية بعد أن تبنّتها بعض الفضائيات اللبنانية لهشاشتها الفنية، ولغتها التسطيحية إلى المطاعم والنوادي الليلية، ونفّذوها بمساحة ضيقة تشبه الكاباريات ولا تتطلب أجهزة فنية، فقط ألوان مغرية، وديكور فقير يعتمد على شرشف أسود وعدد من الكراسي الخشبية، والباقي لا علاقة له بالمسرح من الأساس. وقد اعتمدت هذه التي سمّيت «كوميدي شوو» على الخطاب الجنسي، والصراخ والنواح والمشاهد التهريجية التي تحاكي الغريزة بكل فصولها مع انتقادات حزبية ومناطقية عنصرية استهلاكية، هدفها اجترار الضحك، واستجداء البسمة لأنّ وضع البلد والمجتمع والفكر من كلّ النواحي «مزفّت».
هذه اللعبة جعلت بعض المواهب الشابة تعتبر المسرح مجرد حركة تهريجية، ونكات جنسية والسلام. ويعود واقعنا المؤسف إلى أن الثقافة البصرية اليوم محصورة بالفضائيات وبعض الأفلام الأجنبية. ومدارسنا لا تعير الفنّ والمسرح أيّ اهتمام لكثرة المواد التي تحشو رأس التلميذ. أما المنزل، فغياب الامن والامان وقلة المال لغيا فكرة الذهاب إلى المسرح للتنوير، خصوصاً أن الفئة الوسطى في المجتمع اللبناني غيّبت، وقُتلت، وشحّ وجودها. وللحق، هي التي صنعت الفكر والفن والثقافة، وثبّتت حضارة نقول عنها اليوم الفن الجميل!
إذاً، شبابنا استسهل المسرح، وقرّر الخوض بما لديه من موهبة، وبدورنا نتابعهم بشغف، ونشاهدهم بمسؤولية. فما يقدّم أحياناً يبشر بوجود موهبة تستحق الوقوف إلى جانبها، ومنها موهبة الشاب حسين قاووق الذي قدّم عرضه المسرحي «كوميدي شوو» منذ أيام على مسرح المركز الثقافي الروسي.
تعتمد مسرحية «السلّم الكوميدي» من تأليف قاووق وإخراجه وبطولته، وتأليف موسيقي وألحان عازف البيانو حسام الصعبي، وأشعار محمد دايخ، وغناء لمياء غندور، وعازف العود سليم جباعي، وإيقاع جاد الصعبي، تعتمد على المسرح الفقير الذي يستسهل نقله من الخشبة إلى المدارس والنوادي الصيفية، وربما إلى المطاعم. كما تمحور النصّ على انتقاد القضايا الاجتماعية بقالب كوميديّ من فصل واحد، بعيد عن لعبة الإضاءة والسينوغرافيا. ولا علاقة له بتنفيذ ما يسمّى بالرؤية الإخراجية. وما يهمّ في هذا العمل، نظافة النصّ الذي غيّب الإيحاء الجنسي والتهريج الجسدي، وقلة الأدب لفظاً، وأصر على أن يضحكنا بخفة دم لا صراخ فيها. كما أنّ حضور موهبة تمثيلية جميلة تدعى حسين قاووق كان لافتاً، ومحور متابعتنا، هذا الشاب الموهوب، والمقبل إلى المسرح من واقع ايامنا يشبهنا كثيراً، ويملك «هضامة» مطلوبة، ورشاقة في حركته ستفيد المسرح مع الأيام.
حسين جسد مطواع وليّن، محبّب في طلّته، ويفرض التواصل بين ما هو على المسرح والصالة بذكاء ناعم من دون تعمد، لديه ثقة بما هو عليه، ورغم انه لم يدرس المسرح، ولا يعرف ألف باء المستطيل، ظلّ أبو الفنون حلمه، و لو توفرت لهذا الشاب فرصة أكبر، وفيها المخرج الذي يتفهم مواهب الشباب الواعد، وينظّم حركته في استخدام صوته وجسده، وتنقّله على الخشبة لكانت النتيجة بالتأكيد مختلفة كلياً، لا بل منافسة بجدارة.
موهبة حسين جديرة بالدعم وبالمتابعة، ونحن بحاجة إلى مواهب جديدة تملك الجرأة وحسّ المغامرة بشرط التعلم والاستفادة. يشاركه بذلك عازف البيانو حسام الصعبي، يعزف بعِلم ومعرفة ومهارة وذكاء، عازف يتقن نغمته، ويأخذنا معه بسرعة، أما المغنية لمياء غندور ورغم تجربتها المتواضعة، فإنها تملك صوتاً رخيماً يحتاج إلى التدريب الحيّ، وعدم أكسدته مع أيّ إحراج يقع على المسرح، وللحقّ، أشعار محمد دايخ القريبة من نمطية كتابة زياد الرحباني ممتعة، فيها الكثير من صفعات الواقع، ورسم صور حقيقية لحال بلدنا ومجتمعنا برشاقة وبجمال المعنى رغم آلامه. شعر محمد أفضل من حركته الضعيفة على المسرح.
«السلّم الكوميدي» عمل فنّي ارتجالي متواضع فيه بعض المسرح، وعمل صادق من مواهب واعدة تستحق أن تنال فرصتها إذا أخذت المسرح بمسؤولية، واعتمدت العلم والمعرفة بالفنّ لأنّ الموهبة لا تكفي كي تستمر، وإذا استمرت تكرّر ذاتها.