رياض طبارة لـ«البناء» و«توب نيوز»: انسحاب الأميركيين من المنطقة كان سبباً في دخول المتطرّفين!

حاورته: روزانا رمّال

رأى سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الأميركية والخبير في الشؤون الأميركية رياض طبارة، أنّه عندما اندلعت المواجهات في سورية، لم يُرد أحد أن يكون في المقدمة، فطُلب من أوباما أن يكون في المقدّمة لكنه انسحب. وفي العراق طلبوا منه أن يبقي عدداً من جيوشه كي تستقر الأمور لكنه انسحب على أمل أن تدخل القوى الخيّرة، فدخلت القوى الشريرة، ولذلك اضطر اليوم للعودة إلى العراق لأن انسحاب غيره كان سريعاً، وهو يعرف أن داعش والقاعدة ستنقلبان على أميركا في المستقبل.

واعتبر طبارة أنّنا قد نكون أمام شرق أوسط جديد، لكن ليس الشرق الاوسط الجديد الذي تكلم عنه الكثيرون في الماضي والذي يعني تقسيم البلاد العربية. والأحداث التي تحصل الآن فاجأت الأميركيين كما فاجأت باقي اللاعبين على الساحة الإقليمية. ورأى أن ما تحاول أن تقوم به الولايات المتحدة اليوم في العراق، جمع العراق لا تفتيته، وسياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ليست مبنية على المؤامرة الكبيرة التي هي الشرق الاوسط الكبير، وطبعاً هذا حلم «إسرائيلي» لكن الولايات المتحدة لم تتبناه بعد كسياسة طويلة الامد في المنطقة.

وقال طبارة في حديث لـ«البناء» و«توب نيوز» حول ما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس عام 2006 عن شرق أوسط جديد: «في السياسة الأميركية كثير من الكلام الذي لا يشكل استراتيجية، ونسمع الآن الوزير جون كيري يقول أموراً يكذّبها البيت الابيض. ولاحقاً تتغير الادارة وتتغير معها السياسات. لقد تحدثت رايس عن الفوضى الخلاقة، وهذه ليست سياسة، لكنها وصف لواقع أنه اذا كنا ذاهبين إلى الفوضى، فيجب أن نذهب بها إلى موقع خلاق ونغيّر الامور بشكل يتماهى مع أهدافنا».

وتابع: «السياسة الأميركية في الشرق الاوسط هي سياسة الرئيس باراك أوباما في الوقت الحاضر، وسياسة أوباما تعتمد ردود الفعل، فهو لا يريد أن يدخل في حرب، بل أراد أن يسحب أميركا من فاعليتها في المجتمع الدولي وانسحبت أميركا بسرعة وتركت فراغاً في المنطقة حتى دخلتها مجموعات متطرفة كداعش والنصرة بدل أن يدخلها الأوروبيون أو شركاء أميركا. لكن الأوروبيين لا يتدخلون من دون قيادة أميركية».

وعن طبيعة هذا الفراغ إن كان عسكرياً أو سياسياً قال طبارة: «الانعزالية جزء من السياسة الأميركية، وأوباما على عكس الرئيس السابق جورج بوش

الذي كان يتدخل في شؤون دول العالم، وكان يعمل من دون أن يفكر. أوباما يفكر كثيراً ولا يعمل، ويقود من الخلف كما حصل في ليبيا ومالي ولا يريد التورط. وجاءت مسألة سورية ولا أحد يريد أن يكون في المقدمة، فطلبوا من أوباما أن يكون في المقدمة لكنه انسحب. وفي العراق طلبوا منه أن يبقي عدداً من جيوشه كي تستقر الأمور لكنه انسحب على أمل أن تدخل القوى الخيّرة، فدخلت القوى الشريرة، ولذلك اضطر اليوم للعودة إلى العراق لأن انسحاب غيره كان سريعاً، وهو يعرف أن داعش والقاعدة ستنقلبان على أميركا في المستقبل، والأميركي انزلق في العراق لانه ترك العراق قبل أن يحين الآوان».

وعمّا إذا كانت «داعش» صناعة أميركية قال طبارة: «الكلام عن إنّ داعش ممولة من أميركا غير صحيح، والكلام الذي تناقلته الصحف عن هيلاري كلينتون في كتابها غير صحيح، إذ قالت إننا نحن بسياستنا الخاطئة خلقنا داعش لأننا لم نتدخل في سورية منذ البداية وتركنا الفراغ الذي ملأته داعش، وأنها أخبرت أوباما بذلك لكنه رفض التدخل».

وأضاف: «السياسة الخاطئة لدى الولايات المتحدة هي التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه، وأميركا ساذجة في كثير من الاحيان وهذا واضح في كثير من المحطات، تماماً كما حصل مع «سي آي إي» التي فوجئت بالربيع العربي».

وتابع: «إنّ إسرائيل مهمة لأميركا لأسباب داخلية، منها مسألة الانتخابات، وذلك بسبب قوة اللوبي الصهيوني في أميركا، ولا يستطيع أحد في الكونغرس أن يواجهها إلا إذا كان من منطقة بعيدة عن نفوذ اللوبي الصهيوني. كما تبين أنّ معلومات الأميركيين عن الربيع العربي خاطئة إلى ابعد حدود، وفي مصر ظلوا مساندين الاخوان المسلمين إلى أن أصبح السيسي رئيساً للجمهورية، ولم يعرفوا أن الاخوان لا يستطيعوا حكم مصر. وفي العراق تخلصوا من نظام ولم يبقوا لمدة كي يستقر الوضع، وليس من مصلحة أميركا ان يكون العراق في قبضة داعش لذلك دخلوا بجيوشهم الآن وطائراتهم لإيقاف داعش، وهذه أخطاء في السياسة الأميركية في الشرق الاوسط، وكثير منها مرده الحفاظ على إسرائيل، لأنّ السياسة الأميركية في المنطقة تستند إلى مسألتين: الحفاظ على إسرائيل، والحفاظ على النفط لمصلحة أميركا وحلفائها الأوروبيين. والامور تطورت بغير إرادة الأميركيين ولم يستطيعوا السيطرة بالشكل الذي يريدون».

وإذا كان من الممكن أن ينتج عن شبه الإجماع هذا على محاربة الإرهاب، أرضية لبناء تسويات تجمع الأميركيين والسعوديين والإيرانيين، لفت طبارة إلى أن القضاء على الارهاب سيكون أحد المداخل لهذه التسوية، والمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية مهمة جداً وقد تنتهي باتفاق يريح المنطقة ككل. «ولو ترك أمر هذه المفاوضات لروحاني وأوباما لوصلا إلى نهاية حميدة، لكنهما وصلا إلى نهاية المرحلة الاولى السرية وبسبب السرية استطاعوا ان يصلوا إلى تفاهمات وعندما ظهرت إلى العلن، وظهرت معها قوى من الجهتين تشد الطرفين إلى الخلف. من جهة إيران هناك قوى تشدّ روحاني إلى الخلف، ومن جهة أميركا هناك إسرائيل والكونغرس وبعض دول الخليج. والآن، ثمة فرصة أخيرة، فإذا توصّلا إلى اتفاق ما، ربما يشمل هذا الاتفاق حلحلة في المشاكل المعقدة ككل، ويستطيعان أن يجدا رؤية حول محاربة الارهاب كباب للتعاون».

وأضاف: «الاتفاق على رئيس حكومة جديد في العراق حصل بموافقة إيرانية وأميركية، ولكن هل ستسمع بعض القوى بنجاح المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية؟ هل القوى المتشدّدة ستسمح بهذا الاتفاق كدول الخليج التي تريدها بشروط أن تعود إيران إلى المجتمع الدولي، وليس بشروطها، أي أن تُحلّ كل المشاكل في المنطقة التي لها علاقة بها وهذا ما تطلبه السعودية».

وأشار إلى أنّ «إسرائيل» طلبها مختلف. هي تريد أن تنهي البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل خشية الوصول إلى واقع امتلاك إيران السلاح النووي خلال أشهر، وتريد ألا تحصل إيران على السلاح النووي لا الآن ولا في المسقبل البعيد. وأيضاً في إيران هناك من لا يريد الاتفاق مع الشيطان الاكبر كما يسمونها.

وتابع: «أوباما وصل في سورية إلى حل أنه سيتدخل عسكرياً، وأنهى مسألة السلاح الكيماوي السوري الذي يتهدّد إسرائيل، فأعطى إسرائيل هذه الهدية وانسحب. أما في إيران فهمّه الاكبر أن يوقف البرنامج النووي الإيراني، وبعده لا يهتم وينسحب، وهذا هو سبب الخوف لدى دول الخليج والحلفاء الآخرين أنه كما فعل أوباما في سورية، اهتمّ بمصلحة إسرائيل وترك الحرب دائرة، فإنه سيترك القضية الإيرانية بعد ان يأخذ السلاح النووي ويرضي إسرائيل ويترك الامور في الشرق الاوسط عالقة لكي تحل نفسها بنفسها».

وعن الوضع في سورية الآن بعد أربع سنوات من الحرب، وعن الموقف الأميركي إزاء سورية قال طبارة: «أميركا الآن منسحبة من سورية وتركت الأمور بعد أن قدمت هدية السلاح الكيماوي إلى إسرائيل، والحالة على الارض لا تنبئ بنهاية قريبة للحرب، ومعظم المحللين الاستراتيجيين يقولون أل حلّ عسكرياً قريب».

ويشرح طبارة الامر قائلاً: «إذا حسمت الحرب لمصلحة أحد أطراف القتال في سورية، يكون الحل العسكري قد نجح، وإذا استطاع الخارج في اتجاه معين أن يرضي اقله معظم القوى التي على الارض، فقد يواجه بالمشكلة وهي أن القوى الفاعلة كروسيا وإيران وأميركا وتركيا قد تتوصل إلى حل في ما بينها، لكن ثمة مجموعة ستبقى خارجة عن هذه المنظومة، وتضم هذه المجموعة داعش والنصرة والاسلاميين المتطرفين».

وعن الجهة التي تقف خلف «داعش» وتدعمها أضاف طبارة: «ماذا تريد داعش؟ خلافة إسلامية والبغدادي خليفة على كل مسلم موجود في انحاء العالم، وهو ضد الدولة التي تضم كل الاطراف. ولذلك أي مسلم في العالم يجب أن يبايع هذا الخليفة، ولن يكون هناك اتفاق بين من يريد دولة وبين من يريد خلافة. لدى إيران وروسيا وأميركا وتركيا النظرة ذاتها إلى الدولة التي تحتض كل أفراد الشعب، أما الخلافة فأمر مختلف. مثلاً، في عرسال عندما وجدوا ان المعركة خاسرة انسحبوا وخطفوا بعض الجنود لمقايضتهم وذهبوا إلى الجبال، وهذا ليس اتفاق على حل نهائي بل حلّ لمعركة صغيرة. المشكلة الأساس اليوم أنّ داعش أصبحت تملك الاموال ولديها نفط وبنوك في العراق ولا ننسى كيف سرقت هذا النفط وهذه البنوك».

وحول احتمال أن يكون هناك صراع على الزعامة السنية في المنطقة بين السعودية وتركيا ومصر أوضح: «إن داعش ليست أردوغان أي الاسلام السياسي الذي تقبل به تركيا، وحتى لو صح ما يقال عن أن تركيا تساهلت مع داعش».

وعن واقع الحدود التركية العراقية السورية التي يقول البعض إنها تشكل ملاذا آمناً لداعش، وأنّ عناصرها ينتقلون إلى سورية عبر تركيا، اعتبر طبارة أن الحدود واسعة ويصعب ضبطها كلها، وإن سهلت تركيا لداعش تكتيكياً لا استراتيجياً، فذلك لخدمة اهداف تركيا كما سهلت أميركا لبن لادن خلال الحرب في افغانستان. الاسلام السياسي في تركيا لا يتعايش مع داعش، والاكراد مع العراق تعاونوا في البداية مع داعش ثم انقلبت داعش عليهم.

وعن وجود مشروع زعامة تركية حاولت أنقرة تطبيقه خلال ما سمي بالربيع العربي قال طبارة: «النظام التركي، خصوصاً بإشراف اردوغان وحزب العدالة والتنمية، يتعاطف مع الاخوان ويعتبر ان باستطاعتهم ان يتخلوا عن بعض تعصبهم الديني لمصلحة الرفاه الاجتماعي والعلمانية، ولكن الاخوان المسلمين في مصر أظهروا أن أولوياتهم ليست أولويات الشعب، لأن أولوياتهم دينية، وأولويات الشعب تتمثل في تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي. ولا أعتقد ان تركيا ستكون في توافق كامل مع الاخوان المسلمين في المدى البعيد».

وفي الملف اللبناني، لا سيما عودة سعد الحريري على وقع الأحداث الأمنية التي عصفت بعرسال قال طبارة: «ربما حصل الرئيس الحريري على تطمينات أمنية من عدة جهات، قد تكون الاستخبارات الالمانية واحدة منها. وعودته أصبحت مصلحة لجميع الأفرقاء لا سيما بعد أن أصبحت داعش على الابواب وظهرت الحاجة لأن يبرز الشق الاسلامي الثاني أي الاعتدال. وبسبب التخوف من داعش، أصبح من مصلحة كل اللبنانيين أن تبرز مجموعة سنية غير متطرّفة، ومعتدلة، يقودها الرئيس الحريري، وأصبح من مصلحة الجميع أن يعود الحريري إلى لبنان. وذلك لا يعني أنّه يؤثر في المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية، ولا علاقة له بالانتخابات الرئاسية في لبنان. لقد كُلّف الحريري بصرف الهبة المالية السعودية، وهذه الهبة تعطيه الزخم الكبير في عودته إلى لبنان، والسعودية تتأكد أن هذه الاموال لن تذهب إلى غير ما خصّصت له».

وعن عرسال قال طبارة: «في الوقت الحاضر لا أعتقد أنّ النصرة وداعش حاضرتين لأن تفتحا معركة قوية وكبيرة، لأن الجيش البناني وحزب الله موجودان، وهناك أيضاً الجيش السوري، والأهم أن لا بيئة حاضنة لهم. وكانت عرسال بمثابة خط إمداد للمسلحين من المخيم إلى الجبل، والآن قُطع هذا الخط، لذلك أحسّ المسلحون أنهم أصبحوا في خطر، لا سيما أنّ الشتاء آت. ولا أعتقد أنّ ما حدث في عرسال كان بداية لاحتلال قسم من لبنان وإعلان إمارة إسلامية كما قال قائد الجيش».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى