«حرب السدود» على ضفاف الأنهار
بشير العدل
أعلن عدد من دول العالم مؤخراً عن الاتجاه نحو بناء السدود على ضفاف الأنهار المختلفة، وذلك للتغلّب على أزمة الطاقة ونقص الإمدادات النفطية، الأمر الذي دفع بالبعض منها، خاصة تلك التي تقع على ضفاف الأنهار، إلى بناء السدود لتعويض النقص في الطاقة واستخدامها كبديل اقتصادي لتوليدها.
يأتي هذا في وقت كادت تصل فيه عملية بناء السدود إلى حرب دولية خاصة مع تصاعد الأزمات بين الدول التي تتحكم في مصبات الأنهار وغيرها، نظراً لتأثّر الأخيرة بنقص حصتها من المياه فضلاً عن التأثيرات البيئية السلبية الناجمة عن بناء السدود والانعكاسات السلبية لها على حياة المواطنين، خاصة وأن تنفيذ تلك السدود يتطلّب تهجيراً قسرياً للعديد من السكان.
فبعد أن دخلت مصر مع أثيوبيا في مفاوضات حول سد النهضة الذي ما زالت الخلافات حوله قائمة بين البلدين، حتى أعلنت الكونغو الديمقراطية في وقت سابق عن الاتجاه نحو بناء سد جديد، هو الأكبر من نوعه في العالم ويحمل اسم «مشروع انغا3» والذي من المقرر أن يتم البدء فيه خلال شهر نوفمبر المقبل.
وبحسب ما نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية فإن بناء المرحلة الأولى من السد تتكلف نحو 14 مليار دولار أميركي، ويهدف إلى بناء سد عملاق ومحطة لتوليد 4800 ميجا واط من الكهرباء.
وتتكلّف المراحل التالية للمشروع نحو 100 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن يكون لديه القدرة على توليد نحو 40 ألف ميجا واط من الكهرباء.
وهي المبررات ذاتها التي قدّمتها أثيوبيا في معرض دفاعها عن سد النهضة، الذي ما زال يثير حفيظة مصر، لتكون السدود في نظر كثير من الدول هي السبيل لتوليد الطاقة والتغلب على عجزها.
غير أن هناك آثاراً اقتصادية وبيئية واجتماعية سلبية تنتج عن بناء السدود، خاصة أن تلك الدول لا تأخذ بعين الاعتبار المعايير الدولية في البناء، وذلك حسبما أعلنت منظمة الأنهار الدولية «انترناشونال ريفرز» التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، التي أوضحت في تقرير لها عن بناء السدود بأن البناء بهذه المعايير ينتهك القانون الوطني والمبادئ الدولية لتطوير وبناء السدود الضخمة.
أوضحت المنظمة وفي ما يتعلّق بسد الكونغو أنه في الوقت الذي يتطلّب توفير نحو 60 ألف شخص للعمل فيه، فإنه سوف ينتج عنه تهجير أكثر من 35 ألف شخص في المرحلة الأولى و25 ألفاً آخرين في مراحله الأخرى، أي ما جملته 60 ألف شخص فضلاً عن التأثير السلبي على الثروة السمكية التي يمدّ البلاد بها نهر الكونغو، وهو ثاني أكبر أنهار العالم.
اذن، غياب التقييمات البيئية والاجتماعية لبناء السدود من الممكن أن تكون له عواقبه الوخيمة على مختلف البلدان، ليضيف ذلك مشاكل جديدة، تضاف إلى مشاكل أخرى أكثر أهمية وخطورة في الوقت ذاته، تتمثل في نقص حصص بعض الدول من المياه، كما هو حادث في الأزمة المصرية مع سد النهضة الأثيوبي الذي يقع على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية ــــ الأثيوبية، والذي باكتمال عملية بنائه المقرر لها العام المقبل يصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الأفريقية، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء.
وقد دخلت أزمة السدود منعطفاً جديداً خاصة مع إعلاء نبرة التهديد والتلويح بإمكانية الضرب العسكري من جانب بعض الدول المتضرّرة، لنسف تلك السدود. الأمر الذي دفع ببعض الدول للدخول في تحالفات شبه عسكرية للدفاع عن المصالح الخاصة، بعد أن تفاقمت أزمة السدود ووصلت إلى حدّ أنها أصبحت تشكل تهديداً مباشراً بحرب بين الدول المختلفة، حفاظاً على المياه.
كاتب وصحافي مصري
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة