الاستراتيجية الكفاحية الجديدة البديلة
زياد جرغون ـ غزة
دخلت النكبة الوطنية الكبرى التي حلت بشعبنا عام 1948 عاماً جديداً منذ أيام محدودة، واليوم أيضاً تدخل النكسة التي حلت بشعبنا عام 1967 عاماً جديداً آخر، في ظلّ أوضاع فلسطينية عاصفة وشديدة التعقيد، وخاصة ما يعيشه شعبنا في قطاع غزة. وتزداد الأوضاع صعوبة في ظلّ السياسات الانقسامية والتوتيرية والتفتيتية والكيدية التي تهيمن على سياسات القيادة المتنفذة في م.ت.ف، وسياسة سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، وهذا سبّب هدر الكثير من طاقات شعبنا النضالية في معارك وصراعات ونزاعات جانبية على حساب التفرّغ للنضال ضدّ المشروع الصهيوني وسياسات الاحتلال ومشاريع التوسع الاستيطاني الاستعماري، التي تهدّد مستقبل الحلّ الوطني للقضية الوطنية الفلسطينية.
ففي ظلّ ما تتعرّض له القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا الوطنية المشروعة من المخاطر. وفي ظلّ أوضاع عربية منشغلة بهمومها الداخلية، أو في صراعات أو الترويج لأحلاف لا تندرج فلسطين أو التصدّي للمشروع الصهيوني ضمن أهدافها، بقدر ما تقود إلى تعميق الصراعات الثنائية والمحورية وتفتيت الدول العربية وإغراقها بمعارك لن تعود عليها إلا المزيد من الدمار وهدر الإمكانيات والطاقات ومن هنا يتطلب منا نحن الفلسطينيين تبني استراتيجية كفاحية جديدة بديلة تتمثل في التالي:
1 ـ التمسك بخيار الانتفاضة الشعبية الشاملة خياراً نضالياً من أجل تحقيق أهدافنا ونيل حقوقنا الوطنية والعمل على تطوير الانتفاضة من خلال:
ـ تشكيل قيادة موحدة للانتفاضة تعبيراً عن الإجماع الوطني عليها خياراً سياسياً لجميع القوى السياسية.
ـ وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال وتجاوز اتفاق باريس الاقتصادي عبر التحلل من التزاماته والعمل على بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني وتعزيز مقومات الصمود الشعبي في وجه الاحتلال والاستيطان.
ـ العمل على محاكمة قادة الاحتلال مجرمي الحرب أمام محاكم الجنايات الدولية وتدويل ملف الأسرى والاستيطان وإدانة جرائم الإعدام، ونسف المنازل والعقوبات الجماعية بحق شعبنا.
ـ العمل على تدويل القضية الفلسطينية وتحريرها من الهيمنة الأميركية ورفض المبادرات الهابطة وآخرها المبادرة الفرنسية التي تستجيب للمطالب الإسرائيلية ولا تتحدّث عن الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس عاصمة دولة فلسطين وضمان عودة اللاجئين وفق القرار 194. والمطلوب تطبيق قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار 194. وجميع القرارات التي تضمن قيام الدولة الفلسطينية.
2 ـ إنّ الانقسام يشكل عاملاً مدمّراً يعطل الوصول إلى إجماع وطني حول الانتفاضة الشاملة التي يجب أن تشمل الضفة والقدس وغزة وتستخدم بها كلّ الطرق والوسائل التي تلحق الأذى والخسائر في صفوف الاحتلال، حيث لا يتحوّل الاحتلال إلى احتلال 7 نجوم، بل يجب أن يخسر الاحتلال من جنوده ومستوطنيه واقتصاده ليشعر أنّ احتلاله لأرضنا مكلف يجعله ينسحب ويندحر من أرضنا، وبهذا يكون هذا الخيار خياراً سياسياً وطنياً بديلاً لما نحن نعيش به الآن.
إنّ سياسة طرفي الانقسام باتت أسيرة الحسابات المحلية والإقليمية والدولية والذاتية والأمنية قصيرة النفس تعكس ممارساتها ضدّ الانتفاضة الشاملة ومحاصرتها ويجب التأكيد على أنّ تطوير الانتفاضة يتطلب إنهاء الانقسام وبناء إجماع وطني حولها كخيار رئيس لشعبنا.
3 ـ يتطلب الابتعاد عن السياسات التوتيرية في العلاقات الوطنية التي تعتمدها القيادة المتنفذة، التي لا تحترم شعبنا ونضاله. بل تعمل على تسميم الأجواء الوطنية وان تغرق الساحة الفلسطينية في خلافات على حساب التفرّغ للصراع من الاحتلال والاستيطان، وقطع الحقوق الوطنية للجبهتين الديمقراطية والشعبية من الصندوق القومي، هو قرار خاطئ وجائر وغير قانوني ويعتبر انتهاكاً للائتلاف الجبهوي الذي تقوم عليه م.ت.ف. وهو مرفوض لأنه لا يحق لأحد أن يتخذ إجراءات وقرارات دون الرجوع إلى الهيئات الشرعية بدءاً من المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية، بل إنّ هذه الحقوق ليست منة من أحد، بل هي حق من حقوق المناضلين اكتسبته الجبهتان على مرّ التاريخ من خلال الدور الذي تقومان به في سياق تضحيات غالية قدمتها من آلاف الشهداء والأسرى والجرحى والمنازل المدمّرة.
4 ـ إنّ المفاوضات العقيمة وصلت إلى طريق مسدود، فأكثر من 25 عاماً من المفاوضات العبثية والعقيمة وكلّ المبادرات والاقتراحات لم توصل الشعب الفلسطيني إلى حلّ بل إلى مزيد من مصادرة الأراضي وتهويد القدس وحصار قطاع غزة واستمرار القيادة المتنفذة برئاسة أبو مازن الرهان على المشاريع الهابطة التي لا تلبّي الحدّ الأدنى من حقوق شعبنا، وأيضاً غموض هذه المشاريع وآخرها المؤتمر التي دعت إليه فرنسا في 3/6/2016. فالمبادرة الفرنسية هذه لا تنطلق من اعتماد قرارات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال فشل المفاوضات وفقاً للزمن المحدد لها. وتراجعت أيضاً فرنسا إرضاء للاحتلال الإسرائيلي عن تحديد السقف الزمني للمفاوضات. فالمؤتمر الفرنسي لا يعتمد على قرارات الشرعية الدولية ولا يشكل حلاً للأزمة السياسية التي تعيشها القيادة المتنفذة لمشروعها الفاشل وهذا الرهان لا يشكل بديلاً ناجحاً للخيار الوطني المتمثل بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة والدعوة لمؤتمر دولي برعاية المنظمة الدولية ووفقاً لقراراتها ذات الصلة التي تضمن لشعبنا حقوقه الوطنية المشروعة في الخلاص من الاحتلال والاستيطان وحق تقرير المصير.
وإلى جانب التوجه إلى مجلس الأمن يتطلب التمسك بسلاح المقاومة وتصعيدها في جميع المناطق لإجبار الاحتلال للانصياع لقرارات الشرعية الدولية التي تضمن انسحابه من جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدس، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها منذ عام 1948.
5 ـ إنّ قطاع غزة يتطلب خطة إنقاذية شاملة تعيد القطاع إلى قلب النضال مدخلها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة. فإنّ الأوضاع المأساوية التي يعانيها شعبنا في قطاع غزة المحاصر والمدمّر، ففي ظلّ الانقسام العبثي والمدمّر الذي تشهده الحالة الفلسطينية. وفي ظلّ حالة الحصار على قطاع غزة والتي طالت واستطالت منذ حزيران 2007 حتى حزيران 2016 أيّ تسع سنوات فهذه المدة أدّت إلى تدمير معظم مقومات الحياة الطبيعية في قطاع غزة، ودفعت «أونروا» والخبراء الدوليين إلى القول بأنّ قطاع غزة منطقة منكوبة لن تكون صالحة للعيش بعد سنوات قليلة ومن هنا نؤكد على:
ـ من يتحمّل المسئولية الشاملة عن هذا الوضع الكارثي بقطاع غزة أولاً هو الاحتلال الصهيوني، وثانياً سلطة حماس في غزة والسلطة في رام الله ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين «أونروا».
وهذا يتطلب استنهاض دور جميع قطاعات شعبنا لتصحيح سياسات السلطتين الاقتصادية والخدمية وتحسين خدمات «أونروا»، وفك الحصار عن القطاع وإعادة إعمار ما دمّره العدوان ووقف الانتهاكات للحريات العامة وإنصاف ضحايا الانقسام وفتح معبر رفح بشكل دائم ويومي وإلغاء الضرائب الجائرة ورفض أية تقليصات في خدمات «أونروا»، بهذا السبيل يستطيع قطاع غزة أن يأخذ دوره في العملية الوطنية لأنه هو جزء ومكون رئيس من مكوناتها.
6 ـ التأكيد على صمود أبناء شعبنا اللاجئين في نضالهم الوطني في الضفة والقطاع ولبنان وسورية والأردن وفي الشتات والمنافي وتمسكهم بحقهم الثابت في العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها عام 1948، وفي نضالهم دفاعاً عن مصالحهم وحقوقهم الإنسانية والاجتماعية وتصديهم لسياسات الوكالة.
7 ـ مطلوب العمل على التصدّي لسياسات التمييز العنصري في أراضينا عام 1948 والتصدّي لمحاولات الأسرلة والنضال من أجل حفظ الحقوق القومية والوطنية والديمقراطية والاجتماعية لأبناء شعبنا الفلسطيني وضرورة توفير الآليات النضالية التي من شأنها أن توحّد نضالات شعبنا في مناطق تواجده عامة وفي مناطق الـ48، والمناطق المحتلة عام 1967 وفي مناطق اللجوء والشتات.
إنّ الإستراتيجية الكفاحية البديلة لعموم أبناء شعبنا في القدس والضفة والقطاع وفي عام 1948 وفي مناطق اللجوء والشتات وبلدان المهجر التي تتطلب وضع راية الانتفاضة الشاملة لتتحوّل إلى عصيان وطني شامل في وجه الاحتلال على طريق كنسه ودحره بكلّ الطرق والوسائل، وأيضاً حق أبناء شعبنا بقطاع غزة بحياة كريمة تحرّره أولاً من الانقسام المدمّر والعبثي وترفع الحصار الظالم عنه.
الاستراتيجية الوطنية البديلة تتطلب من كلّ القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية الفلسطينية على موقف فلسطيني موحد، ينهي الانقسام وأعمال التفكيك والتفتيت في الأوضاع الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية بانتخابات مؤسسات منظمة التحرير والمجلس الوطني بقانون التمثيل النسبي الكامل. وهذا يتطلب أولاً دعوة الإطار القيادي المؤقت الذي يضمّ جميع القوى الوطنية والديمقراطية والإسلامية لتطبيق ما جرى التوافق عليه من اتفاقات لإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحضر للانتخابات.
ومطلوب من جميع الدول العربية والصديقة لشعبنا بالتمسك الحازم بمؤتمر دولي شامل لحلّ قضايا الصراع الفلسطيني والعربي و«الإسرائيلي» التوسعي. وفق قرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وحق شعبنا في الكفاح والنضال ضدّ الاحتلال الصهيوني الذي لا زال يحتلّ أرضنا منذ أكثر من 68 عام.
عضو المكتب السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين