غرقوا في صخب انتخاباتهم ونسوا الجيش

شارل أبي نادر

بعد أن انتهت الجولات الماراتونية الأربع في الانتخابات البلدية والاختيارية، والتي توزّعت مداورة على المحافظات اللبنانية بنجاح لافت من النواحي الإدارية التنظيمية والأمنية العسكرية، ما زالت أغلب القوى السياسية والعائلية التي انخرطت في المنافسة الديمقراطية تقيّم وتدرس النتائج من النواحي كافة ليبنى على الشيء مقتضاه، وحيث ينظر قسم صغير من هذه القوى، ومن خلال رؤية بعيدة إلى أخذ العبر بموضوعية وبتجرّد للاستفادة لاحقاً منها، يعمد القسم الأكبر من هؤلاء إلى دراسة هذه النتائج من خلال نظرة محدودة وسطحية، لا تعبّر عن فهم صحيح لأساس ولطبيعة هذا الاستحقاق الديمقراطي الدستوري.

في الحقيقة، لقد طغت هذه النتائج كما ذكرنا على المنخرطين، ترشحاً وانتخاباً وإدارة عائلية أو سياسية، لدرجة أنهم في أغلبهم تجاهلوا أو تناسوا أو لم ينتبهوا للإجراءات الجبارة التي نفذتها الأجهزة العسكرية والأمنية لحماية هذه العملية ولتأمين الأمن لكافة هؤلاء في ممارستهم الحق الديمقراطي الأهمّ في الانتخاب بحرية وبهدوء، وذلك في المناطق اللبنانية كافة من خلال مسك كامل مراكز وأقلام الاقتراع والتي تجاوزت الآلاف في ظلّ أجواء من التشنّج السياسي والطائفي ومن الشدّ العصبي العائلي والحزبي والمذهبي تستدعي الجدية والفعالية القصوى في توزيع ونشر الوحدات العسكرية وسدّ كافة الثغرات الأمنية التي قد تظهر، وذلك عبر خطة محكمة فرضت عناصرها كافة المعطيات الاستعلامية الدقيقة، والتي عبّرت عن فهم كامل لخصوصيات المناطق والأحزاب والعائلات المختلفة في ظلّ الأجواء الأمنية الحساسة التي تشهدها البلاد.

قد تكون هذه المهمات والتي اعتاد الجيش اللبناني على تنفيذها في المرحلة الأخيرة عادية لناحية الخطط والإجراءات الأمنية والعسكرية التي ذُكرت أعلاه، ولكن ما يميّزها اليوم ويستدعي التوقف عندها هو ترافق هذه المهمات مع المعركة المفتوحة التي يخوضها الجيش اللبناني حالياً ضدّ الإرهاب التكفيري، ومن ضمن معركة إقليمية ودولية واسعة ضدّ هذا الإرهاب، حيث لا يمكن إلا التوقف ملياً أمام قدراته العسكرية والميدانية والإرهابية في هذه المواجهة الدولية ضدّه، وذلك من الناحية الميدانية أو من الناحية الأمنية الاستعلامية…

من الناحية العسكرية:

– ينفّذ الجيش اللبناني انتشاراً متماسكاً أقفل من خلاله وبشكل كامل مناطق المواجهة المشتركة مع الإرهابيين الذين ما زالوا ينتشرون في منطقة حدودية مشتركة مع سورية في الشمال الشرقي من البقاع، والذين تثبت عمليات تسللهم في المحيط القريب كسورية والعراق أو في المحيط الأبعد في دول الساحل الأفريقي، أو في دول الاتحاد الأوروبي وتركيا، قدراتهم الضخمة في اختراق المعابر ونقاط الدخول من الناحية التقنية أو من الناحية الميدانية.

– مقارنة مع الجيوش القريبة أو البعيدة التي تواجه الإرهاب في الميدان، حيث نجد أنّ أغلب هذه الجيوش يستفيد من موازنات ضخمة في التجهيز وفي امتلاك أسلحة وطوافات وأعتدة معيّنة تفرضها طبيعة هذا المعركة الحساسة والتي تتطلب أنواعاً متخصصة للتعامل مع هذا الإرهاب وخاصة في مواجهة عملياته الانتحارية التي ينشط بشكل مخيف في استعمالها كسلاح فعّال يخترق به الدفاعات المحصنة والمتماسكة والحواجز القوية، نرى الجيش اللبناني والذي يقاتل هؤلاء باللحم الحيّ وبأسلحة تقليدية استطاع وبفضل إصراره والتزامه، قيادة وضباطاً وجنوداً، وبجهود وبخبرات وبحرفية لافتة أن يغطي ثغرات كبيرة أوجدها عدم تجهيزه بالأسلحة المناسبة لأسباب وأسباب معروفة، من خلال إدخال تعديلات على أسلحة قديمة يمتلكها ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تعديلاً فنياً وتقنياً تفاجأ به ضباط وخبراء أجانب متخصصون، وتمثل هذا التعديل بتجهيز بعض الطوافات المتوفرة لديه والتي هي طوافات نقل وإنقاذ لتصبح طوافات قتالية تمّ تجهيزها بصواريخ وبقنابل هي أساساً تابعة لطائرات ولطوافات قديمة لم تعُد في الخدمة، مما سمح له وفي أكثر من واقعة أن يحسم المعركة بشكل فعّال من خلال تحقيق أهداف عسكرية وميدانية صعبة وحيوية.

من الناحية الأمنية:

– يتابع الجيش وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى حربه الذكية ضدّ الشبكات الإرهابية وضدّ خلاياه النائمة أو الناشطة، وهو يفكك العديد منها بشكل يومي، وما يتداوله الإعلام يبقى بعيداً عن كامل ما يحققه الجيش على هذا الصعيد، حيث تفرض الخصوصيات الأمنية في المتابعة والمراقبة السرّية التكتم عن ذلك، وقد برهنت الأجهزة الأمنية والاستعلامية في مديرية المخابرات والتابعة لقيادة الجيش حرفية عالية في تنفيذ هذه المتابعات الحساسة، والتي فرضت وخلقت حالة أمنية متماسكة بالرغم من الإصرار الواضح لدى التنظيمات الإرهابية وخاصة «داعش»، وعبر محاولات متعدّدة للدخول إلى الميدان اللبناني وتنفيذ عملياتها الإرهابية الانتحارية أو غيرها، وذلك مقارنة مع العمليات التي ينشط «داعش» وينجح في تنفيذها في المحيط القريب وفي الميدان الدولي وخاصة الأوروبي، وذلك بالرغم من امتلاك هذه الدول للتقنيات وللإمكانيات الضخمة وأيضاً لأجهزة مخابرات عريقة ولها تاريخها في الاستعلام وفي المراقبة وفي المتابعة والمسح الأمني.

من هنا، ومن خلال ما استعرضناه حول هذه الجهوزية الجبارة التي تميّز وحدات الجيش اللبناني من الناحية العسكرية والأمنية من خلال عمل مديريتي المخابرات والعمليات وكافة الوحدات العسكرية في مسك الميدان اللبناني كاملاً، في الداخل وعلى الحدود في مواجهة العدو الإسرائيلي وفي الحرب المفتوحة ضدّ الإرهاب ميدانياً وأمنياً، تأتي مهماته الأمنية التي نفذها مؤخراً في حماية وتأمين أمن الانتخابات البلدية على كامل الجغرافية اللبنانية لتعطي فكرة لا يمكن إلا التوقف عندها حول ما يمثل هذا الجيش على الصعيد الوطني كصمام أمان لا يمكن الاستغناء عنه، وتفرض أيضاً من ناحية أخرى واجباً أخلاقياً ووطنياً على كافة المسؤولين الرسميين والسياسيين بضرورة حماية ورعاية ودعم هذه المؤسسة التي تبقى أمل الوطن والشعب والدولة.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى