اللهم اخلطها على خير
معن بشّور
استوقفني في الشارع مواطن عادي سائلاً: كيف ترى الأمور يا أستاذ؟
ولأن الأمر أكثر تعقيداً من أن تجيب عليه في وقفة سريعة في الشارع، أجبته بلياقة: كما تراها أنت يا عزيزي…
ضحك المواطن، الذي بدا أكثر نباهة مما كنت أعتقد للوهلة الأولى وقال: «والله، الأمر كما أراه أننا أمام «لعبة ورق»، ما أن ينتهي اللاعبون من «الدق» الأول حتى يخلطون الأوراق مجدداً… وأضاف: «يبدو أننا في مرحلة «خلط الأوراق»… فأعداء الأمس يتجهون للمصالحة، ومحاور الأمس تتداخل مع بعضها بعضاً…».
لفتني في هذا المواطن، الذي أحسست أنني أعرفه منذ زمن، دقّة وصفه وحسن تعبيره، فسألته: هل لك أن توضح لي المزيد من رؤيتك؟
أخذ المواطن «وضعية» جديدة وقال:
تفاهم بين طهران وواشنطن حول حكومة العراق تدعمه الرياض وأنقرة، زيارة للسيسي إلى الرياض ومنها إلى موسكو، فيما للأولى موقف سلبي من دمشق وللثانية موقف داعم لها، وفي الزيارتين قال السيسي أن الآراء كانت متطابقة.
تمدّد مفاجئ لداعش يصل إلى حدود إقليم كردستان الذي كان رئيسه يهيئ لاستفتاء يكرّس استقلال «الإقليم» عن الدولة العراقية التي باتت ملاذه الأخير مع وصول قوات داعش إلى بعد كيلومترات قليلة من أربيل، عاصمة الإقليم.
الرئيس سعد الحريري يعود إلى بيروت، فيما تسبقه اتصالات عاجلة بين الوزير وليد جنبلاط مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحرّ العماد ميشال عون، وبالطبع اتصالات لم تتوقف مع الرئيس نبيه بري الذي استقبل أيضاً الحريري بعد ساعات من اتفاق على مفتٍ جديد للجمهورية، جاء تكريساً لتفاهم بين أطراف متنازعة منذ زمن وبرعاية مصرية معلنة، ودعم سوري غير معلن.
وأكمل الصديق «الجديد»، وكأنه «يقرأ» نشرة أخبار متلاحقة، فيها المكرّر وفيها العاجل… وسط دهشة امتلكتني من قدرة هذا المواطن على القراءة السريعة والعميقة لما يدور حولنا… من دون أن ينسى بالطبع أوكرانيا والعقوبات المتبادلة، وأفغانستان والانسحابات المنتظرة، والصين والتجاذبات المرتبطة، وكوريا والأزمات المتكررة، والبريكس والاحتمالات المتوقعة، وغيرها وغيرها…
فسألت «المواطن الخبير»: وكيف تفسّر كل ما يجري إذن؟
أضاف بثقة العارف: لقد وصل الجميع إلى مرحلة أدركوا فيها أن لا أحد يستطيع أن يكسر أحداً، وأن جولات الحروب المتعدّدة التي نشهدها أثبتت أن كل طرف أضعف من أن يهزم خصومه، ولكنه أقوى من أن يهزمه خصومه.
وأخذ يعدّد لي ميادين المواجهات، ميداناً ميداناً، ويدلي برأيه… وأنا واقف استمع إليه واستمتع بما يقوله مواطن ظننته عادياً برأيه، بسيطاً بمداركه، سطحياً بتحليلاته.
وفجأة توقف «الصديق» المحلل الإستراتيجي بالفعل قائلاً: «إلاّ غزّة»…
وقلت: «ماذا في غزّة»؟» أجاب على الفور: لقد هزم الفلسطينيون الصهاينة، وما نراه في الإقليم والمنطقة كله من «خيرات» غزّة.
سألته «كيف»؟، قال الصديق: أن كل جهة راهنت على صمود المقاومة والتزمت خيارها ربحت، وكل جهة توقعت أن يسحق الصهاينة المقاومة ويخلصونها من أعبائها خسرت، وبالتالي بدأ محور المقاومة يرمّم صفوفه، ويتجاوز تناقضات استحكمت ببعض أطرافه في السنوات السابقة، بل يراجع حساباته وخطاباته في آن، أما المحور الآخر فأدرك أن كل سياساته قد تجد لها صدى أو تجاوب بين بعض أبناء الأمّة إلا حين يكون الأمر متعلقاً بالكيان الصهيوني.
وختم المواطن الحكيم حواره، وقبل أن يكمل طريقه، بالقول: ألم تسمع بالأمس وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل يتحدث عن العدوان الصهيوني على غزّة، وكأنه وقع قبل ساعات، ويلوم المقصرين والصامتين والمتلكئين عن دعم الشعب الفلسطيني.
وأمسكت به قائلاً: ولكن كيف تقرأ هذا التطور؟
ضحك قائلاً: يجب أن نقرأه بشكل إيجابي، فنحن أصحاب قضية لا أصحاب أحقاد، ولكن ألم أقل منذ البداية أننا في مرحلة خلط الأوراق، اللهم أخلطها على خير.
«طبق الأصل»
المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية