لبنان خيار «داعش» الأخير وقرار الجيش المواجهة…
محمد حمية
عاد خطر الإرهاب ليطلّ برأسه من جديد على الساحة الداخلية ولم يعُد التهديد محصوراً بالحدود اللبنانية مع سورية، فحسب بل بات يهدّد قلب لبنان المتمثل بعاصمته وأكثر من منطقة. فبعد أيام على إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق عن توقيف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي شبكة مؤلّفة من ثلاثة إرهابيين، كانت تستعدّ للقيام بعملية تستهدف القطاع السياحي في وسط بيروت، داهمت دورية كبيرة من الجيش اللبناني صباح أمس بلدة خربة داوود في عكار بعد ورود معلومات عن تواجد مجموعة من المطلوبين في البلدة وقد تمكنت الدورية من توقيف كلّ من «زاهر سعد الدين»، «سمير سعد الدين» و «جاسم سعد الدين»، كما أقدم المدعو «خالد سعد الدين» على إطلاق النار على نفسه أثناء محاولة توقيفه من قبل الدورية وضبطت الدورية مخزن سلاح يحتوي على حزام ناسف وقاذفات صاروخية وأسلحة رشاشة ومتفجرات. وكان جهاز الأمن العام في شباط الماضي قد أوقف في عملية خاطفة في دير عمار والمنية والضنية شبكة إرهابية كانت تقوم بتصنيع أحزمة ناسفة وعبوات متفجّرة لاستخدامها في عمليات إرهابية في الداخل اللبناني.
الإنجازات الأمنية المتتالية للأجهزة، تزامنت مع حركة نشطة للتنظيمات الإرهابية بقاعاً وفي جرود عرسال تحديداً خلال الأيام القليلة الماضية،ومحاولات المسلحين التقدم نحو الداخل اللبناني تصدّى لها حزب الله كان آخرها أمس، تفجير عناصر الحزب موقعاً لـ «النصرة» في منطقة الكسارات شمال شرق عرسال البقاعية، وقضت على أحد الإرهابيين.
في ظلّ هذه المعطيات الجديدة، هل سيتحول لبنان ملاذاً لعناصر «داعش» الذي يضيق الخناق عليه في سورية والعراق في ظل الضربات الجوية للتحالف الدولي وهجمات الجيش العراقي على الفلوجة والحديث عن انطلاق «عاصفة السوخوي» الروسية لضرب «داعش» و «النصرة» على امتداد الجغرافية السورية؟ وهل إقامة إمارة «إسلامية» ما زال مقصداً لهذا التنظيم وخلية خربة داوود تندرج في سياق تنفيذ هذا الهدف؟
قائد الجيش العماد جان قهوجي، أكد أول أمس، «أن الإجراءات النوعية والمكثفة التي اتخذها الجيش تباعاً على الحدود الشرقية، أدّت إلى ضبط أعمال التسلل، وتضييق الخناق على التنظيمات الإرهابية، والحؤول دون دخول السيارات المفخخة إلى الداخل».
تشير مصادر أمنية لـ «البناء» إلى أن «قراراً من القيادة المركزية لـ «داعش» في الرقة صدر إلى خلاياها في لبنان بتكثيف حضورها وإيقاظ الخلايا النائمة مستغلة نتائج الانتخابات البلدية في الشمال التي أفرزت واقعاً إسلامياً متطرفاً عبرت عنه صناديق الاقتراع واستعداداً لما سيجري في الشمال السوري والعراق».
وتتحدّث مصادر أخرى لـ «البناء» أن «انتقال داعش من الرقة إلى لبنان أمر في غاية التعقيد وتعوقه الكثير من العقبات بسبب بعد المسافات الجغرافية، لكن الخطر الحقيقي، بحسب المصادر، هو انتشار داعش في مخيم اليرموك بريف دمشق وفي القلمون الشرقي على الحدود اللبنانية السورية، وبالتالي يجعل الخطر على لبنان قائماً من حيث اختراقهم للحدود اللبنانية مع انطلاق صفارة الإنذار لطائرات السوخوي الروسية بضرب مواقع النصرة وداعش بعد النداء الأخير الذي وجّهه الروس إلى الأميركيين بأن روسيا ستستهدف هذين التنظيمين في جميع المناطق السورية، إذا لم تفصل الولايات المتحدة التنظيمات المعارضة عن الإرهابية، ولفتت المصادر إلى أن «اليرموك والقلمون سيكونان من ضمن بنك أهداف الجيشين الروسي والسوري إذا بدأت الضربات، وحينها لا خيار لعناصر داعش الموجودة هناك إلا الأراضي اللبنانية وتحديداً في جرود عرسال باعتبار أنها ستكون بمأمن من الغارات الجوية».
وتجزم المصادر بأن «لبنان لا يزال هدفاً أساسياً لـ«داعش» الذي يعتبره منطقة محتملة للوصول أولاً إلى عرسال ومنها إلى الميناء على البحر المتوسط، لكن هذا ليس بالأمر السهل لأن الانتقال من البقاع إلى الشمال يحتاج اجتياز سهل البقاع، حيث حزب الله ومنه إلى جبال أكروم في عكار، الذين يجدون فيها بيئة حاضنة، ومنها إلى وادي خالد ثم إلى المنفذ البحري».
تؤكد اعترافات عدد من موقوفي «داعش» لدى الأجهزة الأمنية الرسمية بأنهم تلقوا أوامر من قبل مشغّليهم بالعمل للوصول إلى المتوسط، كما كرر العماد قهوجي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم العام الماضي، بأن هدف «داعش» المركزي الوصول لمنفذ بحري على المتوسط لإعلان إمارتها في الشمال.
وفي السياق، توضح المصادر أن «خربة داوود لا تخدم التنظيم في الوصول لمنفذ بحري بل أهميتها، أنها قاعدة انطلاق لتنفيذ اختراق في أي خاصرة رخوة في البقاع كالفاكهة ورأس بعلبك والقاع بعد أن أصبح اجتياح عرسال، مستبعَداً في ظل الإجراءات التي يتّخذها الجيش وبعد أن أظهرت الانتخابات البلدية في عرسال أن المجموعة التي كانت تتسلم مواقع المسؤولية على المستوى المحلي شكلت حصان طروادة للنصرة وداعش للسيطرة على المنطقة والعرساليون نظفوا بيئتهم من هؤلاء عبر الانتخابات وبالتالي بات هدف العناصر المسلحة غرباً».
وتنقل المصادر عن بعض الضباط العسكريين المسؤولين في البقاع أن «عين الجيش ساهرة لحظة بلحظة على الحدود، ويواكب تحركات ومواقع الإرهابيين، وأن هناك قراراً من قيادة الجيش للوحدات المنتشرة على الحدود مع سورية بالمواجهة وتنفيذ ضربات وقائية واستباقية حال توفر الظروف المناسبة لذلك وعدم التهاون ومنح المسلحين الوقت لالتقاط الأنفاس وشنّ عمل إرهابي».
وتؤكد المصادر استمرار التفاهم الدولي حول إبقاء لبنان بمنأى عن البركان المشتعل في المنطقة، لكن «ليس حرصاً على لبنان بقدر الحرص على إبقائه القاعدة اللوجستية والإعلامية والاستخبارية والسياسية لمحور الحرب على سورية»، لكنها توضح أن «داعش لا يحترم هذا التفاهم وأهدافه ومخططاته وعملياته الإرهابية خارج هذا الإطار وبالتالي خطر تنفيذ عمليات إرهابية في بيروت والضاحية ومناطق أخرى قائم في أي لحظة».
وتختم المصادر حديثها بالتحذير من تنامي الإرهاب في مخيم عين الحلوة. وتسأل: ماذا لو استفاق لبنان ذات يوم على سيطرة «داعش» على عين الحلوة وبات مئة ألف فلسطيني رهينة بيد التنظيم، كما حصل في مخيماليرموك؟ فهل سنكون أمام مشهد نهر بارد جديد مضروباً بعشرة أضعاف؟