الخارجية الأميركية تنسف مشروع عام 2005

روزانا رمّال

جهدت الخارجية الأميركية ومعها فريق استخبارات واسع الخبرة في الشرق الأوسط على استثمار مكونات مجتمعاته بتناقضاتها سياسياً وأمنياً منذ أحداث ايلول 2001 وما شكلته من نقطة عبور واشنطن نحو المنطقة العربية للحلول في محيط قادر على ضمان أمرين أساسيين… الأول وضع اليد على خريطة آبار النفط، والثاني ضمان امن «إسرائيل» بما يعنيه من حضور أميركي وازن قادر على حماية إسرائيل في أيّ لحظة تستنفر فيها إيران والقوى الحليفة للهجوم عليها، خصوصاً أن العقيدة التي تنطلق منها الحكومة الإيرانية قائمة على مبدأ «وجوب زوال إسرائيل»، وكل هذا عقب تحرير عام 2000 أول انتصارات العرب وأول إنذارات العدّ العكسي للأمن الذاتي «الإسرائيلي»، وابرز عوامل الضغط باتجاه تجنيد واستقدام فرق من الجيش الأميركي الميدانية للقتال لأول مرة في حرب لم يفهم أسسها معظم عناصر الجيش وعائلاتهم الذين اضطروا لإرسال أبنائهم ووداعهم خدمة للوطن أو الأمة، كما كان يصفها جورج بوش الابن، في حرب مقدسة تشبه إلى حدّ ما اندفاعة روسيا اليوم في أن تنوجد في حربها المقدسة في سورية على الإرهاب، مع اختلاف في الهدف لا يلغي الشبه بالحضور إلى المنطقة كأولوية، كلّ تحت ظرف أو ضغط أو سبب.

يكاد الانتصار الذي حققه حزب الله يؤكد أنّ محور فكرة استقدام قوات أميركية واستنفار إسرائيلي أميركي نحو لبنان بأدق تفاصيل وزواريب سياسته يحكي مفاعيل إنجاز لم تنته ذيوله حتى الساعة، وربما لن تهدأ بوجود بديل أسسته واشنطن وتل أبيب قادر على مواجهة حزب الله ومعه سورية، أيّ حلفاء إيران، يتمثل باستخدام المجموعات التكفيرية. وهنا باستطلاع مرحلة غزو العراق منذ عام 2003، يعتبر التوجه الفوري نحو لبنان في مدة زمنية قصيرة نسبياً لجهة التوجه نحو افتتاح جزء آخر من المشروع الأميركي في المنطقة عام 2005 لافتاً للغاية، فالرئيس جورج بوش بالكاد كان حينها قادراً على تركيز وتثبيت الحضور الأميركي في العراق، وإذ بملف لبنان يفتتح باغتيال رئيس وزرائه الأسبق رفيق الحريري، فتولد معها سياسة واشنطن الجديدة مع فريق عمل متكامل سياسي واستخباري وإعلامي وسفراء تعاقبوا لتنفيذ المشروع، عرف منهم بشكل أبرز جيفري فيلتمان الذي أنشأ أفضل إدارة ممكنة لمشروع أميركي بالشرق الأوسط وخبر محطات وتغييرات الشارع اللبناني وتعاطيه مع حادثة اغتيال الحريري عن قرب.

لحظة اغتيال الحريري لم تكن اللحظة التي انتظرتها واشنطن ومعها تل أبيب باندلاع شرارة الفتنة السنية الشيعية في المنطقة وإشغال حزب الله فيها وإضعافه سياسياً بعد اتهام حليفته سورية بالضلوع في الاغتيال، قبل أن تتمّ تبرئتها لاحقاً، لكن وبالرغم من هذا راهنت تل أبيب على إمكانية نجاح حرب شاملة على الحزب مستغلة انعدام الشارع الحاضن له، خصوصاً بعد الاتهام المتبادل له من الشارع السني بدعمه «قتلة» الحريري «سورية» حينها، حسب معطيات المحكمة الدولية ودلائلها التي لم تقدّم حتى الساعة لأيّ قرار نهائي فيها، وهنا تفاجأ إسرائيل بتخطي حزب الله لحرب تموز واحتضان المكوّن المسيحي المتمثل بالتيار الوطني الحر له، وربما هذا ما غاب عنها أو فاجأها، وهو تفاهم استراتيجي بالنسبة لحزب الله على صعيد الوحدة الوطنية.

انقسم الشارع اللبناني إلى فريقين سياسيين إلى مرحلة امتدت نحو عشر سنوات من الحضور والاختلاف على أبسط وأدق تفاصيل مرحلة ما قبل الخروج السوري من لبنان، وقاد فيلتمان السفير الأميركي حينها الخلافات بشكل دؤوب وأسس حركة 14 آذار من دعم وحضور وتكافؤ مالي وسياسي دولي. حظيت تلك المرحلة بالاهتمام اليومي من البيت الأبيض حتى كانت البيانات الصادرة عنه حول لبنان وعن الناطق باسم الخارجية الأميركية تتخطّى المقبول لحجم دول مثله ما يؤكد محورية حزب الله فيه وحجم حضوره وتأثيره على المخطط الأميركي بالمنطقة.

قوبل فريق الرابع عشر من آذار بفريق الثامن منه وعاش لبنان مرحلة توتر بكلّ ما للكلمة من معنى. واستمرت محاولات استدراج واستنزاف حزب الله حتى عام 2008 في السابع من أيار الشهير الذي أكد لواشنطن استحالة أن يخوض فريقها حرباً داخلية معه أو حتى استحالة الانقضاض على حزب الله من اللعبة المحلية باستخدام عناوين جاذبة كالاستقلال والسيادة وهيبة الدولة ورهبة السلاح.

تغيب واشنطن اليوم بشكل كامل عن لبنان ويخفت حضورها منذ اندلاع الأزمة السورية حتى أنّ لبنان اليوم يعيش في ظلال قائم أميركي بالأعمال ريتشارد جونز وليس سفيراً، إضافة إلى سلف مسالم إلى حدّ ما السفير دايفيد هيل لم ينزح نحو التطرف أو التدخل بشؤون محلية لبنانية بمثل من سبقه من سفراء.

يغيب الحضور الأميركي بغياب حزب الله عن الساحة اللبنانية بالدرجة الأولى وحضوره الأمني والاستراتيجي في سورية أو ربما يغيب بتحوّل أميركي نحو الحرب المباشرة مع سورية حليفة الحزب وإيران، وبالتالي يتكشف أمام اللبنانيين اختتام مرحلة فريقي النزاع 14 و8 آذار بالكامل، وإذا أرادوا التمعّن فسيلحظون تباعداً حريرياً – قواتياً وانشقاقاً مستقبلياً يمثله الوزير المستقيل أشرف ريفي وتلويحاً لقدامى «حريرية» بالأفق وتخلي عن فكرة العداء لحلفاء سورية.

غابت واشنطن فانكسر العقد نهائياً واختتمت مرحلة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى