لوحات فرانك ستيلا المعدنية
ندين زهر الدين
إنّ مسيرة الفنان فرانك ستيلا 1936 ومراحله الفنية، وتطوّر صنعته منذ أعماله الأولى، يمكن تتبّعها منطقياً. فهو منذ عمله «Tomlinson Court Park» عام 1959، كان يضع عمله الفنّي في مواجهة مع الترتيب المنطقي للعناصر التي تدخل في تأليفه. فشكّلت المتواليات بالألومنيوم «les toiles aluminium» عند ستيلا قفزة بالنسبة إلى سابقاتها ـ أي اللوحات السوداء«les toiles noires» عام 1960 ـ من حيث الإصرار على تحديد الأشكال وعشوائيتها.
مد ّستيلا في هذه الأعمال، إلى فتح زاوية من زوايا اللوحة، أو زاويتين، أو الأربع معاً، ثم رسم سطحها بوساطة خطوط، جمعت بين الأطراف واتّجهت نحو مركز اللوحة، ليحصل في كلّ مرة على شكل مختلف هذا ما جعل اختيار حدود اللوحة، في البداية، يحكم تطوّرها بشكل منطقي، كما في عملَيْه «Kingsbury Rum» و«Marquis de Portago»، وكذلك بالنسبة إلى طريقة رسمه على سطح اللوحة في عمله «Avicenna» 1960.
يتجلّى هنا دور الفنان في كيفية اختياره اقتطاع زاوية من زوايا اللوحة، محدّداً شكلها النهائي، كشكل الصليب الذي يحمله عمله «Ouray» 1960ـ 1961. وتعرف هذه المتواليات بِاسم «اللوحات المقطوعة» أو تقنية «اللوحة المتشكّلة» «Shaped Canvas»، وقد طوّر ستيلا من خلالها، مجموعة أعمال ركّز فيها على الشكليّة والمنطق الخطّي، وقد عمل بها منذ 1960ـ1961 وحتى 1965ـ1966. فجعل اللوحة على شكل صليب أو مثلّث أو غير متوازي الأضلاع… ثم أتْبَع سلسلة لوحاته الألومينيوم بسلسلة أخرى ذات سطح رمادي اللّون، معتمداً لوناً معدنياً واحداً وهو أصفر نحاسيّ أو أخضر باهِت. ولهذه المجموعة أهمية من وجهات نظر عدّة، إذ إنها تُبرز مشهديّة خطيّة، تجلّت عنده منذ اللوحات السوداء.
كان دائماً يحكم بحسِّه النقدي على العناصر التي تحدّد الشكل النهائي للّوحة، لكن ذلك قد تبدّل، إذ إن تقطيع الإطار الداخلي، أي الهيكل «chassis»، هو الذي يعطي اللوحة شكلها النهائي، كما أضاف إليها الألوان على عكس اللوحات السوداء.
وقد استفاد من معرفته واختباره وتعمّقه لأعمال جاسبر جونز، حيث تحمل لوحاته منطق المعضلة، أي ثنائيّة متناقضة، والتي طبعت عملية الإبداع الفني لديه فهي تحمل جزءين متناقضين لكنهما يؤدّيان في النهاية إلى خلاصة واحدة، تفرض نفسها. ويظهر هذا المنطق في لوحات ستيلا من حيث ترتيب العناصر الملوّنة والرماديّة، المقسّمة إلى مستطيلات، يفصل بينها نفقان مربّعان، في أحدها شرائط تتراوح بين الأسود المرمد، والأخرى بين الأزرق والأصفر والأحمر والأخضر. وهذا ما نجده في لوحاته السوداء والمعدنية، إذ إنّ مبادئه تتجلى في عمله «معضلة جاسبر» «Jasper s dilemma»، وكذلك حسّه النقدي شكلياً وتصويرياً وبصرياً، فيحمل هذا العنوان تنظيماً لم يقتصر فقط على أعمال الستينات بل تجلّى في أعمال ستيلا كلّها. فإذا وجد حلّاً في هذه اللوحة، لما سمّاه «معضلة جونز» 1962ـ1963 فالأمر قد تعداّها بالتحديد.
فنانة تشكيلية