مسؤولية مَنْ إضاعة فرصة إنقاذ الجامعة الثقافية وتوحيدها؟
علي بدر الدين
لم يكن مفاجئاً إرجاء المؤتمر الصحافي الذي كانت ستعقده الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في نقابة الصحافة أول من أمس الأول، برئاسة أحمد ناصر وأليخاندرو خوري وفق بيان الإرجاء من دون ذكر الأسباب الموجبة أو الطارئة، ويبدو أنه سيكون تأجيلاً حتى إشعار آخر، ما أنتج حالة إحباط أصابت المغتربين والمعنيين في الجامعة وفي الشأن الاغترابي الرسمي، بعدما تفاءلوا بالاتفاق الذي رعاه وترأسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وهيّأ له وحضره مدير عام المغتربين المحامي هيثم جمعه، وجمع ناصر وخوري. وقد بشّر باسيل فيه بالقول «إن فرعي الجامعة اتفقا على أن يتفقا ويضعا الخلافات خلفهما». ولتظهير صورة الاتفاق وترجمته، تقرر عقد مؤتمر صحافي مشترك للإعلان مع مسودة عناوين وثوابت قد يؤسس عليها للمرحلة المقبلة في انتظار إنضاج التسويات والحلول التي توحد المغتربين وجامعتهم الأم وتطوي صفحات الانقسامات المزمنة التي أوهنت الطاقة الاغترابية، وأضاعت جهود المغتربين بدلاً من توحيدها وتوظيفها لخدمة الوطن بأبنائه المقيمين والمغتربين.
لكنّ المأمول من اللقاء التوحيدي، الذي قد يكون تم على عجل أو سبقته بعض الاتصالات والمشاورات التي يبدو أنها لم تدخل في عمق الأزمة التي أنهكت الجامعة، لم يتحقق ولم يثمر تفاهمات بين الجامعة الثقافية وجامعة «الانتشار»، ولم يصل إلى الخواتيم السعيدة لمحو عقود من الاختلافات والتباينات حول كثير من القضايا الوطنية والاغترابية لأسباب واعتبارات بعضها معلن ومعلوم وبعضها الآخر خفي ومجهول.
بما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن محاولة سابقة وإن تكن خجولة ومتواضعة ومتفلتة من أيّ رعاية رسمية لدمج لجامعة وتوحيدها وبمبادرة شخصية، فشلت في ربع الساعة الأخير، وتأجل أيضاً المؤتمر الصحافي آنذاك لرئيسي الجامعة العميد مسعد حجل وألبير متى، ومعه طارت الأوهام والأحلام والأمنيات السعيدة.
حدث التأجيل يتكرر اليوم في نسخة طبق الأصل عما سبق، مع أن لا تشابه أو تقارب بين الحدثين، ولكنّ النتيجة متشابهة ومتطابقة، مع أن الجدية والمسؤولية رسمتا خريطة طريق الإصلاح والتغيير بآياد رسمية جادة في توفير مقومات النجاح للانطلاقة الجديدة على مستوى الاغتراب. والمهم في الموضوع أن تبرير جامعة «الانتشار» للتأجيل غير مقنع وغير مفهوم وغُلِّف بتمنٍّ «ضماناً لنجاح الجهود بعد أن يكونوا أتموا مشاوراتهم الداخلية».
إنه «عذر أقبح من ذنب»، وبالتالي مرفوض ومردود وغير بريء، ويرد في سياق مشروع سياسي مقنّع بعناوين اغترابية. الأسئلة هنا مشروعة: هل لبّى خوري دعوة وزارة الخارجية ومديرية المغتربين وزيارة مقر الجامعة في مبنى الوزارة ووافق على الشراكة في عقد المؤتمر الصحافي المؤجل بقرار ذاتي يعني من رأسه من دون العودة إلى زملائه ومرجعياته للتشاور معهم في هذا اللقاء المفصلي والمهم في تاريخ الجامعة والاغتراب؟
إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنه لم يكن يتوقع من رئيس الجامعة الشرعية أحمد ناصر تلبية الدعوة والتجاوب مع «لم الشمل وتوحيد الاغتراب»، وأنه لم يعتد التراجع عن موقف اتخذه أو قرار أعلنه في ما يتعلق بمصلحة الوطن والاغتراب. والمعروف عنه أنه «ضمير الاغتراب اللبناني وصاحب مقولة سياسة الانفتاح واليد الممدودة»، ما أوقع خوري في «الفخ» وورّطه مع مرجعياته الذين طلبوا منه التراجع عما تعهّد به، فأصدر بياناً مقتضباً فضفاضاً «إنقاذاً لماء الوجه» وهرباً من تحمل تبعات التراجع الملتبس والمشكوك فيه أساساً.
في ضوء ما حدث، نسأل كيف يمكن لمشروعين مختلفين متناقضين شكلاً ومضموناً أن يلتقيا ويتفقا، لا سيما أن أسباب الاختلاف لم توضع على المشرحة، ولم تستولد الحلول وإن وجدت نظرياً وتبقى على الطاولة عصية على التنفيذ، علماً أن الجامعة التي يترأسها ناصر هي الشرعية والمعترف بها رسمياً، وتمثّل مشروعاً وطنياً اغترابياً سليماً وواضحاً، وتجسد التنوّع على مستوى الاغتراب في هيئتها الإدارية والمنضوين فيها واعتماد المداورة في الرئاسة، فضلاً عن التزامها بتوصية مؤتمرات سابقة للجامعة تقضي بعقد مؤتمراتها العالمية في لبنان. في حين أن لما يسمى بـ»جامعة الانتشار» مشروعها السياسي والطائفي الذي تجاهر به من دون اعتبار لمصلحة الوطن ومغتربيه، ولم تعقد ولو مرة واحدة أي مؤتمر لها في لبنان، وهي منغلقة في دوائر مصالحها، تتباهى بتمثيلها لوناً طائفياً واحداً وما يحدث للمغتربين في قارات أخرى لا يعنيها. وما تقدّم يفسِّر نسفها الاتفاق الذي كان على «قاب قوسين» من الإعلان عنه، وهذا ليس جديداً، فهو نهج اعتادته مذ دخلت مشروع تقسيم الجامعة.
بيد أن ذلك لا يلغي أو يقلّل من أهمية اللقاء الذي نجح الوزير باسيل والمحامي جمعة في عقده في مرحلة التأزم السياسي والأمني والنقابي التي يشهدها لبنان، وتكمن أهميته أيضاً في أن وزير الخارجية رفع «الحظر» عن الجامعة الشرعية برئاسة ناصر وأعاد إليها الاعتبار، وتجاوز قرار مجلس شورى الدولة لجهة الدعوة المقامة عليها، كأنه اعتراف منه بشرعية المؤتمر الخامس عشر للجامعة الذي عقد في بيروت. وتسجل للوزير باسيل جرأته وحرصه على وحدة الجامعة والاغتراب، وهذا سيفتح بالتأكيد آفاقاً جديدة من التعاون والتنسيق بين الوزارة والمغتربين ومؤسستهم، وقد تشهد ثمارها في المرحلة المقبلة.
رئيس الجامعة السابق العميد مسعد حجل ثمّن الجهود التي أثمرت اللقاء ورأى فيه بادرة خير وتفاؤل، متمنياً الوصول إلى جامعة واحدة موحدة وإلى رؤية مشهد التوافق والتعاون بين المغتربين داخل الجامعة الثقافية وخارجها، وعبّر حجل عن أسفه لتأجيل المؤتمر الصحافي للإعلان عن مقدمات الوحدة الموعودة وعناوينها، معتبراً «أن ثمة متضررين من نجاح مساعي توحيد الجامعة لأجل حماية مصالحهم الشخصية». وأضاف: «حرام ثم حرام مثل هذه الفرص المبادرات لأجل مصالح خاصة». مذكراً بتعرض مبادرته الوحدوية لسهام المتضررين.
عضو المجلس العالمي للجامعة ورئيس لجنة الحوار الاغترابية عباس فواز أيّد كل مبادرة إنقاذية ووحدوية، معتبراً أن إضعاف الجامعة خطأ استراتيجي وإلغاءها خطيئة لا تغتفر، داعياً البعض إلى مراجعة حساباتهم والسير بقطار التفاهم والتعاون والوحدة.
نوّه رئيس الجالية اللبنانية في غانا القنصل العام سعيد فخري بمبادرة توحيد الجامعة، متمنّياً دور مسؤولية الوزير باسيل والمحامي جمعة، معتبراً أن تأجيل الإعلان عن مشروع الاتفاق بين ناصر وخوري قد تكون له أسبابه ومبرراته ولن يؤثر في المناخ التوحيدي العام الذي أنتجته مبادرة اللقاء.