التجربة بمعيار التفاعل…
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
يستأثر الحديث عن المؤسسة التشريعية في الظروف التي يواجهها السوريون بكثير من التفاصيل، التي تبدو في بعض جزئياتها سابقة للعناوين، وفي أحيان أخرى تستحوذ على الاهتمام، الذي يعيد ترتيب بعض من الأولويات، ويرسم إلى حدّ بعيد إحداثيات التقاطع التي تفرض إيقاعها على محددات وخصائص المرحلة.
لكن هذا كله لم يُلغِ، ولا يمكن أن يُلغيَ، ما يجري تداوله من عناوين عريضة للمرحلة بكل حساباتها والمعادلات الناشئة بأبعادها المختلفة، وتحديداً ما يتعلق منها بتحديات بدت بالنسبة للسوريين أنها المسألة التي تعتبر المعيار وأحياناً المقياس لكلّ ما يمكن التحرك من خلاله، وما هو مطلوب فعلياً للمرحلة المقبلة بما تعنيه من حيث المبدأ – على الأقل – باعتبار أننا على عتبة مرحلة تشريعية جديدة، تحمل في طياتها ما يؤشر إلى الحسم في قضايا كثيرة، والأمر متوقف على ما يجري تداوله من خيارات.
بين هذين الاعتبارين لا نعتقد أن الأمور تخرج عن نطاق التطلعات التي تحكم دور المؤسسة التشريعية، التي شكلت بحضورها ووجودها تحديات سياسية لا تخفى على أحد، ولا هي خارج الحسابات أو المعايير التي تعيد الضبط السياسي، وترسم جداول المرحلة وما تفرضه من مقتضيات مختلفة تميل بأغلبها إلى سياق جديد يضع بالاعتبار المسائل الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة.
فالواضح أن القضية لا تتعلق بما تفرضه الاعتبارات التقليدية لوجود المؤسسة التشريعية ودورها ومهامها، التي تنتظر الكثير من التفعيل والكثير من العمل الممنهج على أساس ألا تكتفي بما هو منصوص في النص التشريعي، بل أيضاً بما تعنيه على المستوى الوطني وحدود التفاعل والتكامل مع المؤسسات الأخرى، وهي تشهد تطورات نوعية لا يمكن لأحد أن يتجاهلها.
وإذا كان التغيير في رأس هرم المؤسسة التشريعية يضع محددات واضحة من جهة، ويفتح الباب من أوسع أبوابه لكثير من الاتجاهات والقراءات المتباينة من جهة ثانية، فإنه في المحصلة النهائية يقود إلى النتيجة ذاتها التي تعلن عن الهوية السورية وعن الحضور السوري، وعن الدور السوري وما يعنيه، فوجود المرأة قد يكون الأول على رأس المؤسسة التشريعية في سورية، لكنه ليس التجربة الأولى في أن تكون على مستويات مختلفة، وهذا ينسحب على المؤسسة القضائية والتنفيذية، بما يحمله من سياقات طبيعية لتطور دور المرأة في سورية الذي يحكمه نهج نستطيع أن نجزم بأنه ليس تقليدياً، لكنه قد يكون الأكثر وضوحاً، ويؤشر إلى عتبة تطور طبيعي لسياقات التجربة.
هنا قد تبدو التحديات أكثر وضوحاً على الأقل من اتجاهين، الأول: بما تمثله المرحلة وتداعياتها وما تفرضه من سياقات، والثاني: بالرغبة في التغيير، وأن ينسحب تلقائياً على تغيير في الأداء والمقاربة والمعالجة والدور، وفي بعضه أن يأخذ كامل مساحة ذلك الدور وأن يكون في ذروة الأداء، لتكون المقاربة من الوضوح الذي لم تصل إليه من قبل، بحيث يكون المعطى معبّراً عن ذاته، كما هو معبّر عن الهوامش المضافة إليه بحكم الضرورة حيناً والتطورات حيناً آخر.
لذلك فالتجربة ليست بمعيار أسبقيتها فقط، وإنما بما تطرحه للنقاش من أبواب مفتوحة للمستقبل، وبما تحمله من مفاهيم قابلة للتعميم وللقياس وللاستنتاج أيضاً، وهنا قد يكون العنوان الأساسي، بحيث يتطابق النتاج الحقيقي لحراك التغيير والمقاربة والأداء مع معطى الواقع، وأن يتجرد من صفة كونه فقط مجرد صدى، بل حالة تفاعلية تضيف هنا وتحذف هناك، تعدّل حيناً وتجسد ما هو مطلوب في كل الأحايين.
بهذا المعيار نعتقد بل نجزم أن السياق السياسي الموازي الذي يستحضر أوراقه بقوة في أي حدث سوري يضيف إلى المشهد ما يعوزه وما يشعر بغياب بتأييد إفادته أو روايته لما هو مقبل، حيث تعود التجربة لتكون حاضرة أيضاً في آليات التظهير المطلوبة لمواجهة التحديات ولمعالجة أوجه القصور ولسد الثغرات، ومن ثم في مرحلة غير منفصلة ولا متروكة خارج حالة التفاعل إلى الإضافة النوعية لتتحول تراكمات ما نتج من كمّي متنوع إلى نوعي متميز.
بهذا السقف المفتوح في تجربة مفتوحة أيضاً على سواها ومتفاعلة مع دور المؤسسة التشريعية، وتمهد الطريق نحو العمل في مختلف المستويات وباقي المؤسسات، ثمة مؤشرات على عتبة إضافية من تفعيل طرق المواجهة، التي باتت بحكم الواقع والضرورة فعلاً يومياً وشاملاً للجميع بمستوياته المختلفة، وربما ضامناً حقيقياً لتطوير مستوى المواجهة وأدواتها.. بشقيها الفردي والمؤسسي.
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية