ملحمة المقاومة

ربيع الدبس

بعد نشوء المقاومة الفلسطينية في ستينات القرن الماضي، شاع في أوساطها وأوساط مناصريها الشعار القائل: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وكان معظم المأخوذين بذلك الشعار يضعون نُصب أعينهم أفق المعركة العسكرية، مسقطين من حساباتهم المعركة الإعلامية ـ الثقافية ـ النفسية، وبالتالي الرافعة المادية ـ الروحية المدرحية لواحدة من أشرس المعارك العقدية في التاريخ الجليّ… نقول ذلك من دون أي تبخيس لتضحيات الفصائل الفلسطينية المقاوِمة، بكل تلويناتها السياسية والفكرية والقتالية، داخل الأرض المحتلة وخارجها.

ولعل المقاومة اللبنانية ـ بشقيها الوطني والإسلامي ـ قد استدركت الضرورة الحيوية لتوافر جميع العناصر المؤلفة لوحة المقاومة ودورها البنائي التعبوي المدروس، ليصار بعد ذلك إلى إحداث التغيير الاستراتيجي المطلوب في ميزان المعركة، وبالتالي في نتائجها، التي لا يسجّل التاريخ إلاّها، من دون أن ننسى بأن الانهزاميين اقتاتوا طويلاً بالنوايا ولم يكن في حوزتهم سوى التبرير ملاذاً.

وإذا كان الفدائيون الفلسطينيون رواداً في العمل المقاوم، فإن المقاومين اللبنانيين أثبتوا أنهم أسياد فيه ومغاوير. وقد اعترف العدوّ «الإسرائيلي» نفسه ببطولة المقاومة اللبنانية وجديتها وأهلية مناضليها، بدءاً من العام 2000، إلى 2006، قبل أن يعترف بصمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري في غزة الأبية.

وقد تبلور خلال السنوات الأخيرة محور الكرامة الذي مارس بالفعل قبل القول سياسة المقاومة ونهج المقاومة، من بيروت إلى دمشق، ومن بغداد إلى طهران. هذه حقيقة أقرّ بها العدوّ ومطابخه الغربية التي تفرّجَ مشغلوها على لحم الأطفال يُشوى في غزة، بل في مدارس الأونروا، كما سبق له أن تمتع بلحم أطفال الجنوب اللبناني يتقطع في قانا داخل مقرات قوات الطوارئ الدولية. لكن بان كي مون وأممه، المتحدة ضد شعبنا وقضيتنا، كانوا «شاهد ما شافش حا ـه» كما يقول المصريون، بل غطاء لا أخلاقياً ولا إنسانياً، كما نقول نحن، بلا تزيين للجريمة وبلا تلطيف للنازية المتجددة على أيدي الذين اعتبرهم الرئيس الأميركي بالأمس «عباقرة صنعوا من الصخر اخضراراً وخصوبة»!! بدل أن يعلو صوته الإمبراطوري في إدانة الهيروشيما «الإسرائيلية» المفضوحة.

وإذا كان الأوروبيون والأميركيون حريصين على أمن «إسرائيل» أولاً برغم الباطل الذي شرعنوه إكراماً ليهوه والمصالح الصهيونية حول العالم، فإن شعبنا حريص على مصالحه هو وعلى أمنه واستقراره وازدهاره. ولن يكون للموجات الأخيرة، الدخيلة على شعبنا وثقافته وتاريخه وألهياته السمحاء إلا السقوط المدوّي، وبئس المصير.

في عيد الانتصار على العدوان «الإسرائيلي» الفاشل خلال حرب تموز ـ آب 2006، تحية لشهداء شعبنا الأبرار من الجنوب إلى الشمال، ومن البقاع إلى الضاحية… تحية إلى المقاومة المجيدة التي غيّر مجاهدوها ـ بالقيادة الفذة ـ مجرى التاريخ وأجندات الهزائم.

تحية إلى شعبنا الصامد وجيشنا المنذور للتضحيات.

تحية إلى سورية التي تداعت ـ بالشعور العالي بالمسؤولية التاريخية ـ إلى الدعم اللامحدود لمقاومة أذاقت شعبها طعم الظفر بعد أن علقَمَ لسانَها طعمُ الخيبات والنكسات والنكبات.

تحية إلى الجنود المجهولين، أحياء وشهداء، لأنهم رُسُل الحرية والعزة والكرامة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى