امتحانات المغرب العربي خارج السيطرة ومادة للتراشق السياسي
أعلنت وزارة التربية الجزائرية أنّها قررت إعادة إجراء امتحانات شهادة ختم الدروس الثانوية، في 19 من حزيران الجاري بعد تسريب أسئلة الامتحانات.
وقالت وزيرة التربية نورية بن غبريط، في مؤتمر صحافي عقدته بمقر الوزارة بالعاصمة الجزائر، إنه ستتم إعادة امتحانات شهادة البكالوريا بشكل جزئي بين 19 – 23 حزيران الجاري حيث يشمل قرار الإعادة 38 من المرشحين للحصول على البكالوريا.
وسيعيد الطلبة المعنيون بالقرار الامتحانات في سبع مواد، بينها: العلوم الطبيعية واللغة الفرنسية والرياضيات والفيزياء. وذلك، بعد تأكد وزارة التربية من تسريب أسئلتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل إجراء الامتحانات العادية، التي أُجريت بين 29 أيار و2 حزيران.
وأثار تسريب مواضيع البكالوريا زوبعة قوية في الجزائر، كانت وزيرة التربية نوريه بن غبريط في وسطها، حيث سارعت إلى إعلان فتح تحقيق في صحة المعلومات التي تم تداولها عن تسريب الأسئلة، قبل أن تعلن رسمياً عن إعادة الامتحان.
وتوصل التحقيق، الذي تجريه السلطات الجزائرية حالياً، إلى أن الشُعب التي شملها التسريب، تمثِّل نسبة قد تصل إلى 45 من مجمل موضوعات الامتحان. كما تم توقيف 31 شخصاً بينهم امرأة، ووضعوا تحت طائلة الرقابة القضائية كمشتبه فيهم بعد تتبع العناوين الرقمية لبروتوكول الإنترنت الخاصة بهم.
وبدأت فضيحة تسريب أسئلة البكالوريا تأخذ أبعاداً سياسية مع تصاعد التراشق بالاتهامات بين الموالاة والمعارضة، حيث قال رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال إنّ ما حدث يعدُّ مساساً بالأمن القومي هدفه زعزعة استقرار الجزائر.
ووصفّت نورية بن غبريط واقعة تسريب الامتحانات، بأنها مخطط يسعى لضرب الجزائر في أهم مكتسبات الدولة، وهو نظام التربية والتعليم. بينما سارع مدير الديوان برئاسة الجمهورية أحمد أبويحيى، المعارضين الإسلاميين بالوقوف وراءها من أجل معاقبة وزيرة التربية، التي تسعى لتطبيق إصلاحات جديدة في نظام التعليم مبدياً أسفه «لتسييس البكالوريا».
وبرزت دعوات قوية تطالب بإقالة وزيرة التربية، التي تم تعيينها على رأس وزارة التعليم عام 2014، وتواجه انتقادات لاذعة منذ إعلانها نهاية شهر تموز من العام الماضي نيتها إدراج اللهجة الجزائرية في المناهج التعليمية وهو ما اعتبرته أوساط محافظة إهانة للغة العربية. كما واجهت في الفترة الأخيرة أزمة اعتصامات وإضرابات للأساتذة المتعاقدين ونقابات التعليم.
لكن جمعية أولياء التلاميذ طالبت السياسيين بإبعاد التعليم عن حساباتهم الخاصة ومعاركهم على السلطة، والمحافظة على صدقية الامتحانات.
وعلى الرغم من أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب أسئلة امتحانات البكالوريا، فإن الحادثة أثارت جدلاً واسعاً، وأعادت إلى الواجهة النقاش حول واقع التعليم ليس فقط في الجزائر، بل وفي غيرها من دول المغرب العربي التي شهدت حوادث مماثلة.
فقبل أيام قليلة، أعلن المغرب عن إحباط مخطط لتسريب أسئلة المرحلة الأولى من امتحانات شهادة ختم الدروس الثانوية «بكالوريا»، تم إثرها اعتقال عشرات المتهمين في عدة مدن مغربية بينها الرباط وسلا ومراكش ووجدة.
وتواصل السلطات المغربية حالة اليقظة خلال الأسبوع المقبل لمراقبة المرحلة الثانية من هذه الامتحانات حيث تم تكليف وحدة خاصة بجرائم المعلوماتية بشن حملة لا هوادة فيها ضد الصفحات والحسابات الإلكترونية، التي تقف وراء إفشاء الامتحانات قبل موعدها.
وتوعدت الحكومة المغربية التلاميذ الذين يحاولون الغش بعقوبات صارمة، وذلك لمواجهة انتشار الغش بمختلف أنماطه وحفاظا على صدقية الامتحانات.
كما طالت حمى تسريب الامتحانات موريتانيا أيضاً، فقد اضطرت وزارة التعليم إلى إعادة جزء من امتحانات البكالوريا العام الماضي، بعد ما جرى تداول أسئلتها على وسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما حدا بالسلطات إلى إصدار تعليمات صارمة بعدم التساهل مع محاولات التلاعب بالامتحانات، وعدم السماح للطلاب باستخدام هواتفهم داخل أقسام الامتحان هذا العام.
ومن الواضح في هذه الحوادث انعكاس الصراع السياسي سلباً على واقع التعليم، لأن تسييس قطاع التعليم يكاد يكون الخيط الناظم لجميع حالات تسريب البكالوريا في هذه الدول التي تتهم معارضاتها حكوماتها بتكريس رداءة التعليم.
وقد تُلحق فضائح التسريب التي شهدتها الجزائر وموريتانيا والمغرب على صدقية الشهادات التي يحملها خريجو مؤسساتها التعليمية، وخاصة في الدول التي تستقبل أعداداً كبيرة من طلبة هذه البلدان مثل فرنسا التي يحتل الطلبة المغاربة فيها المرتبة الأولى من حيث أعداد المسجلين في الجامعات والمعاهد العليا.