الحريري إلى أين؟
حسين حمّود
لا أحد ينكر أن الرئيس سعد الحريري ليس في برج سعده ولا هو يُخفي هذه الحقيقة. فالرجل منذ عودته إلى لبنان يتجرّع الكؤوس المرّة بدءاً من تبخّر هبة المليارات الأربعة السعودية التي كانت مخصصة للبنان، بعد أن جعلت الرياض الحريري نفسه الوسيط فيها والناطق الرسمي باسمها.
ثم تتالت الضربات على رأسه، إذ أعلنت السعودية حرباً مقنّعة على لبنان كله بذريعة مواقف حزب الله السلبية من نهجها السياسي والأمني في المنطقة، وتحديداً في سورية واليمن، لتصل الرياض إلى ذروة تصعيدها بتصنيف الحزب «منظمة إرهابية»، علماً أنه شريك حليفها الأبرز وربيبها الحريري في السلطة وفي الحوار، ليزداد إرباك الحريري وتخبطه في مواقف وسياسات تبعده عن شريكه في الوطن.
ثم يحين موعد الانتخابات البلدية في بيروت، فينال صفعة مدوّية هزت زعامته الشعبية المترنّحة أصلاً، وذلك بعد أن أظهرت صناديق الاقتراع هزالة التصويت التي كادت تطيح بلائحته. وبعدها تكون الضربة القوية في طرابلس من خلال فوز لائحة المتمرد عليه وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، بأغلبية مقاعد المجلس البلدي في عاصمة الشمال.
ولم يكتف ريفي بالفوز على قائده بل يوجّه له دروساً في «العقيدة الحريرية»، متهماً إياه بالخروج عن مبادئها وثوابتها، وضمناً التنكّر لإرث أبيه الراحل مؤسس الحريرية، بحسب ريفي الذي هو في الأساس لا ينتمي رسمياً إلى تيار المستقبل، بل يُعتبر من جمهوره الذي سار في موكب دم الراحل منذ اغتياله ولا يزال.
لكن الضربة الموجعة الأقوى جاءت أيضاً هذه المرة من السعودية من خلال اقتحام موظفي شركة «سعودي أوجيه»، التي يملك الحريري جزءاً كبيراً منها، مكاتب الشركة وتكسيرها والاعتصام فيها قرابة أربع ساعات، تحت نظر قوات الأمن السعودية، احتجاجاً على عدم قبض الموظفين رواتبهم منذ أشهر عدّة. قد يكون بعض المسؤولين السعوديين ما يعتبرونه إساءات لهم صدرت عن الحريري ولا سيما وصفه ولي العهد محمد بن نايف بـ «السفّاح».
وما زال الحبل على الجرّار، على ما تقول أوساط سياسية، وتضيف أن الحريري وصل إلى هذه الحال التي استدرت شفقة بعض حلفائه عليه، ومنهم رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، بسبب أخطاء ارتكبها ولم يكن يجدر به ارتكابها.
وتشرح الأوساط بأن الحريري وصل إلى مكان لم تصله أي شخصية سنية في لبنان منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، ولا حتى والده الراحل رفيق الحريري من حيث الشعبية الكاسحة داخل طائفته وجزء كبير جداً من الطوائف الأخرى بكل ألوانها. لكن الحريري بدلاً من أن يستغل موقعه الشعبي وتأطيره عقائدياً وسياسياً اكتفى برش المال على هؤلاء للبقاء إلى جانبه، أما هو فبعد أن نام على الحرير الشعبي هجر قاعدته وبلده وطائفته لفترة طويلة بل طويلة جداً. هذا البعد سمح للمتطفلين على القيادة التسلل خلف خطوط الحريري للتقرب من القاعدة وشدّها إليه بإطلاق تصريحات ومواقف والقيام بخطوات تشبع غرائزهم، ولو كان من خلال حروب عبثية يدفع الجمهور ثمنها.
وتلاحظ الأوساط أن معركة تحجيم الحريري لا تزال مستعرة، ليس بواسطة المعنيين بها، بل بتحريض كبير من أحد أبرز حلفاء الحريري، لا بل هو الذي كان صانع نجمه عندما كان مليئاً مالياً دافعاً إياه إلى الصفوف الأمامية لقيادة قوى 14 آذار وكان الحريري ينفّذ كل ما كان «أبوه السياسي» يطلبه منه. أما الآن فيقود حملة التحريض داخل تيار المستقبل نفسه لإشعال معركة سياسية لن يكون خاسراً فيها إلاّ الحريري نفسه، وهي ستكون بمثابة المعركة الأخيرة له قبل تقرير المصير الجديد.
..ويصحّ التساؤل هنا: الحريري إلى أين؟