الربيع الأميركي والحروب الجديدة
عامر نعيم الياس
تطرح الحرب الدائرة في سورية وليبيا العديد من علامات الاستفهام حول نمط الحروب الجديدة، مصطلح عملت النخب الغربية على طرحه ودراسته من زاويتين، الأولى تتعلق بمحاولة وضع خطوط عريضة لتمييز الحروب الجيدة عن القديمة، والثانية تتعلق بالمقارنة بين الحروب القديمة والجديدة لتثبيت نقاط الاختلاف إنْ وجدت، وفي سياق متابعة هذا الملف نحاول اليوم سرد بعض صفات الحروب الجديدة التي حاول بعض الباحثين الخوض فيها، وفي هذا الإطار نشرت مجلة «ضفاف» الصادرة عن المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي ووزارة التعليم العالي في سورية مقالاً بعنوان «الحروب الأهلية في عصر العولمة» للباحث رولاند مارشال والباحثة كريستين ميسيان، هو واحد من سلسلة مقالات سنناقشها تباعاً على صفحات «البناء»، يناقش فكرة الاختلاف النوعي ما بين الحروب القديمة والجديدة وهي فكرة طرحتها الباحثة ماري كالدور قبيل أحداث الحادي عشر من أيلول مستندةً إلى تجربة ناغورني كاراباخ وحرب البوسنة، حيث رأت أنّ «الحروب القديمة تتعارض مع الجديدة بثلاثة مستويات قياسية»:
الايديولوجية مقابل الهوية أو الفراغ السياسي: هنا تحضر داعش والحروب التي تقودها إلى جانب المجموعات الإرهابية المتطرفة الأخرى تحت ستار الطائفة كهوية جامعة ووحيدة لمكوّن إثني ضاربةً عرض الحائط بمفاهيم القومية والوطنية والأمة، وترى كالدور هنا أنّ «الحروب الجديدة تستند بشكل أساسي إلى دوافع تتعلق بالهوية، وذلك في تعارض مع الأهداف الايديولوجية أو الجيوسياسية التي وسمت الحروب القديمة»، الفرق يكمن هنا بين الأفكار أو بالأحرى النظريات التي تقود الحراك المجتمعي نحو هدف أفضل ومستوى حياة أفضل، وبين الهوية التي تعتمد على الماضي والإقصاء «إنّ سياسات الأفكار تنهض على مشاريع تتوجه نحو المستقبل وهي تميل لأن تكون شاملة جامعة، بمعنى دمج جميع من يدعمون الفكرة. أما سياسات الهوية فهي إقصائية ومتشظية تتجه نحو الماضي».
الحروب مع السكان ومن أجل السكان مقابل العنف المفرط ضدّ السكان: هنا يحضر أيضاً ما يجري على الأرض السورية والعراقية والليبية ليبرز بالصوت والصورة عبر المقاطع المصوّرة على اليوتيوب وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، هذا الطابع العنفي اللا محدود لجماعات تدّعي الدفاع عن الهوية في وجه الآخر حتى لو كان هذا الآخر حاملاً لذات الهوية الطائفية التي يدّعي «المتمرّدون» حسب التعبير الأميركي المحبّب، هنا تقول كالدور «في حين حازت الحروب القديمة على دعم شعبي قوي، فقدت الحروب الجديدة هذا الدعم، ولم تكن تهتمّ بالسكان قط، بل على العكس ميّزت نفسها بالعنف ضدّ المدنيّين والتمادي بهذا العنف على الحدود القصوى… فمن خلال استخدامها خليطاً من تقنيات حرب العصابات والتقنيات المضادة لها فتحت المجال لارتكاب المجازر الجماعية والتهجير القسري… إنّ الحروب الجديدة تتميّز بعنف شاذ وغريب وقصووي، عنف تتمّ ممارسته ضدّ السكان أكثر مما تتمّ ممارسته ضدّ الجيوش العدوّة»، عند هذه النقطة يحضر مثال تهجير المسيحيين من الموصل، فضلاً عن نموذج البيعات التي تحصل في غالبها نتيجة الخوف من العنف الوحشي لجماعات «الثورات الجديدة».
اقتصاد الحروب، اللا شرعية والنهب: إنّ التدمير الممنهج والمدروس لوسائل الإنتاج والبنى التحتية في سورية واستهداف المنشآت المملوكة للشعب، والاستيلاء على حقول النفط والسدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، وتهريب المعامل إلى تركيا كما حصل في حلب، والاعتماد على عمليات الخطف لتمويل الجهد الإرهابي للمجموعات الإسلامية التي تعيث فساداً على أرضنا، فضلاً عن شرعنة التمويل الخارجي وعمليات بيع المواد الأولية للدول الإقليمية بأسعار بخسة، أدلةٌ دامغة على اقتصاد حرب هذه الجماعات.
وحسب كالدور فإنّ «اقتصاد الحروب الجديدة عالمي ومبعثر وعابر للحدود ويحرّض النوازع السلبية في المجتمع كالسوق السوداء والنهب والدعم الخارجي والمساعدات الإنسانية… إنّ المتمرّدين الجدد يعيشون على اختلاس المال العام وعلى السلب والنهب، هذه الأخيرة تنطوي على بعد دولي عميق له بصماته الخاصة في حلقات التجارة العالمية».
قد يختلف كثيرون حول مفهوم التمايز بين الحروب القديمة والجديدة، لكن الثابت الذي نحاول الإضاءة عليه عبر سلسلة المقالات التي تتناول الحروب الجديدة، هو البعد الدولي الاستراتيجي الحاضر في هيكلية واستراتيجية ما يجري في منطقتنا، والذي يسحب هذا الملف من دائرة التداول تحت مسمّيات الثورة والحراك الشعبي نحو الأفضل تمرّداً على ظلم ما.
كاتب سوري