تقرير

نشرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية تحليلاً أعده ريتشارد ساكفا الباحث والخبير في السياستين الروسية والأوروبية، تساءل فيه، عمّا إذا كان من المتاح الحدّ من التوتر ونزع فتيل التصعيد الذي يخيم على العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

واعتبر ساكفا في التحليل، أن الجميع وبعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، أدركوا أنهم صاروا يعيشون في عالم آخر، وشاهدين على صعوبة المرحلة، وأصبح الجميع على يقين تام بهشاشة النظام الذي ترسخ في أوروبا في أعقاب انتهاء الحرب الباردة سنة 1989، مشيراً إلى أن الاتفاقات والمعاهدات التي أُبرِمَت في تلك الحقبة، قد ولّدت عدداً من النزاعات فاق ما حلّت من خلافات.

وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي، قدّم نفسه كـ«مشروع سلمي»، واستطاع تحقيق الكثير من هذا السلم داخل حدوده، فيما كان من المرجح في إطار هذا المشروع، أن يحاط الاتحاد الأوروبي بعد قيامه بطوق من الأصدقاء، حسبما أكد في حينه رئيس اللجنة الأوروبية رومان برودي، فيما تحول النطاق المنشود، إلى حزام من النار التف حول الاتحاد الأوروبي، حيث انهارت الدول في شمال أفريقيا، وصار الشرق الأوسط ساحة لجملة من الحروب المتراكمة.

وأضاف أن التدخل العسكري الروسي في سورية، قد فتح جبهة للمواجهة بين موسكو وواشنطن، يتسابق فيها الجانبان على حق الاستحواذ على الأفضلية في تقرير مصير سورية، بما يحمله ذلك في طياته من خطر نشوب مواجهة فعلية بين البلدين، فضلاً عن الكثير من بؤر النزاعات المحتملة التي قد يسبقها تصعيد ينتهي بنزاع مسلح.

ولفت في هذه المناسبة، إلى استمرار الناتو بزعامة الولايات المتحدة في تعزيز وجوده في محيط روسيا برّاً وبحراً وجوّاً، ناهيك عن إطلاقه في أيار الماضي أول محطات الدرع الصاروخية الأميركية في رومانيا.

موسكو من جهتها، ترى في منظومة الرادار وبطاريات الصواريخ الاعتراضية التي نشرها الناتو في رومانيا، خطراً يتهدّد قوات الردع النووي الروسية، فيما صارت على المحك معاهدة نزع الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى المبرمة بين موسكو وواشنطن سنة 1987، بما يفتح الباب على مصراعيه أمام جولة جديدة من إعادة نشر روسيا هذه الصواريخ التي تجعل أوروبا بالكامل في مرماها المباشر.

وأضاف أن السفن الحربية الأميركية، مستمرة في مناوراتها الاستعراضية على مسافة بضع عشرات من الكيلومترات عن قاعدتي روسيا الحربيتين في بحري البلطيق والأسود، فيما روسيا، وشعوراً منها بالخطر على أمنها، قد تقدم على تصويب صواريخها النووية المنتشرة في كالينينغراد والقرم على العدو المفترض.

وفضلاً عن ذلك، شارفت روسيا على الانتهاء من اختبار منظومات صواريخ «S 500» المضادة للأهداف الجوية القادرة على تدمير الصواريخ البالستية بما فيها العابرة للقارات، ناهيك عن الصواريخ المجنحة الفرط صوتية والطائرات القادرة على التحليق بسرعات تصل إلى أكثر من خمسة ماخ.

وحذّر ساكفا من مغبة أن يفضي الإخلال بمعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، واتفاقية الأسلحة الهجومية الاستراتيجية المبرمتين بين موسكو وواشنطن، إلى إجهاض نتائج عشرات السنين من المفاوضات المضنية بين الجانبين للحد من الأسلحة.

وأشار، إلى أن بعض المحللين العسكريين، صاروا يجزمون بأنه قد تم القضاء بالكامل على ثمار التعايش السلمي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأن ذلك تم بالدرجة الأولى نتيجة لممارسات روسيا وأوكرانيا، كما استشهد على هذا الصعيد، بما دوّنه الجنرال البريطاني ريتشارد شريف النائب السابق لقائد قوات الناتو في أوروبا في كتابه «الحرب مع روسيا عام 2017»، محذّراً من خطورة حرب حقيقية مع موسكو.

كما تكهن الجنرال البريطاني والذي ترسخت تخيّلاته حسب ساكفا في عقول استراتيجيي الناتو، بأن تحاول روسيا في إطار تفادي تطويق الناتو لها، الاستيلاء على أراض في شرق أوكرانيا، لتفتح من هناك معبراً برياً إلى جمهورية القرم، وتجتاح البلطيق بالتوازي.

وذكّر ساكفا في تحليله كذلك، بأن فيليب بريدلاف القائد العام السابق لقوات الناتو الموحدة في أوروبا، قد تحول بدوره مع اندلاع الأحداث في أوكرانيا سنة 2014 إلى «عرّاف» تخصّص في التنبؤ بجملة لا تحصى من غزوات ستشنها روسيا في أوروبا.

وأفرد ساكفا في تسليط الضوء على التوتر الحاصل بين روسيا والناتو، لقاء الأطلسي الذي عقده في أيار الماضي تحت شعار «الردع والحوار»، فيما كان التركيز خلاله على ما حملته الكلمة الأولى من معان في هذا الشعار.

واستناداً إلى اجتماع الناتو السابق، رجّح ساكفا أن تخلص جلسات الأطلسي المزمعة في تموز القادم في وارسو، إلى أن الأخطار التي تتهدّد أمن الولايات المتحدة وحلفاءها تكمن في «العدوان الروسي»، وولع إيران في المغامرات، والمدّ الصيني، واضطرابات الشرق الأوسط.

ولفت ساكفا إلى أنه كان من الأجدى عوضاً عن صبّ الزيت في النار، إطلاق العمل الدبلوماسي لإزالة التوتر. فالناتو من جهته، يرفض العودة بالتعاون مع روسيا إلى صيغته القديمة، إلا إذا نفذت روسيا بنود اتفاقات مينسك بالكامل، فيما يتوجب على أوكرانيا، لا روسيا، تنفيذ جملة من البنود ذات الأهمية في هذه الاتفاقات.

وهذا يعني، أن روسيا ومعها أوروبا قد أصبحتا رهينة لحفنة من الراديكاليين الأوكرانيين الدائبين على تعطيل أي خطوة على طريق الانتخابات في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، وتطبيق كييف الإصلاحات الدستورية اللازمة للحد من سلطة المركز وقيام حكم ذاتي بصلاحيات محلية موسعة جنوب شرق أوكرانيا.

وفي تغطية موقع الاتحاد الأوروبي من كل ما يحدث، أشار ساكفا إلى خشية الكثيرين تجاه تحول الاتحاد الأوروبي إلى شريك صغير للأطلسي، وفقدانه ما تبقى في من استقلالية القرار، كان له أن يسخّرها في حلّ القضايا الجيوسياسية ذات الأهمية.

ورغم أن متانة العلاقات بين بروكسل وبلدان شرق أوروبا تصبّ في صالح الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي في آن واحد، إلا أن شراكة بروكسل مع الناتو بمعزل عن المصالحة مع روسيا، سوف تنقلب إلى مغامرة جيوسياسية يخوضها الاتحاد.

وفي ختام تحليله، خلص ساكفا إلى أن في مقدّمة سبل المصالحة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، مشروع «أوروبا الكبرى» الذي طرحته موسكو ويعود بجذوره إلى الفهم الديغولي لأوروبا.

الولايات المتحدة معنية قبل كل شيء ببقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي، بما يتيح استمرارها في لعب الدور الذي حذر منه ديغول، معتبراً في لندن حصان طروادة لدخول أوروبا.

وعجز الاتحاد الأوروبي عن حساب عواقب ممارساته، قد أدّى إلى اندلاع أفظع نزاع معاصر في أوروبا يدور على أرض أوكرانيا، التي تحولت إلى أداة في أيدي بلدان شرق أوروبا لتأجيج الأحقاد التاريخية، عوضاً عن تخطّيها.

وأكد أن روسيا من جهتها، لا يتوجب عليها تقديم الدعم للشعبويين اليمينيين داخل الاتحاد الأوروبي، نظراً إلى أنهم لا يمثلون أكثر من حركة واحدة وسط طيف من التيارات الطامحة إلى تبديل سياسة بروكسل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى