قالت له

قالت له بابتسامه باهتة: لقد أقنعتني أخيراً. كن صديقي. فليس للعاشقين بقاء وها أنا أمام عينيك سجينة أروي حكاية عشقٍ لأبرّر لقلمي حكاية حبّ خاطئة. لأبرّر له مدى سذاجة قلبي، وأبرّر له أسباب حرب يخوضها وهي ليست حربي. فأنا حطامها وخرابها أحارب عيني مع ألم جرحٍ صار هو ملامحي، وفي الجرح ملح يقول لا تسامحي، وأنت بعقل بارد تتلقّى عتابي، وعلى هواك تغلق أبوابي وتفتحها.

فقال لها: تقتلك الغيرة لأنها بنت التملّك والأنا. والأنانية والتملّك ليسا من الحبّ بشيء. والغيرة ليست يوماً مقياساً صالحاً للحبّ. فكم من الأزواج الفاشلين يتبادلون الغيرة كبرياء، وكم يتمسكون بظاهر ما بينهم رغبة بالتملّك؟ ويا أيتها الموهومة عشقاً ترجّلي عن حصان التسلّط وتساءلي هل تقبلين حبيباً من دون مقابل؟ فإن قبلت جوارحك كنت من العاشقات المعذبات بسعادة وشغف الحبّ، وإن عدت إلى صهوة جوادك تستعلين فلست من ممالك العشاق، بل من إمارات العبودية.

فقالت: تكفي حرارة مدمعي وتسمّر ضحكتي وعيناك باهتتان وضحتك استفزاز للبكاء. ودعني أعترف أنهما رغم اللون الأصفر فيهما، لا تزالان تجذبانني إليك أملاً بوهم أو حلم أن يضمّني دفء صدرك. فهل أنا ضحية أم أنا غبية؟ ويحك وويح قلبي ماذا فعل بي؟ أيعقل لهذا القلب المتعجرف بغموض ملامحه أن يزهو بسيطرته عليّ؟ أهو حبّ، أم شعور بالنفور جديد على قلبي؟

فقال لها: هو أنت الغاضبة وأنت اللاعبة وأنت التي لا تهدأ وتريد الأفضل وتريد الأجمل ولا تلبس إلا الحرير وهودجها من مخمل. فترجّلي يا فتاتي واستسلمي لبركة الحبّ بتواضع حيث لا مكان للأسياد والكلّ عبيد. ولا مكان للابتسامات بلا مدامع وللأفراح بلا مواجع وللورد بلا أشواك وللطريق بلا أفق والاستمرار بلا أمل والعناق بلا خجل والدمع بلا مقل والحنين لحبيب ما وصل. من عقد اتفاقاً مع الحبّ ألا ينزل عليه إلا بالفرح والوصال يكون قد عاش في الخيال.

فقالت: أأنت واقع أم خيال؟ أم فقط هاجس أكتب عنه وحضن صنعته في ظنّي كي ألجأ إليه وأغفو عليه؟ إن أردت كن حبيبي وإن لم تُرِد فلا ترحل، ولتكن صديقي وعالمي الآخر. فتباً لروايات العشق بلا أمل. وتبّاً لمن قال من سار على الدرب وصل.

فقال: تمهلي، لك رسالة، وها هو بريد الحبّ قد وصل.

وطبع قبلة على جبينها متمتماً: لو كنت أقدر على الهجر والابتعاد لرميتك ليلاً في البحر كسمكة مكبّلة بالأصفاد. لكنني ربما تتبعتك قبل الصباح أبحث عن المفتاح. فابتسمت دمعتها على الشفتين، وأغمضت عينيها على دمعتين!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى