قراءة في كف القرار 2170
د. سليم حربا
صدر قرار مجلس الأمن 2170 بالإجماع والقاضي بتجفيف منابع الإرهاب واعتبار داعش والنصرة منظمات إرهابية، وقد تأخر هذا القرار لأكثر من ثلاث سنوات ولم يكن آلاف الضحايا من السوريين والعراقيين واللبنانيين كافياً لاختصار ذلك الزمن أو خلق إحساس لدى دول وأنظمة للإحساس بأنّ هذا الإرهاب يهدّد الأمن والسلم الدوليّين، ويهدّد مصير ومستقبل البشرية والدين والإنسانية بكلّ شعابها وشعوبها، أما الذي دفع بريطانيا الأميركية لتقديم مشروع القرار في هذا السياق الزمني والتقاط اللحظة ليس حرصها على العراق وسورية ولا شعبيهما ولا على دماء المسلمين ومسيحية المشرق وتاريخ ودماء الأقليات ولا لإيقاف سفك دماء الازيديين ومسلسل أكل الأكباد والقلوب وسبي النساء بل الذي دفعهم لإصدار هذا القرار هو جملة أهداف أهمها:
عجز أميركا عن ترويض الإرهاب وتحويله إلى معارضة مسلحة أو معتدلة في سورية، وتكشير الإرهاب عن أنيابه وتعريفه بنسبه وحسبه وسلوكه وأيدلوجياته القاعدية، وبدء الإرهاب رحلة العودة بعد انتصارات الجيش العربي السوري ليدق بحوافره على أبواب الغرب، وتعافي الحالة العراقية عسكرياً وسياسياً والبدء بامتلاك المبادرة في مواجهة داعش، ومسلسل الفضائح الذي بات يقلق الإدارة الأميركية بدءاً من تصريحات كلينتون التي اعترفت بأن داعش صناعة أميركية على ما تم تسريبه من دور مايكل فيكرز واعتباره القائد الفعلي لداعش بالتنسيق مع بندر، وصولاً إلى عرض رسالة داعش للأميركيين من أمام البيت الأبيض وبيد داعشي بأن الدواعش ستمر من هنا وليس آخرها الصبي الداعشي الاسترالي الذي يحمل رأس جندي، كل هذا بدأ يحمّل الإدارة الأميركية وحلفاءها الذين دعموا هذا الإرهاب مسؤولية أخلاقية وتاريخية وإنسانية وقانونية بالتوازي مع الدور الروسي الريادي في مكافحة الإرهاب قولاً وفعلاً والقرار الروسي في مجلس الأمن بمنع شراء النفط من داعش شكّل إشارة إنذار وخطر لداعمي الإرهاب، ويضاف إلى ذلك كله إن أميركا تريد التقاط اللحظة لتحمي حلفاءها الذين أوغلوا في دعم الإرهاب وتريد أن تختزل الإرهاب بأشخاص وتحمي الأنظمة وعلى رأسها السعودية وتركيا والأردن والكيان «الإسرائيلي» وقطر وحكومات الغرب.
لذلك جاء القرار 2170 المتأخر والمتواضع والإعلامي وكأنه بيان وليس قرار ولعله أتى بهذا الشكل والمضمون والسياق ليشكل حالة غسيل تاريخي لأيدي الغرب وداعمي الإرهاب من دماء السوريين والعراقيين مسلمين ومسيحيين والحصول على صك غفران من لعنة التاريخ والإنسانية.
ولكي نرى كأس القرار المليء بالشكل والفارغ بالمضمون يمكن القول إنه لو كان المجتمع الدولي جاداً في مكافحة الإرهاب لكان طبّق إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والقرار 1373 لعام 2001 لأن نفس الإرهاب الذي ضرب أميركا وأوروبا هو نفسه يتجدّد ويغيّر جلوده ومسمياته من الزرقاوي إلى خليفته البغدادي والجولاني ولما كنا بحاجة إلى قرار جديد وعشرات آلاف الضحايا والمجازر، والعبرة ليست في إصدار قرار بل العبرة في التنفيذ والتنفيذ المطلق وليس الانتقائي كما جاء التفسير الأميركي مباشرة لهذا القرار في العراق عندما نفّذت أميركا أكثر من 25 ضربة جوية على الدواعش فقط في محيط أربيل لأن داعش اقتربت من الخطوط الحمراء وهي نفط كركوك وأربيل وقواعد ومعسكرات الأميركان والصهاينة في أربيل حتى أطلق الأميركان على العملية اسم العملية الأميركية الكردية لتحرير سد الموصل، وكأن قتل العراقي في نينوى والأنبار والموصل مسموح وفي أربيل ممنوع، وهذا ما يقودنا للشك بأن أميركا تريد انتقائية في استخدام هذا القرار في العراق وقد يكون في سورية، من خلال محاولة انتهاك السيادة العراقية أو السورية أو توجيه ضربات ليس لمصلحة الشعب العربي في سورية والعراق إنما لتعيد داعش إلى الصراط الصهيوني الأميركي ومحاولة التسلق على القرار وتوجيه ضربات لداعش في سورية لمصلحة ما بحثت عنه كثيراً ولم ولن تجده وما تسميه المعارضة المسلحة المعتدلة لإعادة اجترار ما تسعى إليه بتغيير موازيين القوى في سورية ميدانياً، والمضحك من شر البلية في هذا القرار أن صانعيه وصائغيه تعاملوا مع الدولة السورية والعراقية المعنية بالقرار بتجاهل القاصد عندما تجاهلوا مندوب سورية والعراق في الأمم المتحدة وإشراكهم بصياغة القرار وكأن القرار يأتي للحفاظ على الغرب وليس على شعوبنا التي تُذبح بسواطير داعش وداعميها، والأهم أنهم تجاهلوا السبب الحقيقي للإرهاب وذهبوا إلى النتيجة لأنّ الإرهاب مهما قويَ بذاته يبقى ضعيفاً وقوته الحقيقية هي بالقوة المضافة والموضوعية والتي تأتي من حكومة أردوغان وصفقاتها النفطية مع داعش وحكومة بني سعود ومال قارونها وسلاح قابيلها وأبلسة حاخامات الكيان «الإسرائيلي» بتسليح الإرهاب ومعالجته وأدلجته وتبنيه، فبأي آلاء القانون الدولي تكذبون على العرب والمسلمين والمسيحيين والإنسانية وشعوبكم؟ بعد ثلاث سنوات ونصف ومنظومة الإرهاب بفكرها التدميري الشامل وأبواق سمومها الإعلامي الفتنوي الرخيص وسلاحها التدميري الشامل ومالها الحرام كلها تبقى وتقوى بأميركا وحلفائها ليأتي القرار ويختزل الإرهاب بكل تنظيماته ومسمياته وأذرعه وأفرعه بداعش وجبهة النصرة وستة إرهابيّين ويُطلق العنان لتسمين باقي التنظيمات كجيش الإسلام والجبهة الإسلامية والتوحيد والفرقان والكتائب الإرهابية التي لا تحصى. ولا توجد إدانة واحدة لكل من دعم الإرهاب وما زال وكأنه يقول عفا الأميركان عما مضى والآن بدأنا.
لعلّ ما استتر في هذا القرار حذر ومخيف ولعل ما ظهر في خطوط وكلمات الكف لهذا القرار لا يتعدّى التلويح بكف المجتمع الدولي، ولعل ما يسّر في هذا القرار أنه يأتي ولو متأخراً ليؤكد مصداقية ما قالته الدولة السورية منذ ثلاث سنوات في توصيف هذا الإرهاب ومخاطره ولكن لكي لا نحتاج إلى ثلاث سنوات أخرى وعشرات آلاف أخرى من الضحايا وقرار جديد فعلى كل من يريد صادقاً وجاداً وليس منافقاً أن يبنى قراره وخياره وقوله وفعله على ما حققه الميدان الوطني السوري وفي مقدمه ما قاله وفعله المقاتل العربي السوري وما تملكه سورية من بنوك صمود وخبرة وبأسس ومعلومات في مواجهة هذا الإرهاب والذي يتكامل مع إستراتيجية حزب الله في دفاعه خارج السور والذي جنّب لبنان الويل والثبور وعظائم الأمور وإلى أن تتوافر الإرادة الدولية الصادقة بمكافحة الإرهاب لا بمكافأته سيبقى قرارنا الوطني بمكافحة الإرهاب وجاهياً غير قابل للطعن.