سورية مفتاح حلّ أزمة الحزب الديمقراطي الأميركي

روزانا رمّال

حسابات التنظيمات الإرهابية المنتشرة ذيولها في أنحاء العالم كافة تنطلق من مفصل أساسي وهو «الدولة» التي كان من المفترض أن تؤسس لصالح فرض القوى الجهادية ككيان واضح الأطر والمقدرات، وهي غير مستعدة للتنازل في أماكن لا تجد فيها منحى تصاعدياً لهذا التأسيس الذي يمرّ بمخاض عسير على الأرض السورية وهي الأرض التي انطلق منها الحلم حتى العراق الذي كان يوماً نقطة البداية قبل أن يتحوّل الحساب وفق الظروف. تقدّم سورية للإرهاب التكفيري نموذج الروح القصيرة التي طغت على الدولة الحلم. فالتدخل العسكري الروسي والإيراني والسوري ومعهم حزب الله نسف فكرة المشروع باسترجاع مدن ومناطق هامة وتقطيع أوصال الدولة المنشودة من دون أن تتمكن القوى التكفيرية مثل داعش والنصرة من إعادة لملمة أصولها وقواعدها للانطلاق مجدداً. وهنا تتحرك بأعلى مستوياتها أجنحتها الخارجية للتعويض حيناً وللضغط حيناً آخر على الدول الداعمة الأولى والأساسية في المشروع وهي الولايات المتحدة وتركيا. وبهذا الإطار تشهد الدولتان أحداثاً أمنية لافتة، آخرها أسوأ عملية إطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة حسب الرئيس باراك أوباما في أورلاندو على مقهى ليلي في فلوريدا، وبخصوص الاتهامات والتبني ذكرت وكالة «رويترز» نقلاً عن «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي أن «داعش» تبنّى هجوم أورلاندو..

حادث خطير قد يكون الأسوأ القادر على قلب المشهد الانتخابي في واشنطن. فهو مادة دسمة تمسك فيها دونالد تراكب صاحب التصريحات النارية تجاه التشدد والإسلام وهو أول المرشحين المعلقين على الحادثة، داعياً الأميركيين للاعتراف إن «كان على حق في كلامه عن الإرهاب الإسلامي المتشدد».

ترامب لم يكتفِ بهذا، بل دعا الرئيس أوباما إلى الاستقالة مع العلم أن ولاية الأخير تعيش آخر فتراتها، لكن كلام الجمهوري ترامب الذي يهدف إلى إبعاد غير شكليات الاستقالة وما تحمله من تداعيات وضع الإصبع على الجرح بالقول إن سياسات الحزب الديمقراطي كانت فاشلة بقيادة أوباما فهل يستعد الشارع الأميركي لتجربة أخرى تتمثل بدعم وصول المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لرئاسة الجمهورية الأميركية؟ هل يستعد الشعب الأميركي لبذل المزيد من التضحيات نتيجة هذه السياسات الخاطئة؟

يضغط ترامب من بوابة الإرهاب الذي ابتعدت عنه المرشحة كلينتون في معظم حملاتها الانتخابية وهنا تبدو مسؤولية الرئيس الحالي أوباما أعمق وأكبر من جهة قطع الفرصة أمام ترامب والجمهوريين للفوز من بوابة استغلال الملف «المغري» والأهم دولياً، ومن جهة أخرى لناحية تقديم ما أمكن لكلينتون قبل انتهاء ولايته وهو كان قد أعلن دعمه الرسمي لها كمرشحة للحزب الديمقراطي.

مواجهة ترامب لن تكون سهلة في الأيام المقبلة. فالحادثة لها وقعها الكبير على الرأي العام الأميركي. وهنا تلفت أصول الجاني الأفغانية والمتطرفة التي تذكر الشعب الأميركي بالقاعدة وطالبان وغيرها من عمر ذلك الصراع الذي أضيف اليه اليوم داعش في سورية والعراق.

طريق واحد يتراءى لأوباما يمكن من خلاله إنقاذ حزبه من غرق مقبل لا محالة، فتسرع ترامب وسطحيته قد لا يكونان اليوم موضع إدانة أو نقيصة امام تدهور الوضع الأمني والمخاوف المزروعة في نفوس الأميركيين، حيث ترفع لمصاف الحاجة الأكبر وهي قادرة على تقبل أفكار معاداة التطرف الإسلامي بعد الأذى الذي لحق بهم، والطريق هو المشاركة الجدية في سورية بالقضاء على الإرهاب في المحافظات التي بدأ الجيش السوري بالدخول إليها والمتبقية وفيها ابرز معاقل داعش مثل «الرقة».

إعلان الولايات المتحدة الدخول رسمياً على خط قتال التنظيم الإرهابي يعطي زخماً كبيراً للحزب الديمقراطي قادر على تسويق المرشحة كلينتون من جهة وعلى تقديم خيار شجاع بوجه التطرف أو التشدد الذي يتحدث عنه ترامب كذريعة فشل حكم أوباما الذي انتشر خلال عهده هذا المخلوق المستحدَث استخبارياً من دون أن يتمكن مطلقوه تقويضه في أماكن عدة.

الحرب على الإرهاب لن تكون بدون تعاون أميركي روسي مشترك فشنّ ضربات جوية عسكرية بدون هذا التنسيق يعني نسف لكل جهود التقدم لجهة وضع مسودة الحل المرتقب في سورية وعلى هذا الأساس، وإذا كان الجو الروسي يتجه نحو ثقة متبادلة مع الأميركيين في لحظة حسم يمكن استثمارها بعد عملية اورلاندو فإنها بالتأكيد يتكوّن مقدمة الحل الجدي في سورية هذا الصيف وهنا فإن روسيا ستكون على موعد مع تأسيس خيوط التعاون المقبل مع هيلاري كلينتون في مرحلة حكمها، وإلا فإن روسيا لن تقدم أو تجير أي نصر للأميركيين أو استغلال لموجة ضرب داعش بدون الحصول على ضمانات أكيدة.

ضخامة العملية في أورلاندو تتطلّب رداً حقيقياً من أوباما أو خطوة لا تقتصر على المواقف بين إدانة واستنكار وهو الذي يعرف ما معنى أن يختتم عهده المفعم بالإنجازات بين مصالحة كوبا وإتمام الاتفاق النووي مع طهران والتعاون الروسي – الأميركي وغيرها يعرف تماماً ضرورة لملمة الأمر بخطوة حسية تقدم لشعبه الغاضب من التطرف المنتشر في البلاد ويحمي من خلالها حزبه والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون من أنياب الجمهوري الثائر دونالد ترامب، فهل تكون سورية المنقذ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى