تقرير

هل كنت تعلم أن الخصمين اللدودين، الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لم يزالا يحتفظان بمعاهدة للصداقة والتعاون، في ما بينهما، على رغم العداء الذي تتباين حدّته صعوداً وهبوطاً خلال السنوات الماضية.

تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية للخبير الإيراني في العلاقات الدولية، فرشاد خاشاني، ورئيس التحرير السابق لمجلة «الدبلوماسية الإيرانية»، ذكر أن إيران والولايات المتحدة كانت قد وقّعتا عام 1955 معاهدة للصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية.

تقرير المجلة الأميركية جاء بالتزامن مع تلويح إيراني بتقديم شكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد الولايات المتحدة على خلفية التجميد الأميركي المدعوم من المحكمة العليا الأميركية لحوالى مليارَي دولار من أصولها.

لكن التقرير أضاف بقوله إنه وراء هذه المناورة القانونية، هناك أمر غير واقعي فمحكمة العدل الدولية لها الولاية القضائية على النزاعات بين الدول، في حال أبدت الدولتان موافقة لقبول سلطتها لإصدار حكم في هذه الحالة. إلا أن الولايات المتحدة وإيران لا تتفقان في شأن الكثير هذه الأيام، في الواقع، لقد كانوا على خلاف لمدة أربعين سنة، فكيف سيتفقان على ذلك؟

وتابع التقرير بقوله «في الواقع، اتفق الخصمان على هذا منذ فترة طويلة، منذ وقت طويل. وعلى رغم عدد من الأحداث المريرة على كلا الجانبين منذ ثورة 1979، فإن لدى الدولتين معاهدة لا تزال صالحة وفقاً للقانون الدولي: معاهدة 1955 للصداقة والعلاقات الاقتصادية والحقوق القنصلية بين الولايات المتحدة وإيران».

التقرير ذكر أنه تم التوقيع على المعاهدة بعد سنتين من انقلاب 1953 في إيران. كان انقلاباً مدبراً من قبل الحكومة البريطانية ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من أجل هيمنة الشاه على السلطة، وانهيار حكومة محمد مصدق القومية في إيران، التي قامت بتأميم صناعة النفط الإيرانية.

وأوضح التقرير أن تاريخ هذه الاتفاقات بين الولايات المتحدة وبلدان أخرى يعود إلى عام 1778 في القرن الثامن عشر إذ وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية الصداقة والعلاقات التجارية مع فرنسا. ومنذ توقيع تلك الاتفاقيات، أصبحت قاعدة لحكومات الولايات المتحدة تنفيذ هذه المعاهدات مع الدول الأخرى من أجل تسهيل وتبسيط الاستثمارات والأنشطة التجارية وترسيخ العلاقات السياسية.

تم التوقيع على معاهدة الصداقة بين الولايات المتحدة وإيران في عام 1955، خلال ولاية الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور، ورئيس الوزراء الإيراني حسين علاء. وجاءت هذه المعاهدة في فترة، عندما كانت إيران تحاول جذب المستثمرين الأجانب، من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل، مثل «قانون الجذب ودعم الاستثمار الأجنبي» الذي أقرّه البرلمان الإيراني.

تتكون المعاهدة من مقدّمة وثلاثة وعشرين مادة. وتؤكد على العلاقات الودية مع تشجيع التجارة والاستثمارات المشتركة وتنظيم العلاقات القنصلية. ووقّع على المعاهدة مصطفى ساميلي نائب إيراني من وزارة الشؤون الخارجية وسلدن شابين سفيراً فوق العادة ومفوضاً للولايات المتحدة في طهران قبل أسبوع فقط من الذكرى الثانية لانقلاب عام 1953. ودخلت هذه المعاهدة حيّز التنفيذ في حزيران عام 1957.

في تشرين الثاني عام 1979، بعد 22 سنة من دخول المعاهدة حيّز التنفيذ، حدثت أزمة الرهائن في السفارة الأميركية ـ طهران. وفي غضون بضعة أشهر في نيسان 1980 قطعت واشنطن العلاقات السياسية مع طهران، وأجرت ـ في وقت لاحق ـ عملية عسكرية في إيران من أجل تحرير الرهائن، التي فشلت لأسباب فنية ومناخية.

ثم فُرضت الجولة الأولى من العقوبات الأميركية ضدّ إيران، وتم تجميد جميع الأصول الإيرانية في الولايات المتحدة.

بحسب التقرير، كان ذلك بداية عصر التوتر والإجراءات غير الودية، والتي كانت كل واحدة منها انتهاكاً واضحاً للمعاهدة التي نصت في المادة الأولى على أن «يكون هناك سلام وطيد وصداقة مخلصة دائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران».

كان يمكن لهذه الحوادث أن تؤدي إلى إلغاء المعاهدة أو رحيل أي من الطرفين، ولكن على رغم كلّ التوترات والحوادث، وتضارب المصالح على مدى العقود الأربعة الماضية، ليس هناك أي دليل قانوني ضد صلاحية معاهدة عام 1955.

خلال السنوات القليلة الأولى، بعد ثورة 1979، لم تشر إيران إلى المرجعية القانونية للمعاهدة من أجل تجنب أي إيحاء بأنه كان هناك أي اتجاه نحو تجديد العلاقات مع الولايات المتحدة. الجانب الأميركي من جانبه كسر هذا النموذج، عندما ذهب إلى «محكمة العدل الدولية» في إشارة إلى المعاهدة نفسها خلال أزمة الرهائن، مؤكداً أن إيران قد خالفت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من المعاهدة.

وفي أقل من عقد من الزمان في وقت لاحق، هاجمت سفينة حربية أميركية طائرة ركاب إيرانية، ما أسفر عن مقتل 290 شخصاً كانوا على متنها، وقدّمت حينذاك طهران شكوى ضدّ الولايات المتحدة إلى محكمة العدل الدولية.

وقال التقرير إن المرة الثانية التي قدمت فيها طهران شكوى ضد الولايات المتحدة كانت في تشرين الثاني 1992 بسبب الهجمات الأميركية على منصات النفط الإيرانية في الخليج العربي في عام 1987 وعام 1988.

في كلتا الحالتين، استشهدت المحكمة بمعاهدة عام 1955 وأكدت صلاحية المعاهدة في التعامل مع هذه القضايا.

وأخيراً، قال التقرير «في يوم من الأيام، ولا يبدو أن مثل هذا اليوم سيأتي قريباً، فإن إيران والولايات المتحدة ستستأنفان العلاقات السياسية. حتى يأتي ذلك اليوم، فإن وجود آلية متفق عليها للمساعدة في حل النزاعات، عندما تفشل الدبلوماسية أمر ذو فائدة عظيمة. ربما لا نشهد السلام المتين والصداقة المخلصة الدائمة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران التي تصورها الجانبان، عندما وقعا على المعاهدة، ولكن معاهدة عام 1955 للصداقة، لا يزال لها دور لتقوم به.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى