فلسطين قضيتنا وهي البوصلة

د. فيصل المقداد

نائب وزير الخارجية السورية

تدلهمّ الخطوب وتتعاظم المخاطر التي تحيق بالعرب دولاً وشعوباً. ويسيل المداد أنهاراً في تحليل ما يحدث وفي فهم ما يجري. فمن كتابنا من يغوص في التفاصيل اليومية ليذهب إلى استنتاجات غريبة عجيبة لا تصيب الهدف ولا تؤدّي إلى تحديد المصيبة التي تلمّ بنا. وعلى المقلب الآخر، تتابع مراكز الأبحاث ومن نقول إنّهم خبراء في مراكز أبحاث غربية كي يقدّموا لنا وجبات سريعة وجاهزة لإفهامنا ما يجري في بلادنا. وبين هذا وذلك نفقد البوصلة ونبتعد عن العقلانية في معرفة مصيبتنا. ومما يدعو للأسف، بل للغضب في أحيان كثيرة، هو أنّ الكارثة ماثلة أمامنا بكل تفاصيلها وجزئياتها إلى درجة لا يمكن لكل متبصّر إلاَّ رؤيتها وبناء رؤاه على أساس استيعاب معانيها في الشكل والمضمون. وإذا كانتْ «إسرائيل» ومن أنشأها قد حدّدوا بكل وضوح استراتيجيتهم في هذه المنطقة، فالسؤال هو: لماذا نذهب بعيداً ونرتكب أخطاء مميتة في فهم ما يدور حولنا ونحن نرى ما يحيق بنا من أمراض وجائحات؟

لم يخفِ الأعداء نواياهم التي تجسّدتْ في خلق كيان في هذه المنطقة يفصل شرقها عن غربها وشمالها عن جنوبها، ويفتتْ شعبنا بمختلف مكوناته إلى جزئيات مجهرية متحاربة يقتل بعضها البعض الآخر. ألم تقل بريطانيا إنّ إعلان بلفور عام 1917 لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين يهدف إلى إدامة هيمنة وسيطرة الاستعمار على هذه المنطقة! والأهم والأكثر خطورة من كل ذلك هو أنّ نظام الانتداب البريطاني الذي فرضه الحلفاء على فلسطين في عام 1922، كان يهدف بالأساس إلى إقامة وطن قومي يهودي.

ولم تكن بريطانيا هي الوحيدة في توجهها هذا، بل إنّ كل الدول الغربية الفاعلة آنذاك بما في ذلك وزير خارجية فرنسا ستيفن بيشون شاركوها هذه القناعة إذ أنّ بيشون وجّه رسالة إلى قادة الحركة الصهيونية قال فيها: «إنّ حكومة الجمهورية قد نشرتْ بياناً في الصحف لإيضاح موقفها من الأماني الصهيونية الرامية إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين». وفي أيار مايو 1918، أعلن البارون سونيو، وزير خارجية إيطاليا أنّ «حكومته مستعدّة بسرور لتسهيل إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين». وفي 31 آب أغسطس 1918، وجّه الرئيس الأميركي ويلسون الرسالة التالية إلى الحركة الصهيونية: «يسرّني أن أغتنم هذه المناسبة لأعرب عن ارتياحي للتقدّم الذي حققته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة ولدى الشعوب الحليفة منذ الوعد الذي أعلنه السيد بلفور باسم الحكومة البريطانية».

وفي 27 شباط فبراير 1919، استمع مؤتمر السلم المعقود في باريس إلى مطالب الحركة الصهيونية لإقامة وطن قومي لليهود. وبمناسبة مرور عام على وعد بلفور، أي في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني نوفمبر 1919، وجّه اللورد كرزون، وزير خارجية بريطانيا الجديد رسالة أعاد فيها تأييد وعد بلفور. لقد حرصت على استعادة هذه الإشارات التي قرأها التلاميذ العرب واطلعوا عليها في كتب المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية بهدف وحيد هو أنّنا نعرف، فلماذا نغمض أعيننا ونتجاهل؟

أريد العودة إلى ما بدأت به حديثي لأقول: إنّ تحليل ما تمرّ به الأمة ودولها من تطوّرات يزيد من قناعتنا بأنّ القوى الغربية مستمرّة في محاولاتها التي تقوم بها في كلّ يوم بهدف حرف انتباهنا عن عدونا الرئيسي وهو «إسرائيل» وتدمير حضارتنا والإساءة إلى صورتنا ومنجزاتنا بل إلى التشكيك في مدى امتلاكنا لعقولنا. ومما لا شك فيه هو أنّ كلّ الدول والأمم تمرّ في تاريخها وتعاملها مع جغرافيتها السياسية والتحديات الماثلة أمامها بمشاكل قد تزيد كثيراً عن الصعوبات التي نمرّ بها في الوطن العربي لأسباب لا داعي لتكرارها، وبالتأكيد هذا شيء طبيعي في ديالكتيك الحياة. إلاَّ أنّ ما لا يمكن تصديقه هو أن يصل الأمر ببعض أبناء جلدتنا، أو هكذا نعتقد، بالتحالف مع الشيطان لقتل إخوتهم، ولقتل وطنهم العربي وتفتيته أكثر مما هو الآن، وهو يعرف أنّ الخطوة التالية لمن يتحالفون معهم ضدّ أشقائهم هي القضاء عليهم بالذات.

بماذا يختلف عبد العزيز بن عبد الرحمن بن الفيصل بما قاله عام 1915 بأنه لا مانع لديه من إعطاء فلسطين لليهود المساكين عن إعلان بلفور والبيانات الأخرى التي أصدرتها لاحقاً الدول الاستعمارية قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبعد ذلك عندما قدّمتْ وعودها السخية لمن لا يملك إلى من لا يستحق وأعطتْ فلسطين وطناً قومياً لعصابات مجرمة ارتكبتْ أثناء إنشائها «للوطن القومي» جرائم إبادة وتطهير عرقي لا سابق لها في التاريخ البشري. ولم يعد مستغرباً أن نسمع الآن أنّ العدو «الإسرائيلي» هو الذي دفع إلى المواجهة في غزّة وليس المقاومة منذ خطف المستوطنين الثلاثة الذي لم تظهر حقيقته حتّى الآن، ونحن نتابع جريمة الحرب التي ترتكبها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني في غزّة. إنّ «إسرائيل» تخوض حربها الإجرامية لقتل غزّة بدعم من بعض الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك تركيا التي يزوّد أردوغانها «إسرائيل» بالطعام لجنودها وبالمحروقات لطيرانها لقتل أبناء غزّة.

عندما تشن إسرائيل حربها المستمرّة على شعبنا في غزّة وتقتل حوالي ألفين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتجرح حوالى عشرة آلاف من المدنيين الأبرياء، وتدمّر الكنائس والجوامع والمنشآت المدنية وتجتاح قطعان داعش المتوحشة شمال العراق وتستمر في ارتكاب جرائمها بقطع الرؤوس وتدمير المقامات الدينية وتفتيت مكونات الوحدة الوطنية السورية وإذكاء الأمراض الاجتماعية والأخلاقية في دير الزور وحلب والرقّة، فإنّ ذلك ليس صدفة على الإطلاق. وإذا نظرنا إلى أن داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية لم تكن جديدة وليست إطلاقاً مفاجأة للمتابعين، فإنّ المراقب العادي لا بد أن يرى، من دون أيّة مكبرات للصورة على عينيه، الرابط بين ما يجري من قتل وتدمير في سورية والعراق وما يجري في فلسطين. وعندما تمتد يد المجموعات الإرهابية إلى لبنان لتُعيد إلى عاصمته مناظر الدمار وإلى بلدة عرسال ذكريات الحرب الأهلية في لبنان، وترتكب نفس هذه الجماعات الأعمال الإرهابية في سيناء ومدن مصر بشمالها وجنوبها، وعندما ننظر إلى ما يجري من فقدان للأمن والسلام والدولة في ليبيا، فلا بد من كشف الصورة الحقيقية لما يحدث في الوطن العربي من غربه إلى شرقه.

وقبل الدخول في تحليل أبعاد ذلك، لا بد من التأكيد على أنّنا لا نحمّل العامل الخارجي كل أخطائنا، لكنني أؤكّد أنّ من يقف خلف معظم المشاكل هي «إسرائيل». ولمن لا يريد تصديق ذلك أن يتعرّف إلى الضغوط التي يقوم بممارستها المسؤولون الأميركيون في الدول العربية على حكوماتها وعلى من يسمّون أنفسهم بالمعارضة أو الشخصيات الوطنية وغيرها لتطبيع العلاقات بين «إسرائيل» وهذه الدول. ألم نقل في مقالات سابقة إنّ الدبلوماسيين الأميركيين والغربيين الآخرين يقدّمون ما يُسمّى دبلوماسياً «بنقاط الحديث» إلى كل الاجتماعات السياسية العربية لوضع حد لسقف القرارات العربية بحيث تتناسب وتوجهات الدول الغربية وأنّ ذلك هو خطوط حمراء للقرارات التي ستصدر عن الاجتماعات العربية. وقد سمعت أنّ دبلوماسيين «إسرائيليين» يتواصلون مع ممثلي بعض الدول العربية قبل أيّة فعالية أو تحرّك عربي لتزويدهم بالتعليمات. ولم يعد سرّاً أنّنا كنّا نرى بأم أعيننا العلاقات الحميمة بين بعض دبلوماسيي الدول العربية التي طبّعتْ علاقاتها مع «إسرائيل» عندما كانوا يجتمعون في الأمم المتحدة في نيويورك مع بعض «زملائهم» «الإسرائيليين» بعد كل اجتماع للمجموعة العربية حيث يتم تقديم تلخيص لهم حول ما دار في الاجتماع العربي أمام مرأى كل الدبلوماسيين الآخرين من دون أي خجل أو شعور بالعار!

لقد تحدّث الرئيس بشار الأسد بلغة لا تقبل التأويل حول مركزية القضية الفلسطينية في واقعنا العربي وأنّه لا يمكن أن نعالج مشاكلنا التي نمر بها من دون الانتباه إلى ما يمثّله الخطر الصهيوني على أمتنا. ولا أجافي الحقيقة عندما أقول إنّ الكثير حتّى من الخلافات العربية العربية منشؤها «إسرائيل» ومصالح «إسرائيل». وفي مركزية القضية الفلسطينية قال الرئيس الأسد:

«كل الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية – كانتْ عبارة عن سلسلة مترابطة من أجل تذويب القضية الفلسطينية، وكل الأموال التي دفعتها تلك الدول – الخليجية وغيرها منذ نشأتها كانتْ من أجل هذا الهدف فقط. وها هم اليوم في غزّة يقومون بنفس الدور الذي قاموا به في سورية… إنّ ما يجري في سورية والمنطقة برمتها مرتبط بشكل مباشر بفلسطين وما يحصل في الأراضي الفلسطينية والنأي بالنفس هنا هو كمن يشاهد النار تلتهم بيت جاره ولا يساعد في إطفائها ظنّاً منه أنّها لن تأتي إليه وهي تتقدّم رويداً رويداً. ويتابع الرئيس الأسد بلغة لا تقبل التأويل إذ يقول: إنّ من يعتقد أنّه يمكن لنا العيش بأمان ونحن ننأى بأنفسنا عن القضية الفلسطينية فهو واهم، فهي ستبقى القضية المركزية… خصوصاً أنّنا كلّنا نعرف أنّ سياسات العالم والمنطقة بما يخص هذه المنطقة وخصوصاً الدول العربية ترتبط بشكل أساسي بما يحصل في فلسطين».

إنّ الإرهاب الذي يجتاح المنطقة الآن هو الإرهاب الذي تُمارسه «إسرائيل» مباشرةّ من قِبَل جيشها أو جواسيسها أو عملائها. إنّ إرهاب «إسرائيل» هو إرهاب الدولة حيث تعتمد «إسرائيل» هذا الشكل الدنيء واللاأخلاقي للحفاظ على كيانها مهما كان الثمن. ويدعم «إسرائيل» بذلك حلفاؤها المخلصون والذين لا يترددون عن تنفيذ تعليمات القيادة الصهيونية وتنظيماتها السرّية العالمية المعروفة. وقد رأينا مؤخّراً في بعض قيادات الحكومات الغربية في بلدان مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وآخرين قادة ووزراء يدافعون عن «إسرائيل» أكثر مما يدافعون عن بلدانهم. أمّا إرهاب داعش والنصرة ومئات الكتائب والألوية المرتبطة بهذه التنظيمات الإرهابية الإجرامية، فإنّه يرتبط بهذه الدوائر الغربية والعربية الخليجية.

إنّ الحضن الدافئ الذي ترعرعت فيه القاعدة هو الحضن الأميركي والخادم المُطيع والمنفّذ المخلص للسياسات الأميركية هي العائلة السعودية حيث تمّ استخدام القاعدة منذ ولادتها على يد حكّام السعودية ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان. وهذا التحالف السعودي الأميركي مستمر في تقديم الخدمات لـ «إسرائيل». فكل ما تقوم به الولايات المتحدة وسياساتها وإداراتها المختلفة في منطقتنا ما كان له أن يتم إلاَّ لخدمة مصالح «إسرائيل» الاستراتيجية وقصيرة ومتوسطة المدى في الشرق الأوسط وفي العالم.

ليس غريباً أبداً أن نسمع الآن أنّ بعض الدول العربية تحالفتْ مع إسرائيل في عدوانها على غزّة، والسؤال المطروح هنا: ما هو الغريب في ذلك؟ إذا نظرنا إلى التحركات السياسية التي قامتْ بها بعد الدول العربية، خصوصاً الخليجية منها، فإنّنا سنجد أنّها لم تقم إلاَّ بما يخدم الأهداف «الإسرائيلية»، فهي مارستْ مرّة أخرى الدور الذي مارسته في عام 2008 عندما دمّرتْ «إسرائيل» لبنان وأطلق حينها سعود الفيصل عبارته المخزية التي يزعم فيها أنّ المقاومة اللبنانية ورّطتْ لبنان والعرب في حرب «عبثية»!

لقد وصل الحد في التمادي على مشاعر العرب والمسلمين من قِبَل مسؤولي الدول التي تتحالف من دون خجل مع «إسرائيل» إلى عقد اجتماعات يُمارس فيها هؤلاء كل انحطاطهم مما دفعنا إلى أن نقول في اجتماعين متتاليين للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في عام 2008-2009: «نفهم أنّ البعض لم يعد يكترث بالقضية الفلسطينية ومعاناة شعب فلسطين. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للعرب والمسلمين، فلماذا لا نتعاطف الآن مع الشعب الفلسطيني كبشر وليس كأصحاب قضية عادلة وأشقّاء ومناضلين. فلنقف إلى جانب هذا الشعب بالبعد الإنساني كما وقفنا إلى جانب شعب جنوب أفريقيا في نضاله ضد نظام الفصل العنصري ومع نضالات شعوب أخرى في آسيا وأميركا اللاتينية من أجل الاستقلال والتحرر».

لقد قيدتْ اتفاقيات كامب ديفيد ووداي عربة شعبنا العربي في مصر والأردن، وها نحن نرى أنّ تأثيرها الحقيقي يتبلور من خلال البطش بالشعب الفلسطيني من دون خوف من تفاعلات ذلك ومن دون أدنى احترام لمشاعر الشعب العربي. إنّ من يُمارس القتل باسم الإخوان المسلمين وأدواتهم في مصر يخدم «إسرائيل» في إضعاف هذا البلد الذي كان له دوراً أساسياً في الدفاع عن نضال الشعب الفلسطيني. كما أنّ التحالف المعلن بين المجموعات الإرهابية المسلّحة في سورية مع «إسرائيل» أصبح واضحاً وضوح الشمس. وها هم قادة هذه المجموعات يعلنون على الملأ أنّهم متحالفون مع إسرائيل ضد سورية حيث يزودهم الكيان الصهيوني بالسلاح والمأوى والعلاج والطعام والتغطية الميدانية واللوجستية ورد هؤلاء «الثوار» المزعومين بأفضل منه عندما هاجموا قوّات الدفاع الجوّي السورية التي لم تكن موجّهة إلاَّ ضد الطيران الإسرائيلي. وكل ما تُمارسه «إسرائيل» من تحالف مع هذه المجموعات المسلّحة إنما يتم بتنسيق تام مع الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات الغربية وبتعليمات ملزمة منها. وعندما أراد محمد مرسي أن يثبت صداقته للصهاينة وعملاته لأميركا خاطب مرسي رئيس الكيان «الإسرائيلي» «بصديقي العزيز والعظيم» أمّا المجموعات الأخرى فقد أعلنتْ أنّها لا علاقة لها بالنضال من أجل قضية الشعب الفلسطينية لأنّه لا توجد أصلاً بالنسبة لهم ولفلسفتهم الدينية المشوّهة والساقطة والدموية أيّة عداوات مع «إسرائيل». وكم ضحكت عندما رأيت بلداً عربياً في مجلس الأمن ينسّق مع أستراليا واللكسمبورغ مشروع قرار لاستخدام الفصل السابع ضد سورية، ألا يضحككم كل ذلك؟ الحمد لله أنّ بلدين غير عربيين هما اللذان لم يقبلا ذلك وشطباه من مشروع القرار!

ألا يعني كل ذلك أنّ من يُحارب سورية إنما يحاربها لمواقفها التي لا تحيد عنها في دعمها للقضية الفلسطينية؟ ألا يعني ذلك أنّ فهم سورية للقضية الفلسطينية التي تشكّل البوصلة لمواقفها السياسية ولتحليلها لمصالحها الوطنية والقومية هو السبب الأساسي الكامن وراء هذه الحرب التي تخوضها داعش والنصرة والجبهة الإسلامية والجيش الحر وغير ذلك من كتائب وألوية القاعدة على سورية بسبب دعمها للقضية الفلسطينية واعتبارها القضية المركزية للعرب! هل هنالك من هدف للعدوان «الإسرائيلي» على غزّة غير قتل العرب وإذلالهم؟

فلسطين توحّد بلاد العرب جغرافياً ويجب أن توحّدها سياسياً، وعلى تراب فلسطين سيتقرر مصير الأمّة العربية فالجولان وجنوب لبنان تمّ احتلالهما من قِبَل «إسرائيل» للمساومة على فلسطين. إلاَّ أنّ سورية والمقاومة الوطنية يرفضان ذلك مهما كانتْ المغريات. وقد كتب المثقّف العربي الفلسطيني الكبير رشاد أبو شاور: «على أرض فلسطين تقرر مصير العرب في كل معاركهم التاريخية الكبرى في مواجهة العرب والتتار وهكذا تتواصل المعركة في زمن الاستعمار والصهيونية والإمبريالية الأميركية… ولا ننسى الرجعية العربية الخائنة المتحكّمة ببلادنا، التي لا يفترض بنا أن نغفل عن دورها لحظة، وفي مقدّمها أسرة آل سعود الفاسدة، فالنظر يجب أن يبقى مركّزاً عليها، فهي العدو الداخلي الخطر، وهي تخترق وطننا خدّمةً لأعدائنا… وهي تابع ذليل لأعداء الأمّة أميركا والكيان الصهيوني». وبعد ذلك يتحدّث رشاد أبو شاور بكلمات دقيقة في تعبيرها وعروبية في مضمونها عندما يقول: «إنّ ما يفاقم تعب الجماهير العربية هو الهجمة الإرهابية التي دهمتْ سورية وليبيا وتونس ومصر والعراق واليمن الذي لم يسلم يوماً من تآمر آل سعود». وصحيح ما قاله هذا المفكّر العربي عندما قال إنّ فلسطين هي الكاشف للحكام المرتبطين بالغرب ولعمالتهم وخياناتهم، وهي التي توضّح للجماهير من عدوها ومن صديقها، شعبنا لا ينسى، وهذه واحدة من أبرز وأعمق صفاته.

عندما نهضتْ سورية خلال السنوات الأخيرة وحققتْ قفزة تنموية كبرى على رغم قلّة مواردها الطبيعية، واقتربتْ من أن تكون نموذجاً يُحتذى به في المنطقة وخارجها خصوصاً عندما ازدهرتْ مدنها وأسواقها وأصبح زوارها من الغرب إلى الشرق يأتون إليها أفواجاً لمشاهدة عظمة شعبها وحضارته الضاربة في عمق التاريخ، وعندما مارستْ سورية دوراً قيادياً في تقديم أفكار مبتكرة حول دمج البحور الخمسة في تعاون مثمر لمصلحة شعوب دول هذه الجغرافيا السياسية الشاسعة، وجدّد الرئيس الأسد علاقات سورية العربية مع حلفائها الطبيعيين في قارّات العالم. وتصدّتْ سورية من خلال الدور الفاعل والمبدع لقائدها الرئيس بشار الأسد، الذي قال في كل مكان ذهب إليه وفي كل لقاء مع قادة البلدان التي زارها وزاروه إنّ التحدّي الرئيسي في المنطقة هو إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلّة واستعادة الحقوق الثابتة والمشروعة وغير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني وضرورة التوصّل إلى الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية لأنّها تمثّل جوهر الصراع في المنطقة، ورفض كل السياسات التصفوية المشبوهة والضغوط السياسية الأميركية والغربية المعروفة، عادتْ هذه الأطراف من أعداء سورية وشدّتْ صفوف تابعيها في المنطقة وداخل سورية لكي يقوموا بالانقضاض على هذا الوجه السوري الحضاري المشرق، فكان الدعم المطلق للمجموعات الإرهابية التي لم يبخلوا في إطلاق أجمل الأسماء الدينية عليها، إلاَّ أنّها بقيت قبيحة مثل قبح أصحابها. وزاد من حقد هؤلاء الدفين العلاقات التحالفية لسورية مع منظمات المقاومة العربية ودول المقاومة الصديقة أكان ذلك مع قوى المقاومة في لبنان أو مع الثورة الإسلامية الإيرانية التي طردتْ سفارة «إسرائيل» من طهران، في الوقت الذي كانتْ بعض الدول العربية تقوم بالتحضير لفتح سفارات «إسرائيل» في عواصمها للرد على طهران أو إقامة علاقات سرّية يمتدحها قادة «إسرائيل» وحاخاماتها بشكل علني في أيامنا هذه وهم يقتلون شعبنا الفلسطيني من دون رحمة أو إحساس بالإنسانية.

ألا يحق لكل عربي الآن أن يتوجّه إلى خونة القضية وحلفاء «إسرائيل» ليقول لهم:

ستلاحقكم فلسطين ودماء شعبها وأطفالها وستلعنكم في يقظتكم وفي أحلامكم، فلا تحاولوا الهرب إلى الأمام وسيلعنكم شعبكم، ولن يحترمكم حتّى من تقدّمون جلّى الخدمات لهم لأنّهم يحتقرونكم وهم الآن وغداً وبعد غد سوف لن ينظروا إلى وجوهكم القبيحة بل إلى جيوبكم وإلى آبار نفطكم!

كفاكم أيها الحكّام والمتمولون ما سفكتم من دماء الفلسطينيين والسوريين والمصريين والليبيين، فإنّ التاريخ سيلعنكم وسيفضح أمام أطفال أطفالكم أنّكم كنتم أغبياء وحمقى ومجرّد أدوات رخيصة تقومون بتنفيذ مخططات لا تُشرّفكم الآن أو حتّى نهاية العالم!

افهموا، فلسطين هي البوصلة، وأنتم لستم بحاجة إلى خبراء ومحللين لكي تدركوا أنّ كره شعوبكم لكم هو خيانتكم لفلسطين وقتلكم للسوريين وتدميركم لليبيا!

توقفوا عن التمادي في تبذير أموال وثروات شعوبكم وأمتكم ودعمكم لأعداء فلسطين، ولتعرفوا أنّ فلسطين ستقتحم غرف نومكم في الدنيا وفي قبوركم، وسيحاسبكم الشعب السوري الذي لم يتآمر في تاريخه على عربي كما تتآمرون عليه الآن، وتدعمون قتلة ومن يسفك دماء أبنائه، فأرض الشام أرض مقدّسة سار على دروبها كل الرسل والأنبياء فباركوها وبينما أنتم تدمرونها فما هو دينكم! اعلموا أنّ من يزرع العاصفة في طريق أخيه لن يحصد إلاَّ الشوك.

هذه هي لحظة الحقيقة، سورية تحقق إنجازات على طريق مكافحة الإرهاب وأدواته وستعود قوية بهمّة جيشها ودماء شهدائها وحكمة قيادتها وتضحيات شعبها والتفاف الشرفاء من العرب حولها ودعم أصدقائها لها. أمّا فلسطين فستبقى هي القضية المركزية لأمتنا وهي بوصلة كرامتنا، فمهما دمّرتْ إسرائيل وقتلتْ من الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، فإنّها ستبقى سكيناً تقض مضاجع الصهاينة والمتصهينين عرباً أو غربيين، وإن ابتعد عنها من خان قضيتها العادلة، فإنّها ستأتي بسيفها وعلى حصانها الأبيض لتلزمه بالوقوف معها والانتصار لها. وسيلعن التاريخ كل من سيقول لفلسطين «اذهب وقاتل وحدك إنّنا ها هنا قاعدون». هل فهمتم؟ اللهم فاشهد!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى