مواجهة «داعش» في الميدان السوري والتنسيق الضمني بين الروس والأميركيّين؟

شارل أبي نادر

للوهلة الأولى، وبعد ان تطلع على المعارك والمناورات العسكرية التي يشهدها الميدان السوري حالياً، يخال إليك انّ هناك غرفة عمليات واحدة تؤمّن منظومة القيادة والسيطرة لمعركتين كبيرتين منفصلتين تستهدفان داعش، الأولى للسيطرة على مواقعه في مدينة منبج ومحيطها شمال شرق حلب، والثانية للسيطرة على مواقعه أيضاً في مطار ومدينة الطبقة وامتداداً للتقدّم الى الرقة، ويمكن ان تلاحظ أيضاً تناغماً في تقدّم وضغط الوحدات وتوزيعاً منسّقاً للمساندة والتغطية الجوية في كلّ من المعركتين.

ميدانياً، تؤمّن قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية مساندة واسعة لوحدات حماية الشعب الكردي ولقوات سورية الديمقراطية مدعومة من وحدات فرنسية وانكليزية في معركة السيطرة على مدينة منبج ومحيطها، ومن ناحية أخرى، تؤمّن القوات الجوية الروسية مساندة وتغطية فعّالة لوحدات الجيش العربي السوري ولحلفائه في معركة التقدّم للسيطرة على مطار ومدينة الطبقة، وعملياً، كلّ معركة من الاثنتين مستقلة بالكامل عن الأخرى وتجري عبر محور منفصل ومتباعد عن الآخر، وتدار كلّ واحدة من قبل غرفة عمليات خاصة بها، ولكن ما الذي يدفع بالمراقب او بالمتابع لكي يتراءى له انّ المعركتين تداران من قبل غرفة عمليات ومنظومة قيادة وسيطرة واحدة؟

في الأساس، يهدف الجيش العربي السوري مدعوماً بحلفائه في الجوّ وعلى الأرض الى استعادة السيطرة على كامل المراكز والمواقع الخارجة عن سلطته بمعزل عن هوية المجموعة التي تتواجد في تلك المواقع، حيث جميعها تحمل سلاحاً إرهابياً في وجه الدولة والنظام والجيش الشرعي وتنشر الفوضى والقتل والدمار أنى وجدت، ومن هنا يمكن اعتبار أنّ أهداف معركة الشمال الشرقي لحلب حيث تتقدّم الوحدات الكردية بدعم أميركي، وأهداف معركته في محافظة الرقة ما بين الطبقة أو مركز المحافظة هي من مسؤوليته ومن صلاحيته ومن ضمن سلطته وسيادته.

في الحقيقة، بعد التقدّم الناجح الذي أحرزه الجيش العربي السوري من اثريا باتجاه الشرق وسيطرته على مفرق الرصافة – الطبقة وحصوله على نقطة ارتكاز وانطلاق تؤمّن له الإمكانية للتقدّم شرقاً باتجاه مطار الطبقة وجنوب شرق باتجاه الرقة وشمالاً باتجاه مسكنة ودير حافر وصولاً الى الباب على تخوم منبج، اختار التركيز شرقاً ومتابعة التقدّم ومهاجمة مراكز داعش على تخوم المطار، في الوقت الذي كانت كلّ من المناورتين بالتقدّم جنوب شرق او شمالاً تتمتع بنسبة مرتفعة للنجاح حيث تعاني وحدات داعش ضغوطاً هائلة لتأمين المدافعة عن منبج او عن الطبقة.

ايضاً، وبعد ان تقدّمت الوحدات الكردية وحلفاؤها على اختلاف تسمياتها وعناوينها جنوباً اعتباراً من تل أبيض ومن عين العرب وعلى ضفاف الفرات باتجاه سدّ تشرين مدعومة بتغطية جوية أميركية واسعة، كانت تمتلك الإمكانية الميدانية والعسكرية لمتابعة التقدّم جنوباً والوصول والضغط على الطبقة او الالتفاف على ريف الرقة الشمالي بين المدينة وبين عين عيسى، اختارت عبور الفرات غرباً من خلال محور قرة قوزات ومن خلال سدّ تشرين والإطباق على منبج غرب النهر المذكور.

هذا في الميدان على الأرض، أما في الجو، فقد توزعت الأهداف الجوية بطريقة واضحة بين القاذفات الأميركية التي عالجت مواقع وتحركات داعش شرق الفرات والواقعة جنوب خط عين عيسى – منبج حتى شمال خط الرقة – الطبقة مع إضافة بعض الأهداف غرب الفرات والتي تخدم معركة السيطرة على منبج ومحيطها، وتكفلت الطائرات الروسية والسورية بمعالجة الأهداف غرب الفرات دون تلك المذكورة في محيط منبج بالإضافة إلى كامل الأهداف جنوب الرقة وحتى عمق البادية بين تدمر ودير الزور وامتداداً الى الحدود السورية العراقية جنوباً.

وهكذا، ما بين التوزيع الميداني للمحاور ما بين الأكراد والجيش العربي السوري بشكل يمنع التداخل او التصادم او التلاقي أقله قبل تحقيق الأهداف الأساسية المعلنة لكلّ من الطرفين، وما بين التوزيع المنسق في الأهداف الجوية بين طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من جهة والطائرات الروسية والسورية من حهة أخرى، يمكن استنتاج تنسيق ضمني واضح قد يكون معادلاً اذا لم يكن أقوى وأنجح وأشدّ تماسكاً وفعالية فيما لو كان صادراً عن غرفة عمليات واحدة تدير كافة تلك المعارك والمناورات على الميدان السوري الواسع والصاخب شمالاً وشرقاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى