هويات أمين معلوف القاتلة

إيمان شمس الدين

كان لكتاب «الهويات القاتلة» لأمين معلوف صدى كبيراً في المجال الثقافي، على رغم وجود قراءة نقدية لبعض أفكاره الملتبسة، إلا أن محور فكرة معلوف في الهويات القاتلة، كان يدور حول العنصرية ودوغمائية فكرة الهوية.

وعلى رغم أنه رفض ثبات الهوية وانغلاقها ورفض كل أنواع الهويات العنصرية، والعنصريات المغلقة هويانياً، إلا أنه خالف تلك الأفكار عملانياً من خلال قبوله الظهور على قناة «i24» الصهيونية، في حديث ثقافيّ كخطوة تطبيعية لا تبرير لها سوى التطبيع المغلّف بحجة الثقافة.

عنصرية الصهاينة هي من أشدّ أنواع العنصريات الهويانية على الإطلاق في عصرنا الحالي. وموقف أيّ مثقف، خصوصاً عربي ينتمي إلى بلد عانى احتلالاً صهيونياً وقدّم شهداء في سبيل التحرير، بالتالي يكون مجبراً على رفض التطبيع، لا بل مجبراً على ترويج ثقافة الرفض ومقاومة التطبيع.

إن سقطة أمين معلوف بألف سقطة لمكانته الفكرية والأدبية، ولا نعلم هل خضع معلوف لضغط اللوبي اليهودي الذي بات مسيطراً في السنوات الأخيرة على سياسة فرنسا كما ثقافتها خوفاً من اتهامه بالتمييز العنصري إذا رفض إجراء اللقاء؟

إن المقاطعة ثقافة مقاوِمة يفترض توقّعها من شخصيات رمزية متقدّمة ثقافياً وأدبياً كشخصية أمين معلوف، على رغم أنني لست من المنبهرين بكلمة مثقّف ومفكّر التي سقطت كل معالمها عند أعتاب «الربيع العربي»، وما زالت تسقط عند كل موقف مبدئيّ نتوقعه من شخصيات كهذه، وإذا بها غالباً ترجّح وجودها وكينونتها الذاتية على الوجود الإنساني الاجتماعي وقضايا الأمة العادلة، خصوصاً قضية فلسطين التي باتت انتهاكات الصهاينة بحقها وحق أهلها في طيّ نسيان غالبية المثقفين، كونها قضية لا تحقّق لهم مكاسب ولا شعبية، خصوصاً بعد انغماس المجتمعات العربية في قضاياها الداخلية وفي الاقتتال المذهبي، وشيطنة المقاومة وقضية فلسطين من خلال ربط أعمال بعض الفلسطينيين المنتمين إلى «داعش» بالقضية الفلسطينية، وكأن فلسطين التي هي مهد أنبياء كثيرين… متعلقة بأفراد!

لقد كشف «الربيع العربي» الستارة عن أزمة المثقفين في العالم العربي، وأماط اللثام عن أزمة القيم التي تعاني منها غالبية المثقفين، وعن علاقاتهم المبطنة مع السلطة، بل عن سعيهم الحثيث لجعل الثقافة جسراً لعبورهم نحو مصالحهم على حساب آلام الناس وهمومهم.

أمين معلوف اليوم يلتحق بركب هذه الطبقة المأزومة قيمياً، والتائهة مبدئياً، والملتبسة ثقافياً، حيث رفض التطبيع لم يعد بديهياً، بل التطبيع له مبرّراته عند هؤلاء من دون أدنى خجل من دماء الشهداء وعذابات الأسرى الذين تمارس الصهيونية في حقهم أبشع أنواع الانتهاكات يومياً. فأيّ تثاقف لمعلوف مع الصهاينة الذين لا يدركون سوى لغة الدم والاحتلال؟

وهو الذي اعترف في هوياته القاتلة بأن هناك حقوق ملازمة لكرامة الكائن البشري يجب ألا ينكرها على بني جنسه بسبب دينهم أو لون بشرتهم أو جنسيتهم أو جنسهم أو أيّ سبب آخر. ثم يقرّ بأن قليلين من البشر الذين يعارضون هذه المسلّمة من ناحية المبدأ، ولكن الكثيرين يتصرفون عملياً كما لو أنهم لا يؤمنون بها قط. وأجلى مصداق لذلك هو الكيان الصهيوني الذي لا يعترف بأيّ حق إنساني إلا بالدعايات وكشعارات. أما في الواقع، فهو يمارس كل الموبقات بحق الفلسطينيين يومياً.

فهل يمكن لمعلوف أن يفصل ثقافته عن مبادئه وكتاباته بحجة التثاقف مع الصهاينة؟

قد ندرك التباسات السياسة والسياسيين في الأنظمة العميلة التابعة كقطيع لرعاتها حينما تعترف بوجود هذا الكيان الغاصب، وهذا إدراك واقعي لا إمضائياً، لكن ما لا يمكن إمضاءه، مساوقة حركة مفكّر كأمين معلوف لتلك الأنظمة في عملية التطبيع.

فالمثقف كلما أبحر في الفكرة كلما اتضحت معالمها كمشروع متكامل في ذهنه وانكشفت له الوقائع والحقائق بعيداً عن ملابسات السياسة.

لقد التبست هويات معلوف عليه لتقتله هو عند قبوله اللقاء مع الصهاينة كخطوة تطبيعية، يمكنها أن تمهّد لمعلوف فوزه بجائزة نوبل حيث تم ترشيحه لها. لكنه بهذه الخطوة التطبيعية طبع في ذاكرة الشعوب وصمة عار أبدية على اسمه ستلاحقه عربياً وإسلامياً.

كاتبة وباحثة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى