« يَداكَ أَوْكَتَا وفوكَ نَفَخ»
رامز مصطفى
مثلٌ ينطبق على ما فعلناه وصنعناه بأيدينا نحن الفلسطينيون والعرب بحالنا، حتى وصلنا إلى ما نعايشه من بؤس وتردّ وخفة وزن، إلى حدّ تجوز فيه علينا الشفقة. وما الصراخ والتنديد الذي يعلو في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى حدّ افتعال الذهول والصدمة التي تبديها المجموعة العربية بما فيها ممثل فلسطين رياض منصور في الأمم المتحدة، إلاّ شاهد على ذلك، على خلفية تسلّم سفير الكيان «الإسرائيلي» داني دانون رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة مكافحة الإرهاب بعد حصولها على 109 أصوات، وهي المرة الأولى منذ انضمام «إسرائيل» إلى المنظمة الأممية في العام 1949.
هي لجنة من بين اللجان الست الدائمة في الأمم المتحدة… قضايا نزع السلاح والقضايا الاقتصادية والمالية – وحقوق الإنسان – وإنهاء الاستعمار – وميزانية الأمم المتحدة – والشؤون القانونية». وقد عبرّ داني دانون عن هذا الفوز بالقول: «إنّ إسرائيل تقف في طليعة العالم للتشريع الدولي ومكافحة الإرهاب». ومن المؤكد يمثل بالنسبة لـ»إسرائيل» مكسباً بل وانتصاراً سياسياً ودبلوماسياً تاريخياً، ما كانت لتحققه لولا التهافت الفلسطيني والعربي الرسمي على خطب ودّها سواء في التوقيع على اتفاقات تسوية، أو تشريع الأبواب أمام التطبيع معها.
وإذا كانت هناك من ملامة أو تحميل للمسؤوليات في نجاح الكيان «الإسرائيلي» أن يتبوّأ هذه المسؤولية، فهي أولاً على الرسميتين الفلسطينية والعربية، قبل أن تكون المسؤولية على دول الغرب الأوروبي التي رشحت ودعمت «إسرائيل» للفوز بهذا الموقع الهام.
ومن ثم كيف نلقي باللائمة على تلك الدول التي صوّتت لصالح «إسرائيل»، وهناك أربع دول عربية ومعها تركيا قد أعطت صوتها لسفير الكيان داني دانون.
صحيح أنّ دول غرب أوروبا ارتكبت انتهاكاً خطيراً في دعمها ترشيح الكيان الصهيوني، لترؤس لجنة مكافحة الإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلفية أنّ هذا الكيان الغاصب للأرض الفلسطينية بقوة الحديد والنار، هو ذاته المرتكب لأفظع المجازر الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني والتي بلغت 34 مجزرة ومذبحة موصوفة. وصحيح أيضاً أنّ هذا الترشيح مخالف للقوانين الدولية، وبشكل خاص الاتفاقية المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب اتفاقية جنيف الرابعة ، والبروتوكولات الملحقة بها. وهذه ليست المرة الأولى التي تُرتكب فيها انتهاكات كهذه، فقبل عامين انتُخب الكيان لمنصب نائب رئيس اللجنة الخاصة بمكافحة الاستعمار.
وصحيح أنّ الأمم المتحدة تناست أو نسيت أنّ العدوان «الإسرائيلي» الأخير على قطاع غزة في تموز 2014 قد قصفت طائراته مدارس تابعة لوكالة «أونروا» وهي ترفع أعلام الأمم المتحدة، وقبلها كيف تعرّض أحد مواقع قوات «يونيفيل» العاملة في الجنوب اللبناني للقصف من قبل «الجيش الإسرائيلي». وبالتالي عشرات المجازر والمحارق التي يرتكبها الكيان وهي موثقة، وفي عهدة الكثير من المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية.
ولكن الأصحّ هي تلك المقدمات التي أوصلتنا إلى تلك النتائج الخطيرة على قضيتنا وعلى أمننا القومي، إذا بقي هناك من أمن قومي يُعتدّ به، أو نخاف عليه بعد الذي يحصل في المنطقة من حروب مدمّرة، من صنع من يدّعون كذباً وبهتاتاً الحرص على الأمن القومي العربي. وتلك المقدمات قد بدأت عندما أسقط مجلس الأمن قراره والذي حمل الرقم 3379 والصادر في العام 1975، والذي اعتبر يومها أنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. يومها جعلت «إسرائيل» من إلغاء القرار شرطها للمشاركة في مؤتمر مدريد في العام 1991، وكان لها ما اشترطت، وألغي القرار بموجب قرار جديد حمل الرقم 46 / 86 عام 1991. وبعد التوقيع على اتفاقات «أوسلو» عام 1993 بين الكيان ومنظمة التحرير، شُرّعت الأبواب أمام التطبيع بين الكيان وعدد من الدول العربية، بكلّ عناوين التطبيع، ليشهد في هذه المرحلة التي يشهد فيها العديد من دول المنطقة حروباً مدمّرة، تطورات ومستويات غير مسبوقة من تعزيز العلاقات بين تلك الدول و»إسرائيل»، والمؤسف أنّ تلك العلاقات واللقاءات لم تعد تُحرج أصحابها بل هم يجاهرون بها. وهذا ما كان ليحصل أو تتجرأ عليه تلك الدول، لولا أنّ منظمة التحرير ومن بعدها السلطة ما ذهبت من توقيع على ذاك الاتفاق المشؤوم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى استمرار الرهان على مفاوضات بائسة وعبثية على حساب حقوقنا الوطنية الثابتة والمشروعة.