محمد بن سلمان متنازلاً في واشنطن
روزانا رمّال
يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان لإجراء مباحثات حول ملفات الشرق الأوسط بما في ذلك الحملة ضدّ تنظيم «داعش» على ما أعلن البيت الابيض، وهذه الزيارة تأتي بعد فتور في العلاقات الاميركية السعودية بشكل ملحوظ، قوبل بخطوات أميركية داخلية أثارت جدالاً واسعاً بين الأروقة الديبلوماسية والدولية، وهنا فإنّ جزءاً أكبر من الخلاف بين الأميركيين والسعوديين يقع عند الربط المنسوج أصلا بين أزمتي سورية واليمن وحسابات الربح والخسارة الإقليمية في وجه إيران التي بدت أقرب الى تنفيذ الاتفاق النووي والتعاون مع الغرب منه الى التمسك باستفزاز الجوار، وهي في هذا الإطار قدّمت أكثر من نموذج أمام الغرب لامتصاص الواقع الجديد بالنسبة للدول الخليجية المتمثل بحلّ الملف النووي سلمياً عكس ما كان يعتقد بالانزلاق او تدهور الملف وصولاً لحرب «تأديبية» لطهران ومحورها كتحصيل حاصل.
البحرين مثلاً أحد أبرز أوجه التعاون الإيراني الذي قدّمته القوى القادرة على التأثير في ثورة ولدت بكلّ مقاييسها ومقدّراتها لكنها لم تطور لحمل السلاح والاستفزاز والحرب الأهلية من أجل الحصول على حقوق الأكثرية التي تشعر بالغبن هناك وليس سراً دعم طهران المعنوي الكبير بالحدّ الأدنى لهذا الحراك، وهي التي لم تطوّر التفاعل فيه ليصل للحظة الصفر والدعم العسكري، الأمر نفسه انتهجته إيران في حادثتي إعدام الشيخ السعودي المعارض نمر باقر النمر وفي حادثة مقتل ديبلوماسيّين ومواطنين إيرانيّين في منى بموسم الحجّ الماضي، ايّ انّ إيران امتنعت أكثر من مرة من الانزلاق في فخ الاشتباك المباشر مع السعودية متمسكة بنوايا تعاون عبّر عنها ديبلوماسيوها في أكثر من جلسة مع نظرائهم في دول إقليمية من دون ان يلقوا تجاوباً سعودياً.
الرئيس الاميركي باراك اوباما كان قد دعا من جهته الرياض للتعاون مع ايران كخط عريض لمشهد المرحلة المقبلة في ما صدر عن مجلة «اتلانتك» له بعنوان «عقيدة اوباما»، والذي عبّر فيها صراحة عن اعتباره انّ هذا هو الطريق الوحيد للحلول في المنطقة، وهنا برزت مسألة «التحجيم» و«القلق» الذي عاشته السعودية بالأشهر الأخيرة، فلوحظ توجه مباشر نحو «إسرائيل» بالمنظمات والمحافل الممكنة وعبر تعاون غير مباشر او تقاطعات مصلحية في ما يتعلق بالأزمة في سورية في محاولة لإظهار تعويض بزاوية اقليمية ممكنة.
يزور بن سلمان، الولايات المتحدة لإعادة العلاقات الفاترة بين البلدين أولاً، ويدخل البيت الابيض وقد أعلنت دولة الإمارات بلسان وزير خارجيتها أنور قرقاش أنّ «الحرب في اليمن انتهت عملياً بالنسبة لجنود الامارات، وانها ترصد الترتيبات السياسية على هذا الصعيد.
الإعلان هذا ليس الا تمهيداً لقرب حط رحال الحرب باليمن ومن دون ان تتحقق الشروط الأساسية التي اخذت الرياض نحوها، لكنه إعلان صريح عن موقف سعودي يقترب بهذا الإطار، فوحدة التدخل الخليجي لا تخترق المصلحة العليا التي تراها الرياض، وهنا فإنّ تحولاً بارزاً يطرأ على الملف اليمني بادئ ذي بدئ وهو بطريقة او بأخرى يفرض على السعودية التعاون مع حلفاء إيران في اليمن بالمفاوضات السياسية المقبلة.
ملف تصويت الكونغرس لصالح مشروع قرار رفعته لجنة أهالي ضحايا 11 أيلول أدانت السعودية شكّل نكسة داخل المملكة او مفاجأة اكدت خطورة انتكاسة التحالف مع الاميركيين تبعها تصريح للمرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون حول ضرورة توقف الدول الخليجية عن دعم القوى الإرهابية في سورية والعراق، كلّ هذا يأتي في أسبوع دموي عاشته كلّ من اميركا وفرنسا قلب الأنظار نحو الأمن الغربي والأوروبي كأولوية.
ملف قتال الإرهاب يرفع اليوم أميركا لمصاف الخطة الطارئة الأخيرة التي سينتهجها أوباما اختتاما لعهده يسلّم على أساسها كلينتون إذا فازت بالرئاسة بالمشهد بعنوانه العريض «إبعاد مخاطر الإرهاب عن البلاد» وفي هذا الاطار يقول مدير الاستخبارات المركزية الأميركية «سي أي آي» جون برينان انّ الوكالة تدرك أنّ لداعش نية شنّ هجمات في الغرب وباسلوب حرب عصابات، وانّ الوكالة تواصل حملتها ضدّ التنظيم والجماعات المتطرفة، كاشفاً عن التمكن من اختراق «داعش» وضرب مصادر تمويله، وهنا تصريح مطاطي لأعلى درجة ربطاً بكلام كلينتون عن التمويل، وهو ما يعني ضرورة امتثال المملكة السعودية والرعاة الخليجيين للمهمة الاميركية المقبلة.
الجزء اللافت من حديث برينان هو اعترافه بانّ «الجهود الاميركية لم تؤثر على قدرات داعش في شنّ هجمات ارهابية حول العالم»، واذا كان هذا يعني مراجعة للسلوك الاميركي ووضع الرأي العام امام هذا الواقع تهرّباً من مسؤولية تقصير الولايات المتحدة او عدم جدّيتها، فإنّ هذا يعني ضرورة تقديم واشنطن إنجازات سريعة بهذا الملف، خصوصاً أنّ روسيا بدأت تحتلّ الريادة في هذا الملف وبرينان هنا لم ينس اعترافاً من نوع آخر وهو أنّ النظام السوري بات في وضع أقوى من العام الماضي نتيجة الدعم الروسي، ما يؤشر الى الاعتراف بدور موسكو الذي عطل المخطط برمّته وحصر المشهد في إطار مكافحة الارهاب هناك.
محمد بن سلمان في واشنطن لتقديم تنازلات «محتومة» ومحكومة بحاجة المملكة لإعادة ترميم العلاقة مع الاميركيين متغطياً بجوائز الترضية من الأمم المتحدة للرياض كمؤشر على نزول تدريجي عن السقوف العالية في سورية واليمن من جهة وتنازلات محكومة بأجندة الرئيس الأميركي بالمنطقة من جهة أخرى محافظاً على «ديمقراطية» كرسي الرئاسة.