الانقلاب من داخل المؤسسات يقضي على الديمقراطية التركية

د. هدى رزق

يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصمّماً على فرض رؤيته السياسية الإدارية، فهو يعتزم بناء تركيا الجديدة وتحقيق رؤية 2023، يعمل مع فريق من مستشاريه بشكل دقيق على التغيير من داخل المؤسسات.

لا يكتفي الرجل بسيطرة حزبه على الأغلبية البرلمانية والإمساك برئاسة الوزراء ووضع اليد على الإعلام من خلال شراء المؤسسات، وعلى صحف وشركات تعتبر موالية للداعية محمد فتح الله غولن، بل هو أدخل الجيش التركي في المعارك الدائرة ضدّ حزب العمال الكردستاني باسم الحفاظ على وحدة الأراضي التركية في وجه من يسعى إلى حكم ذاتي، مع العلم أنه يحتفط بمفاتيح الحرب والسلم مع الأكراد.

ساهم في التشجيع على رفع الحصانة عن المعارضين المتمثلين بحزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، في حين أرسلت وزارة العدل 11 ملفاً إلى مكتب المدعي العام، من أجل فتح الطريق أمام محاكمة زعيمي الحزبين كمال كليتشيدار أوغلو وصلاح الدين ديمرطاش، بعد أسبوع واحد فقط من موافقة أردوغان على التغيير الدستوري. هذه الملفات هي جزء من مجموع 787 ملف ضدّ 148 نائباً من أعضاء البرلمان الذي يتألف من 550 عضواً.

تحرّك حزب العدالة والتنمية ضدّ أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، بتهمة مساعدة الإرهاب. وفي 15 حزيران اقتحمت شرطة اسطنبول منزل النائبة في البرلمان عن نفس الحزب فيجن يوكسكداغ، من أجل البحث عن أحد مسؤولي حزب يساري. أما التحقيقات مع زعماء الحزبين فهي لن تدور حول الإرهاب إنما حول تهمة شتم الرئيس وإهانة الدولة والحكومة والشرطة القضائية. صوّت حزب الشعب الجمهوري برئاسة كليتشيدار أوغلو، على رفع الحصانة عن النواب وقال في حينها أنه لا يخشى أن يوضع في السجن لأجل مواقفه السياسية. لكن تساؤلات عدة تطرح حول ما إذا كان وضع الزعماء في السجن سيساعد الرئيس أو حزب العدالة والتنمية، لأنّ القيام بهذه الخطوة يضع الديمقراطية التركية على المحك.

يبدو أنّ الشعبوية في تركيا اليوم تنتصر على الديمقرطية، لا سيما أنّ مستشار الرئيس الاقتصادي اعتبر في تصريح له انه لا يحق لأحد ممارسة السياسة في تركيا سوى الرئيس أردوغان. تصريحات توحي بأنّ من هم حول الرئيس ملكيون أكثر من الملك، وتصريحاتهم كما تصرفاتهم تشي بقمع المعارضة وحتى حرمانها من التعبير.

في هذه الأثناء أعلن عن تأجيل طرح مشروع الرئاسة إلى الخريف أيّ بعد العطلة الصيفية وإعطاء الأولوية لتغيير قانون البرلمان قبل بداية شهر تموز وهو يهدف إلى الحدّ من الاعتراضات التي تقدّم ضدّ الحكومة واختصار الوقت الذي يعطى للمعارضة خلال مناقشات المقترحات والمسودات التشريعية. يبدو أردوغان متحمّساً للتخلص من العقبات التي تعترض التنفيذ السريع للبرامج الحكومية. بحيث يتمّ تجاهل الشكوى من إهمال دور البرلمان ومهماته، التي تحاسب وتضبط التوازنات. يبدو التغيير تحضيراً للأجواء من أجل إمرار تعديل أو تغيير للدستور من دون تأخير أو مناقشات تفصيلية يمكن أن تقوم بها المعارضة.

وعلى الصعيد القضائي، تبدو تركيا على موعد مع خطة الإصلاح الحكومية الرامية إلى زيادة دور السلطة التنفيذية في التشريع، إذ أنّ خطة إعادة هيكلة المحكمتين العليا للاستئناف ومجلس الدولة تتعرّضان لانتقادات من قبل المعارضة التي ترى أنها غير دستورية، لكن وزير العدل يقول أنّ الأمور متروكة للسلطة التشريعية من أجل تغيير القوانين والدستور من وجهة نظر حزب العدالة والتنمية الذي يسعى لتغيير قانون البرلمان من أجل التشريع لهذه العملية. في هذه الأثناء دعّا حزب الشعب المعارض للنضال ضدّ مشروع قانون إعادة الهيكلة وحذّر من الاستقطاب في البلاد وتشريع ضرب الحريات وما تبقى من المؤسسات الإعلامية.

وفي ظلّ التناقض الحادّ بين ما تبديه الحكومة من حرص على جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى الداخل التركي بما في ذلك الإعفاءات الضريبية، وبين ما يقوم به حزب العدالة والتنمية من إعداد لمشروع آخر يوسع نطاق سلطة الحكومة، بتعيين مجالس أمناء للشركات، فيما يظهر أمر تعيين الأمناء كإجراء احترازي قانوني ينبغي أن يهدف إلى حماية الجمهور، والشركات وحملة الأسهم والمواطنين عن طريق الحيلولة دون إفلاس الشركات والسماح لها بمواصلة أنشطتها التجارية. إلا أنّ حزب العدالة والتنمية استخدم الأمناء كسلاح سياسي لبعض الوقت وهذا ما حصل عندما وضعت الحكومة يدها على مجالس إدارة الشركات بسبب ارتباطها بالداعية محمد فتح الله غولن الذي اتهم أيضاً بالإرهاب.

انتقد أكاديميون وأحزاب معارضة هذه السياسة الآخذة بتصفية الحسابات مع المعارضين وبعض مالكي الشركات. فبموجب القانون الجديد الذي يقترحه العدالة والتنمية سيتمّ نقل حصص الشركات والسلطات الإدارية لأصول وسندات الشركة، التي يتمّ تعيين الوصي عليها إلى الأمناء. وهذه مسألة خطيرة جداً في عالم الأسواق والمال وبالنسبة للمستثمرين الأجانب، اذ يمكن من الناحية النظرية ضبط مجلس إدارة الشركة من قبل الحكومة إن كان هناك سبب، أيّ أتهام أو جرم، ولكن من يمكنه إثبات صحة هذا الجرم في ظلّ ما يجري في الآونة الأخيرة.

لا يبدو أنّ هذا الموضوع سيساعد الاقتصاد التركي ويمكن للسياسي اختراق استقلالية القضاء.

لا يبدو أنّ القانو ن الرئاسي قد أصبح ناجزاً في ذهن رئيس الجمهورية الذي يبحث عن نظام رئاسي من دون قيد أو مراقبة، كي لا يتمّ إبطاء حركة الجهاز التنفيذي، فيما تحدّى رئيس الوزراء بن علي يلدريم معارضة حزب الشعب بشخص رئيسه حول موقفه من اعتماد النظام الرئاسي الأميركي، لكن كليتشيدار أوغلو تساءل إنْ كان يلدريم وأردوغان يفضلان النظام الفيدرالي الأميركي؟ وهل يوافقان على ولايات لها قوانين خاصة في تركيا؟ واعتبر أنها مسألة حرجة في تركيا حيث لا تزال هناك مشكلة كردية مزمنة. واشار إلى أنّ أردوغان هو نفسه انتقد سلطة الكونغرس والمحكة العليا اللتين تقيدان صلاحيات الرئيس في الولايات المتحدة مع أنه منتخب من قبل الشعب.. وهو من المؤكد يفضّل نظاماً لا تقييد فيه لسلطته ولا محاسبة لذلك، هو يسعى إلى تحقيق مشاريعه بتعديل القوانين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى