«إسرائيل»: حرب كاملة على لبنان

روزانا رمّال

تحضر ذكرى حرب تموز بقوة في «إسرائيل» هذه السنة بشكل أكثر تفاعلية من خلال مؤتمرات ولجان مركزية تضيف إلى أرشيف كل سنة ما يمكن استخلاصه من حرب 2006، ويُزاد على ما يمكن ان يكون عليه مشهد توقع المعركة المقبلة مع حزب الله.

مؤتمر هرتسيليا واحد منها، إضافة الى مؤتمرات أقيمت في الجليل الأعلى، وهي المنطقة التي تقف عند منطق قد يغيّرها في لحظة حرب مباغتة، فحزب الله في كواليسه وقاعدته لا يخفي قدرته على اقتحام مواقع «إسرائيلية» داخل الأرض المحتلة وإمكاناته التي تتيح له المكوث في الجليل ومناطق عديدة في شمال فلسطين المحتلة، وهذا الأمر يشكل لوحده هاجساً عند مستوطني المنطقة الشمالية التي تخضع اليوم مجموعات الجيش القتالية فيها إضافة إلى الاحتياط لتدريبات مكثفة على ما أعلنه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي.

تدرك «إسرائيل» انه وبالرغم من استفادتها من الأزمة السورية ومشاركتها بعمليات الضغط على حزب الله بإسناد التكفيريين بما يلزم للمواجهة، أنها ليست قادرة حتى الساعة على ضبط إيقاع الحزب القتالي في ايّ حرب مقبلة، فاغتيال قادة كبار بالنسبة إليه لم يفرز حتى الساعة أجواء ارتباك او فوضى داخل كوادره، ولم ينتج عن اغتيالات دقيقة بحجم القيادي الشهيد مصطفى بدر الدين وغيره، ايّ نوع من التراجع الإداري في الميدان السوري تحديداً، كلّ هذا يضاف الى الحديث عن تحضير حزب الله كوادره لإعادة ترتيب البيت الداخلي سياسياً وتنظيمياً وعسكرياً بشكل سلس ومدروس.

توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الى موسكو في ثلاث زيارات متتالية عرض خلالها مفهوم الشراكة الروسية بالمنطقة بغياب الأميركي أواخر العام 2016 مستحضراً ملف حزب الله بشكل أساسي على طاولة البحث، خصوصاً انه بات في الجولان الذي لا ينفك نتنياهو يكرّر مقولة انه «جزء لا يتجزأ من الكيان»، عاقداً اجتماعاً وزراياً مستفزاً هناك.

زيارات تعني انّ «إسرائيل» العاجزة عن محاصرة حزب الله باتت اليوم بحاجة إلى ضمانات تمثلها روسيا بشكل مباشر، فهي قادرة على لعب هذا الدور بشكل واعد نظراً لتحالفها مع إيران وسورية وحزب الله بالميدان، وهذا يدلّ على دراية «إسرائيلية» بتعقيد المشهد اكثر بدخول موسكو الغير مستعدة للعب دور المتواطئ في لحظات مفصلية خصوصاً تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب مع علمها المسبق بدور حزب الله المركزي ميدانياً فيه.

مواجهة حزب الله تزداد تعقيداً بالنسبة لـ«إسرائيل» خصوصاً انّ المواجهة الداخلية محلياً عبر الضغط عالذي تمارسه واشنطن في مسألة العقوبات المصرفية في محاولة لتقليب شارعه اولاً والراي العام اللبناني عليه ثانياً ليس اكيداً نجاعتها كخيار قادر على التأسيس لثغرة يدخل عبرها الحساب «الإسرائيلي» بفوضى الداخل وما يعنيه من انهيار دراماتيكي للوضع الأمني يضع سلاح حزب الله مجدّداً أمام مفصل التحريض والترهيب عند بعض اللبنانيين، فكلّ شيء اليوم تغيّر بوجود عامل التكفير الذي دخل كعنصر أساسي يبرّر امتلاك السلاح بغياب القدرة عند الدولة اللبنانية هذا اولاً وثانياً باعتباره حليفاً مباشراً ميدانياً لروسيا في سورية التي يستسيغها جزء كبير من اللبنانيين وبينهم المسيحيين.

الحرب المقبلة على لبنان لن تكون كسابقاتها، هذا ما يؤكد عليه ضباط استخبارات بالجيش الإسرائيلي»، وهذا ما بات بديهياً بالنسبة للجنة التي قدّمت تجربته في لبنان والتقرير الذي عالجت فيه لجنة فينو – غراد مكامن الضعف والفشل، بالتالي فإنّ الحرب المقبلة ستحمل عنصراً جديداً لم تحمله الحروب السابقة خصوصاً في 2006 حيث كان قصف الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق واقعة خارج الليطاني أحد أبرز المفاجآت التي شهدتها، ما يعني انّ الحرب المقبلة ستكون بعنصر جديد من هذا النوع يتمثل هذه المرة باستهداف كامل الأرض اللبنانية من دون استثناءات، وهذا له حساباته بالنسبة لإسرائيل التي فقدت عنصر الابتكار في حروبها في وقت انتشر حزب الله وامتدّ من جنوب لبنان إلى سورية فالعراق واليمن، وهو اليوم قادر حسب وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شتاينتس على «إلحاق الضرر بالبنى التحتية والمطارات والموانئ ومصادر الطاقة في إسرائيل».

يقول وزير التعليم الإسرائيلي المتشدّد نفتالي بينيت «إنّ إسرائيل تحضّر لعقيدة قتالية جديدة مفادها أنه في الحرب المقبلة يجب أن يكون لبنان كله هو العنوان بحديث يأتي بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لـ«حرب لبنان الثانية»، موضحاً انّ «لبنان يساوي حزب الله، وحزب الله يساوي لبنان»، لأن اللبنانيين يعتقدون اعتقاداً خاطئاً أنّ إسرائيل تفرّق بين الحزب والحكومة اللبنانية في أيّ مواجهة مقبلة».

تدرك «إسرائيل» انّ إحدى وسائل الضغط المتبقية هي الضغط الداخلي على الحزب والسعي لخلق بيئة نافرة من هذا التنظيم الذي رسم شكل الانتصار في أذهان اللبنانيين حتى نجحت بكسرها عند جزء منهم، وتبدو الدول العربية اليوم، ولحسابات اقليمية مثل الاشتباك مع إيرا، حاضرة للضغط على حزب الله بالقدر الممكن وتنفيذ هذه الأجندة بشكل او بآخر، وقد بدأت السعودية ذلك فعلاً.

معادلة «حزب الله يساوي لبنان ولبنان يساوي حزب الله» بالنسبة للقيادة الأمنية الإسرائيلية هي العنصر الجديد الذي ستخوض فيه تل ابيب حربها الحاسمة لرسم شكل التسويات في المنطقة، فكسر حزب الله باعتقادها سيكون عبر استهداف كلّ الفئات والطوائف والمناطق من مسيحيين وسنة بدلاً من حصرها بالمكوّن الشيعي كفصيل أثبت حضوره وتجذره إلى جانب حزب الله بشكل وازن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى