القواسم المشتركة بين ترامب و«داعش»
كتب ويليام ساليتان في موقع «سلايت»:
يقول دونالد ترامب إنَّ حادثة إطلاق النار في أورلاندو في ولاية فلوريدا، التي ارتكبها في وقت مبكر من صباح الأحد الماضي شاب أميركي أفغاني ادّعى ولاءه لتنظيم «داعش»، تبرّر خطّة ترامب المتشدّدة ضدّ «داعش» والإرهاب. وبعد بضع ساعات، كرّر ترامب دعوته إلى فرض حظر على المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية. وفي بيان نشره مساء يوم الأحد الماضي، قال ترامب إنَّ 99 في المئة من الأفغان هم إسلاميون راديكاليون، وأنّه ينبغي على المهاجرين من الشرق الأوسط البقاء خارج الولايات المتحدة الأميركية، وأنَّ كل من رفض قول عبارة «الإسلام الراديكالي» في الساعات القليلة التي تلت مجزرة أورلاندو ينبغي أن يتم استبعاده من سباق الرئاسة.
ترامب شخص أحمق. المحلّلون الذين يرون هذه الوحشية كعمل من أعمال الإرهاب الإسلامي المتطرّف ـ الذين يفهمون التطرّف والإسلام والإرهاب أفضل مما يفهمه ترامب ـ يشكّون بأنَّ هذا العمل الإرهابي مستوحى من رسالة من «داعش» صدرت قبل ثلاثة أسابيع. هذه الرسالة، التي أصدرها المتحدّث بِاسم التنظيم أبو محمد العدناني في بيان له، تحثّ المتعاطفين مع التنظيم على مهاجمة المدنيين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خلال شهر رمضان، وتوضح أيضاً دعاية التنظيم واستراتيجية التجنيد. برنامج ترامب السياسي بمنع دخول المسلمين، ومنع المهاجرين، والقصف العنيف للأراضي التي يسيطر عليها «داعش» يناسب هذه الاستراتيجية: ترامب هو مجرد أداة لـ«داعش».
يحضّ بيان من «داعش»، الذي صدر يوم 21 أيار، المسلمين على «إرهاب» غير المسلمين في كلّ مكان، وجعل شهر رمضان «شهر المعاناة». ولكن يأتي هذا الطلب من موقف ضعف. جاء في البيان: «لقد تحالف العالم كله وهرع ضدّنا»، وشنّ 20.000 غارة جوية، وقتل عدداً من كبار قادة «داعش». ولذلك، يتعهد التنظيم، بتحدٍ وبترقب، أنّه لن يتوقف بغضّ النظر عن الأراضي التي يخسرها.
وبحسب ما جاء في البيان، فإنَّ أسوأ خطر يخرج من داخل الإسلام: يستخدم «علماء السوء» جميع المنابر الإعلامية لإصدار فتاوى ضدّ المجاهدين. ويوضح البيان أنَّ هؤلاء العلماء يعزّزون التفسيرات المعتدلة للرحمة الإسلامية. وإنهم يشجبون الإرهاب ويدينون مقاتلي «داعش» باعتبارهم «مرتدّين» عن الإسلام. كما يعلمون المسلمين نبذ الجهاد وطرد «داعش» من أراضيهم. ويطول البيان لصفحات وصفحات في توبيخ هؤلاء العلماء ويوضح الضرر الذي يلحقونه بالرأي العام. بوضوح، يرى «داعش» في ذلك تهديداً مركزياً.
ومن أجل سحق التهديد، يؤكد «داعش» مجدّداً: هناك جيشان، معسكران أو خندقان، هما: المسلمون والكفار. ويؤكّد البيان أنّه لا يمكن أن يكون هناك اتحاد، ولا وجود ولو حتى لمحاولة لتحقيق السلام والاندماج مع أولئك الذين يكرهون الدين الإسلامي. يجب على المسلمين اتّباع «داعش»: «نحن أهل القرآن». كما يدّعي البيان أنَّ الجيوش احتشدت ضد «داعش» «لشنّ حرب ضدنا لأننا نأتمر بعبادة الله . هذا هو ديننا. ولهذا وحده، نقاتل العالم وهم يقاتلوننا». لإثبات أن القوات المحتشدة ضدّ «داعش» معادية للإسلام، ولتبرير الإرهاب في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، يعرض البيان ثلاث حجج. أولاً، أنَّ الغرب لا يهتم لآلاف المسلمين السوريين الذين «يذبحهم بشار الأسد». وخلافاً لكلامنا عن حقوق الإنسان، «فقد تجاهلنا براميل الموت والدمار والغاز التي يطلقها الأسد على الشعب السوري». وأنَّ أميركا وحلفاءها لا يشعرون بالألم، إلّا عندما يتقدم مقاتلو «داعش» ويحققون الانتصارات. وأنَّ العالم لا يبكي على «المذابح التي ترتكبها روسيا والأسد كل يوم ضد المسلمين» وأنَّ الناس في أوروبا وفي بلدان الكفر الأخرى لا يرتعدون من التدمير الروسي للمستشفيات.
ثانياً، يتهمنا البيان باللامبالاة تجاه السوريين الذين فرّوا من ديارهم. ويقول «داعش» «إنَّ المشاعر في أوروبا وأميركا، ودول الكفر الأخرى لا تتحرك ولا تهتز لتشريد الملايين، ولا يشعرون بالانزعاج بسبب الجوع والمرض والمعاناة والموت لآلاف ممن لا حول لهم ولا قوة وللأطفال المحاصرين والنساء وكبار السن».
ثالثاً، يقول «داعش» إنّه مسموح بقتل المدنيين في البلدان غير الإسلامية، لأنَّ هذا هو ما يقوم به الغرب في البلدان الإسلامية. ويوجّه البيان المتعاطفين مع «داعش» في الخارج: «بلغنا أنَّ البعض منكم لا يعمل بسبب عدم قدرته على الوصول إلى أهداف عسكرية، أو لاعتقاده أنّه من الخطأ استهداف أولئك الذين يطلق عليهم اسم المدنيين. ولذلك تتجنبون إلحاق الأذى بهم، شاكّين في جواز ذلك. اعلموا أنَّ داخل أراضي الصليبيين، ليس هناك حُرمة للدم، ولا وجود لما يسمّى بالأبرياء… إنَّ طائراتهم الحربية لا تميّز بين مَن هو مسلّح ومَن هو أعزل، ولا بين رجل وامرأة».
في كل من هذه النقاط الثلاث، يدعم خطاب ترامب وأجندته تنظيم «داعش». ويدعو إلى «الإغلاق الكامل» للهجرة إلى الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد، هجرة المسلمين. ويتعهّد «بتفجير» المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، وتخفيف القيود المفروضة على الضربات الجوية التي قد تقتل المدنيين. حتى إنّه يؤيد استهداف أفراد أسر الإرهابيين، بغضّ النظر عن براءتهم.
كما يعزّز ترامب رسالة «داعش» بأنَّ الحملة ضدّه هي حرب ضد الإسلام. ويطبق حظره للدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية على جميع المسلمين، ليس فقط المتطرّفين أو الداعمين للإرهاب. قبل ثلاثة أشهر، أعلن ترامب أنَّ «الإسلام يكرهنا»، ورفض التمييز بين المسلمين المتطرّفين والمسلمين بشكل عام، معتبراً أنّه «من الصعب جداً الفصل بينهم لأنك لا تعرف مَن هو مسلم متطرّف ومَن هو مسلم غير متطرّف». وفي يوم الجمعة الماضي، قبل هجوم أورلاندو، قال ترامب أمام حشد من المسيحيين المحافظين إنّه «سيدافع عن الأميركيين المسيحيين» وسيضيق الخناق على تدفق «اللاجئين السوريين».
باختصار، يقوّض ترامب كل ما هو فعّال ضدّ «داعش»: الحكومات الإسلامية التي انضمت إلى الحملة العسكرية الأميركية، ورجال الدين الذين ينشرون بالإسلام المعتدل، والنشطاء الذين يعملون على الانترنت لتشويه سمعة التطرّف. وهذا من شأنه أن يساعد «داعش» في الحصول على الأسلحة التي يحتاج إليها التنظيم مثل: المجندون الأجانب الذين هم على استعداد لقتل الناس في بلدانهم. وهو ما سيجعل من المحتمل حدوث أورلاندو أخرى.
يعتقد ترامب أنَّ سياسته في «الاحتراز» من المسلمين المحليين من شأنها أن تحمي المواطنين الأميركيين. ولكن ذلك أيضاً يخدم أجندة العدو. في رسالته الرمضانية، دعا تنظيم «داعش» المتعاطفين معه في الغرب إلى إعلان الجهاد في بلدانهم، «لجعل الصليبيين في حالة خوف وترويع ليلاً ونهاراً، حتى يخشى كل جار جاره». وهذا هو الغرض من الهجمات في فورت هود في ولاية بوسطن وسان بيرناردينو، وأورلاندو من أحل إرهابنا، واستقطابنا، لجعل كل جار يخشى جاره.
وحتى الآن، لم ينجح الإرهابيون. لكنّ ترامب نجح.