إيران… مصر… سورية ورهان الحقيقة

عبد الرحمن محمد عثمان

منذ ان ألمّت بعالمنا المغلوب على أمره الفتنة الطارئة التي لا تشبه تاريخ وحضارة إنسان المنطقة، التي أفردت دوماً للآخر مكاناً رحباً تسامحاً وتحاوراً وتفاعلاً مكّن في عديد من مراحل التاريخ من إنتاج حالة من التمازج والتعاضد يسّرت كثيراً التغلب على مصاعب الوجود في عالم متعدّد الأقطاب متقلب المعطيات، خصوصاً من خلال تعاظم التحديات مع مطلع هذه الألفية، وبعد ثلاثة أعوام فقط تغيّر الوضع في العراق بشكل قلل كثيراً من الأبعاد الإيجابية التي كان يملكها هذا البلد العربي الضارب بجذوره في تاريخ المنطقة، ومثل ذلك التغيير الهائل في البنية الهيكلية لوظيفة الدولة عاملاً محفزاً لانهيار اجتماعي كبير لم يتمكّن من احتواء التردّي الذي اجتاح حياة الإنسان هناك.

كان كثير من اللاعبين الإقليميين لا يدركون مدى تأثير حدث مثل هذا على منطقة مترابطة ومتشابكة جغرافياً، ولها تاريخ اجتماعي وثقافي وعقدي متداخل وممتدّ، سورية أدركت ولم يكن بمقدورها فعل الكثير لوحدها، مصر تعرف حجمها جيداً ودورها السليم الذي يمكن ان يساهم بفاعلية في ضبط إيقاع الحياة على خطى الاستقرار والنمو. والذين ضربوا العراق وفعلوا بوحدته ما فعلوا، وهم لوبي صاحب نفوذ يدير لعبة العولمة كان يعرف انه يحقق أهدافاً غاية في الاستراتيجية والحساسية بالنسبة للمنطقة كلها.

لقد تطور علما النفس والاجتماع إلى درجة كافية بأن يدخلا بشكل رئيسي في الدراسات السياسية والعسكرية. هناك تيارات مذهبية وسياسية متعدّدة في المنطقة ومناخ عام متململ في كثير من بلدانها بسبب الركود الاقتصادي، ودوران معظم حياة الشعوب حول قوت يومها وتعليم أبنائها، وفوق هذا لم تكن هناك ايّ فجوة يتنفّس عبرها الهواء، والاحتقان الذي من الطبيعي ان يصل في مرحلة درجة الغليان وينفجر، وكان ذلك ليكون امراً طبيعياً وصحياً لو لم توجه بعض المفاهيم وتعدّل معايير القيم وطنياً وروحياً لدى بعض التيارات السياسية الدينية منها خاصة، هذا الأمر معقد وشائك رغم انه مرتبط بشكل وثيق بعنوان عجالتنا القصيرة هذه… فإيران كيان حضاري يمتلك قاعدة بشرية على مستوى عال من المعاصرة والتأهيل، وموارد مادية كبيرة، إضافة إلى قدرتها الإنتاجية في مجالات كان يمكن ان تغيّر ملامح المنطقة إذا تخلصت من الإسقاطات الغربية «الاسرائيلية».

الصحيح أنّ إيران دولة تواجه تحديات هي بقدر كبير ذاتها التي تواجه باقي دول المنطقة لأنها إيران جزء منها والحقيقة انّ طريق التعاون مع إيران تلقائياً يلغي كلّ تهديد يواجه المنطقة لأنّ انقسامها بحدّ ذاته أصبح أخطر مهدّد للدول والمجتمعات في المنطقة بأسرها.

انّ الانفتاح على إيران يعني استكشاف جزء هامّ من ثقافة وتاريخ وامكانيات وجغرافيا إسلامية مميّزة، والحاجة لوقف القتل على المذهب تعني توفير قاعدة أكبر للتنمية… للحوار الذي يفتح بدوره آفاقاً عقلية وروحية أرحب. من هذا المنطلق الذي يعني ان تحلّق الأمة بجناحين بدلاً من واحد يعاني الكثير من آثار الصراعات السياسية والانقسامات المذهبية القاتلة، كما نشهد في أغلب بلدان المنطقة، هذا يوصل الى أنّ انفتاح إيران على العالم ورفع العقوبات عنها يجب ان يلقى ترحيباً وتأييداً وسط الشعوب الاسلامية كلها لأنّ هذا يعني دوراً أكبر لها يمكنها من توظيفه دعماً لقضايا الشعوب التي تلتقي معها على صعيد الأمل في تخليص الأمة من حالة التمزق والإعياء التي تعانيها.

انّ المخططين السياسيين في المنطقة يجب ان يعمّقوا من نظرتهم إلى الأمور بشأن إيران لأنّ «إسرائيل» لعبت على ورقتها كثيراً وهي تعرف جيداً الى ايّ مدى يضعف هذا الانقسام العالم الإسلامي ويحقق أطماعها في الوجود على الأراضي الفلسطينية بل والتمدّد وطبيعي ان تكون هي الأكثر حرصاً على عزل إيران عن محيطها والمجتمع الدولي لتبقى هي السيدة الاولى.

إنّ حكمة الإيرانيين يجب ان تتجلى أكثر اليوم في الخروج بهذا الاتفاق لحرف المعادلة قليلاً وتوظيف النتائج المادية والمعنوية المترتبة على نجاح مشروع جنيف التفاوضي في إنعاش العلاقات الاقليمية كاولوية استراتيجية رغم العوائق، ونعلم انّ الجمهورية الاسلامية تتمتع بالصبر الكافي والحكمة اللازمة والإقناع المطلوب لشعوب ودول المنطقة عدا المرتبط منها بمعاهدات تذهب به بعيداً عن أمنه ومصالحه وكالة عن اعدائه هو نفسه في المقام الأول والآتي القريب سيكشف الكثير في هذا الجانب، ولن ينفع الندم مكابراً او مراهناً بأمن وسلامة شعوب المنطقة ووحدتها.

انّ التغيير العقلاني يوقف سفك الدماء ويوحّد الجهود نحو تعزيز كرامة أبناء المنطقة ويوقف تطاول الأعداء عليهم، وبلا شك إنه المسار الجدير الذي يجب أن يسلكه الجميع بعد كلّ هذه الآلام.

مصر وسورية خاضتا ولا تزالان صراعاً ايدلوجيا مدمراً وانْ كان يظهر انه أخفّ وطأة في مصر، إذا وجدت سلطة تهيّئ أجواء إيجابية ووحدة الرؤية عبر حوار صادق حول القضايا الاستراتيجية وتستخلص قواعد منصفة تحكم الحياة العامة وتتيح لكلّ أبناء مصر المميّزين والمبدعين الصعود ولعب دورهم الطبيعي في تطوّر المفاهيم والرؤى ومصالحة ومعالجة الأزمات الاجتماعية والإنسانية وغيرها، فمؤكد انّ مصر هذه التي نتمناها ونحلم بها في جنوب الوادي وفي كلّ الارض العربية والافريقية التي تتطلع الى فجر يزيح ليلها الطويل ويفتح ابواب التعاون الحقيقي نحو مستقبل يليق بتاريخ وانسان المنطقة.

أما سورية فلن يكون الحديث عنها بأكثر من كلمات إنها قلب وعقل الشام وروح وضمير الامة رغم الجراح التي ستزول حتماً ويخرج الوهج المخبأ تحرّراً وتقدّماً لكلّ المنطقة.

خروج آمن: خسرنا في كامب ديفيد واوسلو ويحق لنا التعويض في جنيف وجنيف الآتي المنتظر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى