تقرير
كتب موقع «تروث أوت» الإخباري: في خطوة خطيرة أخرى للسياسية والدبلوماسية الأميركيتين في سورية، تنحرف إدارة أوباما عن مسارها لحماية مصالح أقرب وأقوى حليف لتنظيم «القاعدة» في سورية، حركة «أحرار الشام».
قرار الإدارة الأميركية حماية الحركة الإسلامية من عواقب التعاون الوثيق مع فرع تنظيم «القاعدة» في سورية، «جبهة النصرة»، في تهديد لوقف الأعمال العدائية، يتجاوز مجرد فشل الولايات المتحدة في الضغط على جماعات «المعارضة المسلّحة» الأخرى لفصل نفسها عن «جبهة النصرة»، كما وعدَ وزير الخارجية الأميركي جون كيري في المفاوضات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
ثمة اعتقاد سائد بأن جماعة «أحرار الشام» هي أكبر قوة عسكرية تسعى إلى الإطاحة بنظام الأسد في سورية، فهي تضم بين صفوفها نحو 15 ألف جندي على الأقل. لا يرى المحللون الذين تابعوا تطور الحركة أنها منظمة «جهادية» مثل «جبهة النصرة»، لأّنها لم تُبد أيّ اهتمام بممارسة الإرهاب ضدّ الدول الغربية. ومع ذلك، فقد كان لبعض من كبار قادتها علاقات وثيقة مع الجهاديين في الماضي، من بينهم أسامة بن لادن، كما عملت الحركة بشكل وثيق مع «جبهة النصرة» منذ دخلت كلتا المنظمتين الصراع السوري في عام 2011.
حركة «أحرار الشام» لم تساعد فقط «جبهة النصرة» في السيطرة على محافظة إدلب في السنة الماضية، إنّما انضمت أيضاً إلى «جبهة النصرة» في هجوم في مدينة حلب أوائل نيسان الماضي، فيما اعتُبر انتهاكاً سافراً لاتفاق «وقف الأعمال العدائية» التي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا. وفي تطور آخر كان ينبغي أن يقلق واشنطن، استخدمت حركة «أحرار الشام» صواريخ مضادّة للطائرات تُطلق من على الكتف لإسقاط طائرات النظام السوري في آذار ونيسان من هذه السنة. أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، التي حاولت إدارة أوباما إبعادها عن الحرب السورية، زادت من احتمال أن حلفاء حركة «أحرار الشام» ربما يحصلوا على أسلحة خطيرة مثل هذه الصواريخ.
ولكن بدلاً من التعامل مع حركة أحرار الشام كما تمّ التعامل مع «جبهة النصرة» في سياق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 شباط الماضي، تتعامل إدارة أوباما مع حركة «أحرار الشام» برفق شديد.
في كانون الأول الماضي، أعطت إدارة أوباما مسؤول العلاقات الخارجية لحركة «أحرار الشام»، لبيب النحاس، تأشيرة لزيارة الولايات المتحدة لبضعة أيام في مهمة لحشد الدعم السياسي في واشنطن لدور الحركة المستقبلي في سورية. وكانت زيارة النحاس إلى واشنطن سرّية في ذلك الوقت ثمّ كشف عنها موقع «ماكلاتشي» في 21 أيار الماضي.
نظراً إلى سياسة السفر المقيدة للغاية في الولايات المتحدة، التي ترفض بشكل روتيني منح تأشيرات لأي أشخاص لديهم اتصالات مع المتطرفين، فإنّ منح مسؤول رفيع من «أحرار الشام» تأشيرة دخول إلى واشنطن له أهمية سياسية واضحة.
في الواقع، التقى النحاس بالمبعوث الأميركي الخاص لسورية مايكل راتني في اسطنبول أوائل كانون الأول الماضي. وقد قرّرت وزارة الخارجية الأميركية إدراج حركة «أحرار الشام» بين جماعات «المعارضة» لدعوتهم للمشاركة في مؤتمر لـ«المعارضة السورية» في الرياض في الشهر نفسه.
كان الهدف من مؤتمر الرياض، التي نظّمته الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة، التوصل إلى اتفاق في شأن تمثيل جماعات «المعارضة» في المحادثات السياسية التي ستُعقد مع نظام الأسد. ومع ذلك، في مؤتمر الرياض في 9 و10 كانون الأول الماضي، انسحب ممثل حركة «أحرار الشام» من المؤتمر بعد أن اشتكى من أن النتائج لا تعكس إصرار الحركة أنّ «المعارضة السورية» يجب أن يكون لديها هوية «مسلمة»، وهذا يعني أنّ الجماعات الإسلامية يجب أن تكون مهيمنة في تكوين فريق التفاوض.
مشاركة حركة «أحرار الشام» في الهجوم الذي قادته «جبهة النصرة» في 3 نيسان كان مؤشراً أكثر موثوقية بكثير لنواياها السياسية والعسكرية مما ظهر في مؤتمر الرياض. في محاضرة مرئية يوم 29 أيار، أوضح نائب القائد العام لحركة «أحرار الشام» المهندس علي العمر، أنّ مشاركة الحركة في المحادثات السياسية هي جزء من استراتيجية «تقسيم أعدائنا أو تحييدهم».
وكان الردّ الروسي على سلوك حركة «أحرار الشام» التخريبي، تقديم اقتراح في أواخر نيسان بوضع الحركة على القائمة السوداء ووضعها خارج إطار اتفاق وقف إطلاق النار. وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة يجب ألّا تصرّ على أن تتجنب روسيا والنظام السوري استهداف حركة «أحرار الشام» في الضربات الجوية. ولكن إدارة أوباما رفضت هذا الاقتراح الروسي، وكشفت عن الوضع الجديد لحركة «أحرار الشام» في سياسة الولايات المتحدة الآن. وفي 24 أيار الماضي، عندما سئل المتحدّث بِاسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، لماذا ينبغي منح حركة «أحرار الشام» أي نوع من الحماية بموجب اتفاق «وقف الأعمال العدائية» على رغم انتهاكها وقف إطلاق النار، أجاب تونر أنّ الحركة هي جزء من مجموعة «قوى المعارضة» التي هي جزء من «لجنة المفاوضات العليا». وقال أيضاً إنّ وزارة الخارجية اعتقدت أنّ الاتفاق مع الطلب الروسي سيكون له تأثير ضارّ على وقف الأعمال العدائية.
وصف تونر «لجنة المفاوضات العليا» بأنها متعدّدة الأطراف، ما يعكس تورّط حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وكذلك روسيا وغيرها من القوى العالمية. وأشار ردّه إلى أنّ إدارة أوباما قرّرت منح حركة «أحرار الشام» مكانة خاصة كجزء من «المعارضة المشروعة».
لكنّ نقطة التحوّل الحقيقية في موقف الإدارة الأميركية تجاه حركة «أحرار الشام» كانت في بداية 2015 عندما أنشأت تركيا، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وقطر، «غرفة عمليات» للتخطيط لهجوم كبير من قِبل «جيش الفتح»، تلك القيادة المشتركة التي تقودها «جبهة النصرة» وحركة «أحرار الشام»، من أجل السيطرة على محافظة إدلب واستعادتها من أيدي القوات الحكومية السورية في آذار ونيسان عام 2015.
أشارت تلك العملية إلى بداية علاقة أوثق بكثير بين تركيا وحركة «أحرار الشام». ومنذ ذلك الحين، أصبحت حركة «أحرار الشام» مشروعاً تركياً في سورية، كما قال فيصل عيتاني، صحافي مقيم في «مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط»، في حواره مع موقع «تروث أوت». ويرى عيتاني أنّ هذا كان السبب وراء رفض إدارة أوباما التخلّي عن حركة «أحرار الشام» على رغم الاستهزاء العلني بوقف إطلاق النار.
وعلى مدار السنة المنصرمة، أوضح بعض المسؤولين في واشنطن، بمن فيهم السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد، أنه على رغم موقفها الإسلامي المتشدّد، إلّا أنّه من المهم استبعاد حركة «أحرار الشام» من أيّ عملية سياسية تهدف إلى تسوية الأزمة السورية. واقترح آخرون أنّ حركة «أحرار الشام» قد تلعب دوراً بارزاً للحدّ من قدرة «جبهة النصرة». وكتب تشارلز ليستر، خبير الشؤون الجهادية في معهد دراسات الشرق الأوسط، أن بعض المسؤولين في الجماعات الإسلامية في سورية يعتقدون أنّ علاقة حركة «أحرار الشام» الوثيقة مع «جبهة النصرة»، هي الطريقة العملية الوحيدة للسيطرة على سلوك «جبهة النصرة».
هذا ليس استعداداً لإنهاء العلاقة مع «جبهة النصرة»، ناهيك عن مواجهتها. لقد عارضت حركة «أحرار الشام» بعض من أقسى تطبيقات الشريعة الإسلامية التي فرضتها «جبهة النصرة» في المناطق التي اجتاحها التحالف المناهض للأسد في إدلب.
لكنّ حركة «أحرار الشام» لديها الكثير من القواسم المشتركة مع «جبهة النصرة» تجعل من غير المحتمل الصراع معها. مثل «جبهة النصرة»، تطالب حركة «أحرار الشام» بنظام سياسي في مرحلة ما بعد الأسد يدعو إلى «دولة إسلامية تحكمها الشريعة الاسلامية»، وتؤيّد الحركة أيضاً كراهية «جبهة النصرة» للأقلية العلوية، التي تشير إليها بمصطلحات مثل الشيعة «النصيريين» و«الرافضة».
وقد كان التعاون العسكري بين حركة «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» متكاملاً، لدرجة أنّ «جبهة النصرة» رأت هذا التعاون باعتباره مصدراً للأسلحة، وفقاً لمقاتل سابق من «جبهة النصرة» غادر سورية، كان يشير إلى الأسلحة التي قدّمتها الأطراف الخارجية، خصوصاً تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، إلى حركة «أحرار الشام».
ولعلّ العامل الأكثر حسماً الذي يربط حركة «أحرار الشام» بـ«جبهة النصرة»، أنّ الحركة تخشى إثارة مواجهة مع «جبهة النصرة» في شأن سياسات الأخيرة. كما لاحظ آرون لوند، أبرز المتخصّصين في الحرب السورية وصحافي غير مقيم في مركز كارنيغي للسلام الدولي، أنّ حركة «أحرار الشام» ربما تشعر بأنها ضعيفة للغاية ومنقسمة داخلياً للوقوف في وجه حليفها الجهادي. ولذلك، فإن أيّ مواجهة مع «جبهة النصرة»، من المرجح أن تقسّم حركة «أحرار الشام» وتُضعفها بشكل كبير بين عشية وضحاها.
من الناحية العملية، لا فرصة لعرقلة حركة «أحرار الشام» مسارَ «جبهة النصرة» نحو السلطة. ونتيجة لذلك، فإنّ تدليل إدارة أوباما إلى الحليف الرئيس لـ«جبهة النصرة»، أبعد ما يكون عن علاقاتها بالحلفاء الإقليميين ـ خصوصاً مع تركيا ـ من قلقها المعلن إزاء إنهاء الصراع السوري.