«الكتائب» يعزل نفسه
حسين حمّود
أبلغ وصف أُعطي لاستقالة وزيري حزب الكتائب من الحكومة هو قول رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنها «قنبلة صوتية».
لقد أراد رئيس حزب الكتائب سامي الجميِّل من وراء قراره سحب وزيري العمل سجعان قزي والاقتصاد ألان حكيم، إحداث بلبلة سياسية في الشارع المسيحي وفي الحكومة والحزب، لكنه فشل في المستويين الأولين ونجح في الثالث من خلال إقالة قزي من الحزب الذي تمرّد على قرار الحزب، وذلك بإعلانه الاستمرار في تصريف أعمال وزارته، وهو ما يناقض توجهات الحزب في قطع أيّ علاقة سياسية أو إدارية بحكومة الرئيس تمام سلام.
وفي المقابل مرّت الاستقالة لأقدم حزب مسيحي مرور الكرام في شارعه، إذ لم يسجّل أيّ ردّ فعل عفوي للخطوة المذكورة ولا حتى حشد المحازبين في مسيرة تأييد ودعم له وإثبات وجوده الشعبي الفاعل. لا بل بالعكس أصيبت قيادة الحزب بإحباط جراء استرخاء الشارع وعدم مبالاته بما حصل.
أما على مستوى الحكومة فلم تقدِّم الاستقالة ولم تؤخّر في الوضع الحكومي شبه المشلول ولم يفرط عقدها، كما كانت تأمل أوساط حزب الكتائب التي توقعت ترنّح الحكومة باستقالة وزيريه وقبلهما استقالة وزير العدل أشرف ريفي.
وتقول أوساط سياسية إنّ الجميِّل الابن تسرّع بهذه الخطوة التي عزلت الحزب بعد خروجه بإرادته من الحكومة، وإنْ كان غير راضٍ، كما يقول الجميّل، عن أدائها، فهو على الأقلّ كان موجوداً، كمراقب للعمل الحكومي من الداخل ويملك حق التصويت على القرارات، كما يتمتع بحق الاعتراض على أيّ واحد منها لا يناسب توجهاته.
وترى الأوساط أنّ هذه الخطوة غير مفهومة على المستوى الوطني ولا على المستوى السياسي ولا على المستوى الحكومي، لافتةً إلى أنّ بقاء الحكومة ليس فقط بإرادة محليّة، بل أيضاً بإرادة إقليمية ودولية جامعة، نظراً إلى أنّ مختلف القوى ترغب بشدّة بالحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في لبنان.
أما في ما يتعلّق بميثاقية الحكومة فهي لا تزال مؤمّنة سياسياً وطائفياً ومذهبياً، علماً أنّ فقدان الميثاقية لا يؤثّر على بقاء الحكومة أو ذهابها طالما مصيرها ليس بيدها. وهناك سابقة لا تنسى في هذا المجال وهي استقالة مكوِّن مذهبي بالكامل من حكومة فؤاد السنيورة في 11 تشرين الثاني عام 2006، حيث قدّم الوزراء الشيعة الخمسة استقالتهم آنذاك من الحكومة، وهم ينتمون إلى قوتين سياسيتين أساسيتين ومدعومتين من رئيس الجمهورية حينها العماد إميل لحّود، ومع ذلك لم تفرط الحكومة، وحتى لم يرفّ جفن لرئيسها فؤاد السنيورة، رغم أنّ تلك الاستقالة خلّفت أزمة سياسية ووطنية كبيرة، واعتُبرت كلّ قرارات مجلس الوزراء غير دستورية باطلة بطلاناً مطلقاً، لكن الخارج وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا غطّيا استمرار حكومة السنيورة البتراء وقراراتها.
أما وضع حكومة الرئيس تمّام سلام فهو أحسن حالاً من تلك الحكومة البتراء، وغطاؤها أوسع من الأخيرة، لذا فإنّ استقالة وزيري الكتائب ليست سوى قنبلة صوتية لم يسمع دويها إلا رئيس الحزب الذي فجّرها تحت قدميه ووصل صداها إلى المكتب السياسي للحزب الذي بات هو في أزمة بعد انقسامه بين مؤيد للخروج من الحكومة أو البقاء فيها.