فيدرالية أكراد سورية
حميدي العبدالله
يتحدث كثيرون عن أنّ الفيدرالية أصبحت واقعاً لا مناص منه. يستند الذين يتحدثون عن الفيدرالية على وقائع عديدة تدعم استنتاجاتهم، ومن أبرز هذه الوقائع تصريحات أدلى بها قادة أكراد في سورية، وأيضاً خطط خفية لدى حكومات غربية، قد تجنح إلى التعويض عن فشلها بإسقاط النظام في سورية إلى فرض الفيدرالية التي من خلالها يتكرّس النفوذ الأميركي في سورية، بمعزل عن سير العمليات العسكرية، وبمعزل عما ستؤول إليه مفاوضات جنيف المتوقفة الآن بقرار أميركي تبعاً لتصريحات مسؤولين روس.
لكن هل فعلاً أصبحت الفيدرالية أمراً واقعاً، وآجلاً أم عاجلاً سيفرض هذا النظام على سورية؟
مثل هذه الاستنتاجات رافقت الحرب الأهلية في لبنان، ولا سيما عندما انقسم لبنان إلى منطقتين، الأولى تسيطر عليها القوات اللبنانية، والثانية، تسيطر عليها الأحزاب والقوى التي كان يطلق عليها اسم الحركة الوطنية، المدعومة من المقاومة الفلسطينية وسورية.
استمرّ هذا الانقسام حوالى 17 عاماً، ولكن في النهاية لم يتغيّر طابع الدولة، ولم يحدث تقسيم ولا حتى الفيدرالية التي نادى بها حزب الكتائب والقوات اللبنانية.
في لبنان كانت المعطيات الموضوعية ترفع من قيمة التوقعات بشأن تقسيم لبنان أو فدرلته، ولكن في سورية المعطيات عكس ذلك. فإذا كان في لبنان ثمة مناطق من لون طائفي واحد، فإنّ مثل هذه المناطق ذات اللون الكردي الصافية غير موجودة على الإطلاق في سورية. مثلاً في محافظة الحسكة، كبرى مدن المحافظة وهما مدينتا القامشلي والحسكة عاصمة المحافظة لا يمثل الأكراد غالبية سكانها. في ريف حلب الشمالي الغربي هناك تجمعان كرديان، الأول في عفرين، والثاني في عين العرب، ولكن محيطهما كله من العرب، ويفصل هذا الريف عن محافظة الحسكة محافظة الرقة، حيث لا وجود للمواطنين الأكراد في هذه المحافظة، وبالتالي يستحيل خلق إقليم فيدرالي في هذه المناطق حيث يتواجد الأكراد ولكنهم يمثلون أقلية بالمقارنة مع العرب القاطنين في هذه المناطق، ودون إنجاز هذه العملية، أيّ هذه الفيدرالية، عملية تطهير عرقي لا تسمح بالقيام بها لا التوازنات الديمغرافية في سورية وفي هذه المنطقة بالذات، ولا يتوفر الغطاء الإقليمي والدولي لعملية مزدوجة تتطلب تطهيراً عرقياً واسعاً، وتحدّي الغالبية، هذا إذا تمّ تذليل الاعتراضات الإقليمية.
الرغبة عند الأكراد موجودة، أو على الأقلّ عند بعضهم، والدعم الدولي غير محدود على هذا الصعيد، ولكن كلّ ذلك لا يكفي لأن تتحوّل الفيدرالية في سورية إلى أمر واقع يحظى بقبول دستوري ورضى غالبية الشعب السوري. ومصير الفيدرالية في سورية يشبه مصير دعوات مماثلة في لبنان أثناء الحرب الأهلية.