في زمن الفوضى… الوطن رهينة!
محمد ح. الحاج
نستكمل الحديث عن خليط العسكر في الشمال السوري، من دول الناتو بلغاتهم المختلفة يجمعهم هدف واحد هو تمزيق أرض الوطن السوري المستهدف، سقط القانون الدولي وداس الناتو ميثاق الأمم المتحدة، ولقد أصبح العالم أشبه بالغابة، في حين تقف الحكومة السورية وشعبها موقف المدافع بسبب تعدّد القوى وتنوّعها والأعداد المهاجرة من كلّ بقاع الأرض مدفوعة بفتوى الجهاد الكاذب، وأكداس الأموال التي تغري من لم يشارك حتى الآن.
سورية التي كان يعرفها العالم قبل قرن كامل تمّ تمزيقها باتفاقية بين وزيرين من دولتين كانتا تتسيّدان القوى الاستعمارية في العالم، فرضا وجود قواتهما على الأرض بقرار منظمة أوجدوها، وقسماها فأعطوا من لا يستحق ما لا يملكون، وأقاموا كيانات ودويلات تابعة لحراسة المشروع ونجحوا، وقلنا إنّ القسمة القديمة ما عادت تناسب الزمن الحاضر، ونشك بأنّ قسمة المقسوم في الدهاليز السرية يتمّ بحثها ورسم خطوطها مستظلة فوضى تشتّت العقول، وإذ لم يتمّ الاعلان حتى اليوم عن التفاصيل ونسبة الاتفاق لأسماء من قيادات الغرب الظالم، فالقول عن نسبة الاتفاق إلى وزيري خارجيتي القوتين الأكبر يجانب الصواب وإنْ كان في الصمت الروسي على ما يجري في الشمال شيء مريب ويدفع إلى الظنون.
في زمن الفوضى التي لا يماثلها فوضى في كلّ ما عانيناه على مدى قرن، وفي زمن انحسار الوطنية والالتزام الوطني عند شرائح واسعة من مكونات أيّ شعب، وفي زمن المتاجرة بها بعيداً عن الخوف من سطوة القانون بانعدام سيطرة الدولة، تتصيّد الدول الكبرى أهدافها وتلتقط فتات الشعب وبعض الشرائح فتلحقها بمشاريعها مستظلة هذه الشرائح على أنها تمثل الكلّ لا الجزء على ضحالته، ويتكفّل الإعلام القوي المنتشر المسيطر على ساحة العالم بالترويج والتضليل، هنا فقط يصبح جورج وميشال يمثلان أغلب الإسلام في ساحة الشام وينطق الشقفة باسم كلّ ما يطلق عليهم اسم أقليات، ويعلن مسلّم باسم كلّ الكرد من الهضبة الإيرانية إلى المتوسط مشروع فيدراليته دون اعتبار لغيره فقد أصبح رأس المشروع الصهيو أميركي في منطقة الشمال السوري، ولا حسبان لحرب أهلية بين مكونات المنطقة، فأيّ شيطان يعمل على فرض الصمت وكبت الشعور الوطني لدى غالبية المكونات الشمالية من كراتشوك إلى محيط كسب غير فوضى السلاح والاستقواء بالوجود الدولي غير الشرعي بعد انتهاك السيادة الوطنية من قبل دول هي من فرضت شروطها بعد حرب كبرى ووضعت نظاماً وقانوناً لمنظمة دولية ومجلساً يفرض ويرعى أمنها وسلم العالم.
اذا كانت اتفاقية سايكس بيكو لم تحافظ على سريتها لأكثر من عام بسبب قيام الثورة البلشفية في روسيا، فهل ننتظر ثورة ما في دولة ما لتكشف لنا تفاصيل اتفاقية سرية غربية متعدّدة الأطراف تستهدف منطقتنا ويعلنون أسماء منظميها وواضعيها… ونعلم أنها تستهدف بشكل جذري اسم سورية ووجودها وحضارة شعبها ومكوناته وما يرمز اليه من قدوة صالحة تحتذى على مساحة العالم.
إنّ نظرة واعية إلى تفاصيل ما يحصل على ساحة الأمة من مشرقها في العراق إلى مغربها على شواطئ غزة وحيفا يعطي فكرة واضحة عن المعاناة والضغوط بأنواعها التي يلاقيها أبناء الأمة، وهذه كفيلة بصرف الأنظار نحو أمور المعيشة والسلامة الفردية والرمي جانباً التفكير بالسلامة العامة، سلامة الأرض ووحدتها، وسلامة الشعب بكلّ مكوناته فقد دفعت الأزمة ومجرياتها الجميع باتجاه الارتباط الأقرب والأكثر ضيقاً وتخلفاً، وهو المفروض وليس المختار، المواطن في هذه المنطقة من العالم تمّ دفعه قسرا إلى آخر الملاجئ، بعد أن ترك رحابة الوطنية وتسامح العقائد والأفكار فدخل كهوف الانعزال والكراهية مؤثراً سلامته وتمرير الزمن الخطر بما يحمل من أهوال، ورغم كلّ ذلك ما زال بصيص الأمل متوهّجاً، ومشاعر البعض متوقّدة تطرح مخاطر المؤامرة رغم سقوط نظريتها، إنه الواقع فالوجود الغربي الأميركي على ساحة الشمال ليس من أهدافه الحفاظ على الدولة السورية المجتزأة من أمتها الكبيرة، بل هم يعملون إمعاناً لتحقيق المزيد من التجزئة، وليس غريباً على الفرنسيين وهم جزء مؤسس لعمليات التقسيم طرح العودة إلى الدويلات التي حاولت فرضها في عشرينيات القرن الماضي، دويلات المدن أو الطوائف والتي رفضها أباؤنا وكانت محرك ثورتهم التي استمرّت وامتدّت حتى التحرير وتحقيق وحدة الجمهورية الحالية دون عودة كامل أرض الأمة التاريخية، اليوم نعي الحقيقة ونطرح السؤال: ما الذي يريدونه وما هو المخطط ومن يقف معهم؟
لا أشك للحظة واحدة بأنّ المواطن السوري العادي بعيداً عن أولئك القابعين في مواخير أوروبا ينتظرون الغنيمة، يدرك مخاطر اللعبة الدولية ويرفضها وينتظر بروز قيادة ما تضع خطة المقاومة بكلّ تفاصيلها لطرد الوجود الدخيل وإسقاط أدواتهم وزبانيتهم أصحاب مشروع الفدرلة والتقسيم، وبث روح المقاومة في صفوف المتواجدين ضمن المنطقة بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم فهم أصحاب الأرض الحقيقيين، ولهم المصلحة في الحفاظ عليها وعلى ارتباطها وجذورها، ومخطئ بالمطلق من يقول بأنّ الحاجة وانعدام الثقة أو الاضطهاد هي الدافع الرئيس للأكراد للانفصال، فالأكراد ليسوا محصورين في منطقة، وليسوا مضطهدين، ولا تكون ملكية الوطن للأعراق أو الطوائف، وليس من حق أحد فرداً أو جماعة اتخاذ قرار مصيري باسم مجموع لا يشكل فيه إلا أقلية، أكراد سورية، إذا جاز لنا الحديث بهذا الاتجاه ونحن نرفضه موجودون في كلّ المدن وخاصة الرئيسة منها، وهم سوريون، يدرك ذلك صالح مسلّم ومن معه ومن يدفعه ويدفع له، كما يعلم تماماً أنّ المستفيد الوحيد من مشروعه هو دولة الكيان الصهيوني فقط، وأشك بأنّ الأكراد بعيداً عن البرازاني وجماعته يعتبرون هذا الكيان دولة بالمعنى الكامل أو أنها صديقة وليست معادية.
الجيش السوري يتصدّى على مساحة الوطن لأدوات العمالة والتخريب وللمرتزقة القادمين من كلّ أصقاع الأرض، وانشغاله هذا يعطي فرصة سانحة لأعداء الأمة يمارسون فعلهم لتجسيد ما يخططون له على الأرض بعيداً عن أية ممانعة أو مقاومة أو تعرّضهم لمخاطر بسبب من يقوم على حمايتهم مأجوراً من أبناء المنطقة، وانعدام السلاح وأدوات المقاومة لبقية المواطنين، وما كان متوقعاً ما يحصل لتقوم الدولة بتسليح هؤلاء مسبقاً، لكن الأمر ليس مستحيلاً وقد يأخذ وقتاً لتحقيق بدء المقاومة، لا بدّ من صحوة وهي حاصلة، لكن ردود الأفعال ما زالت قيد التحضير، ومن يقول بغير ذلك هو واهم أو مهزوم أو متواطئ، العمل لوحدة الأرض والحفاظ عليها، بل والعمل على استعادة ما تمّ اغتصابه قبلاً، فرضية حتمية لا مناصّ منها، ولا يتخلى عنها إلا خانع أو مستسلم لا يتمتع بأيّ حسّ وطني أو غيرة قومية.
المؤامرة تتجسّد في الشمال، وما يجري في بقية الأنحاء يتكفل بالتغطية عليه كما السطول الدخانية تغطي أرض المعركة لانسحاب الآليات والأفراد، النصرة وداعش ومن معهما في الجنوب والشرق وفي إدلب ومحيط حلب ودير الزور والرقة، لها مهمة أساسية لم يخطط لها قادتهم بل هم ينفذون مخططاً رسمه الغرب، ينهزمون في النهاية وتبقى النتائج ومنها ما يكون على أرض الواقع من خراب واجتزاء أرض أو شريحة شعبية تطالب بالفراق كما في شمال وشرق الأمة وهي شريحة ساقطة.
في محيط حلب كما في دير الزور والرقة معركة أين منها معارك الحرب العالمية الثانية وبعضهم يقول انّ معركة ستالينغراد لم تعد شيئاً يذكر، هذه المعارك هي ما يدفع إلى النهاية القريبة، هزيمة المشروع الغربي ولا شك ينهزم معه مشروع الفيدرالية وسنفرض على القوات الغربية الخروج وبكلّ ما نملك من وسائل القوة والإصرار على تحقيق النصر لسورية.