احتمالات تعثر الحلّ السياسي للمسألة السورية إذا وصل ترامب أو كلينتون للبيت الأبيض

ميشيل حنا الحاج

من المعروف أنّ ما تتطلع اليه «الجماعات المسلحة في سورية، هو إطالة أمد المفاوضات على أمل وصول رئيس جديد للولايات المتحدة يتعامل مع الأزمة السورية بأسلوب أشدّ، وربما يكون راغباً في استخدام بعض العنف والقوة، خلافاً لموقف الرئيس أوباما الذي تبنّى في البداية تقديم بعض الدعم للمعارضة، الا أنه سرعان ما عدل عن ذلك عندما تكشف له أنّ البديل للنظام القائم، هو نظام إسلامي متشدّد طالما عارضت أميركا مثيلاًً له في أفغانستان. وهكذا عدل عن استخدام العنف حتى عندما اتهمت سورية باستخدام السلاح الكيماوي، وأخذ بالتنسيق مع روسيا الاتحادية بحثاً عن الحلّ السياسي الذي يجنّب الدولة السورية الحرب، ويحول دون وصول تيار الإسلام السياسي المتشدّد الى السلطة.

ويبدو أنّ المؤشرات الحالية، على ضوء أنّ من بقي في ساح الصراع على كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، هما دونالد ترامب عن الحزب الجمهوري وهيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، توحي بأنّ كليهما لا يبديان ذات المرونة أو التفهّم الأوبامي لعواقب مجريات الأحداث في المنطقة، وخصوصاً في سورية، فإنّ الاحتمالات لتصاعد الصراع عوضاً عن تهدئته، سوف تزداد عنفاً وشدة في المرحلة الأولى على الأقلّ من سنوات رئاسة أيّ منهما.

ترامب… مليارات وقلة خبرة!

فالمرشح دونالد ترامب عديم الخبرة في التعامل مع القضايا السياسية، وتجربته في هذا الشأن، لا ترتفع الى مستوي خبرته في التعامل مع القضايا المالية والاقتصادية والتي حوّلته الى ملياردير تؤهّله ملياراته، لا خبراته أو قدراته السياسية، على الترشح لمقعد الرئاسة. وعدم تواجد الخبرة السياسية لديه، سوف تمكن الآخرين من التأثير في قراراته، وتوجيهه نحو ما يخدم مصالحهم، وسيحوّله الى لقمة سائغة لقادة الحزب الجمهوري، وخصوصاً المحافظين الجدد منهم، الميالين منذ زمن بعيد الى التشدّد في كيفية التعامل مع المسألة السورية، وخصوصاً منهم السناتور جون ماكين الذي طالما حث الرئيس باراك أوباما على توجيه ضربات عسكرية حاسمة لسورية، تضع حداً للصراع القائم بطريقة ترضي ما يعتبرونه مصالح الولايات المتحدة ومصالح حلفائها في دول الخليج.

الواقع أنّ تصريحات ترامب المتخبّطة والمتناقضة أحياناً، تجعله لقمة سائغة لهؤلاء، وقد تقود الولايات المتحدة الى كوارث في كيفية التعامل مع القضايا الخارجية بل والداخلية أيضاً. ولا يستبعد البعض، نتيجة رؤيته المتعصّبة نحو المكسيكيين والسود الموصوفين بالأميركيين الأفارقة، اضافة الى مخاوفه من المسلمين القادمين إلى الولايات المتحدة، يوحي بأنّ المناخ في عهد رئاسته، انْ وصل الى السلطة، قد يعيد الولايات المتحدة الى عهد كوكلاكس كلان، بل والى زمن المكارثية أيضاً، ولكن بعداء لكلّ هؤلاء، بعد ان كان العداء في زمن المكارثية محصوراً بالعداء للشيوعية وللشيوعيين فحسب.

ونظرته نحو السياسة الخارجية، لا تقلّ اهتزازاً وجهلاً وتخبّطاً عن نظرته للسياسة الداخلية. فهو يلوم الرئيس أوباما على سوء تعامله مع الحلفاء، دون أن يحدّد من يقصد من الحلفاء. هل يقصد أوكرانيا وتقاعس أوباما عن تقديم العون العسكري الكافي لها لمواجهة التمدّد الروسي في جنوب وشرق أوكرانيا، أم يقصد الحلفاء في دول الخليج الذين طالما رفض أوباما الاستجابة لاستغاثاتهم بوجوب توجيه ضربات عسكرية موجعة للحكومة السورية لإعادة التوازن للقوى العسكرية على الأرض والذي اختلّ تماما لمصلحة الحكومة السورية مؤخراً. ولعلّ تشدّد ترامب في رؤيته حول قدوم المسلمين الى الولايات المتحدة، سيدفعه الى السعي لإجراء بعض التوازن في ذاك التوجه. ففي مسعى لإرضائهم، قد يقوم بتقديم العون العسكري للمقاتلين في سورية المؤازَرين من قبل دول الخليج، رغم اعتناق بعضهم للفكر الوهابي المتشدّد، والذي شكل، إضافة الى أفكار الداعية بن تيمية وسيد قطب، جذور الإرهاب في الشرق الأوسط، بل وفي العالم، الأمر الذي دفع أوباما للدخول في تفاهمات اضطرارية مع غريمه الاتحاد الروسي، تجنّباً لانتشار الإرهاب الذي قادت الى تناميه، تلك الأفكار الضارّة بتشدّدها غير المبرّر، والمتنافي مع تعاليم الإسلام الصحيحة والمعتدلة.

… وكلينتون ليست أوباما

ولا يختلف الأمر بالنسبة للمرشحة الأخرى السيدة هيلاري كلينتون، رغم الدعم المعنوي الذي يقدّمه لها الرئيس أوباما باعتبارها زميلته في الحزب الدمقراطي، أملاً منه في أن تواصل النهج السياسي الذي بدأه في كيفية التعامل مع المسألة السورية والقضايا الأخرى. فهناك نقطتان هامتان لا تسجلان لمصلحة كلينتون، ولا توحيان باحتمال اقتدائها بالنهج الأوبامي في كيفية التعامل مع الأزمة السورية بالذات. وقد يكون التميّز الوحيد الذي يصبّ في مصلحتها، وربما لا يصبّ، لأنها قد تنجرف وراء محاولة إثبات أنها رجل أكثر من الرجال ، هو كونها ستكون السيدة الأولى التي ستجلس مرتاحة على مقعد الرئاسة الذي طالما احتكر الجلوس عليه منذ عهد الاستقلال، ذكور بتوجهات سياسية متفاوتة. أما النقطتان اللتان لا تسجلان لمصلحتها فهما:

أولاً تصويتها بالموافقة عام 2002 على دخول الولايات المتحدة في حرب ضدّ العراق. وكان صوتها، إضافة الى أصوات أخرى من بعض أعضاء مجلس الشيوخ المنتمين للحزب الدمقراطي، هو الصوت الواحد والخمسون في مجلس الشيوخ، والذي أدّى الى إقرار مشروع الحرب، علماً أنّ السناتور ساندرز، منافسها السابق الساعي الى ترشيح الحزب الدمقراطي له للانتخابات الرئاسية المقبلة، قد اقترع معارضاً دخول الولايات المتحدة في تلك الحرب.

ولكن لا بدّ من التنويه أنّ توجه جورج بوش الابن لغزو العراق، ما كان سيردعه رفض الكونغرس أو مجلس الشيوخ لطلبه ذاك، لأنه كان يستطيع الدخول في تلك الحرب، استناداً لقرار سابق لمجلس الشيوخ صدر في نهايات عام 2001 اثر عملية الحادئ عشر من أيلول، وهو القرار الذي خوّل بوش الدخول في حرب في أفغانستان لملاحقة الارهاب والارهابيين. اذ كان بوسع بوش الابن، غزو العراق أيضاً دون قرار آخر من الكونغرس، استنادا لامكانية ادّعائه بأن غزو العراق يتمّ استكمالاً لعملية ملاحقة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل التي تشكل أداة للارهاب. وعليه فإنّ صوت هيلاري كلينتون عندئذ المؤيد والمرجح لقرار الحرب، ما كان سيبدّل كثيراً لو صوّتت بعدم الموافقة. كلّ ما في الأمر، أنّ صوتها ذاك المؤيد للغزو وللحرب، انما يكشف عن نزوع لديها لترجيح استخدام العنف في حلّ القضايا، عوضاً عن استخدام الوسائل السلمية التفاوضية.

ثانيا انّ هيلاري كلينتون خلال تسلمها لموقع وزارة الخارجية في السنوات الأربع الأولى من عهد الرئيس أوباما، كانت تتبنّى وتشجع استخدام القوة أو بعض القوة العسكرية في التعامل مع المسألة السورية. وهذا يشكل مخاوف من عودتها لتبنّي طروحات الحلّ العنيف لتلك الأزمة التي يتوقع لها أن تظلّ قائمة ولو في السنوات الأولى لرئاستها، اذا فازت بالرئاسة.

ولكن لوحظ مؤخراً، أنها نشرت قبل أيام رسالة تدين فيها استخدام دول الخليج لأموال النفط في تشجيع الإرهاب وتغذيته، مما أثار غضب بعض دول الخليج ودفعها الى إصدار بيانات مضادّة تنفي ذاك الاتهام المنسوب اليها. وكانت قد نشرت تلك الرسالة تعقيباً وإدانة لما حدث في أورلاندو وتسبّب بمقتل 49 مواطناً أميركياً على يد مسلم أفغاني الأصل، ذي توجهات إسلامية متشدّدة ومتأثرة بأفكار الدولة الاسلامية.

ولكن تلك الرسالة، كما يرى البعض، لم يكن هدفها بشكل مباشر توجيه اللوم لدول الخليج التي تعوّل كثيراً على احتمال وصولها الى سدة الرئاسة وتبنّي موقف أكثر تشدّداً من النظام السوري القائم، بل كانت الرسالة تسعى للردّ بشكل غير مباشر، نيابة عن الرئيس أوباما، عن تلك التصريحات النارية التي أدلى بها المرشح دونالد ترامب تعقيباً على حادثة أورلاندو، وانتقد فيها الرئيس الأميركي أوباما على تساهله في التعامل مع المتشدّدين الإسلاميين، ملمّحاً دون ذكر ذلك مباشرة، الى أنّ الرئيس أوباما يتعاطف معهم بسبب انتسابه إلى والد كان يدين بالإسلام. فجاء توقيت رسالة السيدة كلينتون التي يقدّم أوباما الدعم لترشحيها، دفاعاً عن أوباما ونفياً لتصريحات ترامب، أكثر من كونها غمزاً لقنوات دول الخليج التي تنتظر بفارع الصبر حصول الانتخابات الرئاسية في أميركا، ووصول أيّ من المرشحين لمقعد الرئاسة، اعتقاداً منهم أنه سيكون في أسوأ الأحوال، أقلّ توجهاً نحو الحلول السياسية الأوبامية، وأكثر توجهاً في أدنى الحالات، لاحتمالات استخدام بعض الشدة، ولو لمجرد تحسين الموقع العسكري للمعارضة السورية المسلحة، وصولاً بها الى موقع تفاوضي أفضل في حالة عزوف أيّ منهما أيّ المرشحين للرئاسة عن استخدام درجات قصوى من الشدة التي طالما طالبت بها المعارضة المسلحة التي تقودها السعودية وقطر.

ولعلّ تثوير جبهة حلب بشكل عنيف، في هذا الوقت بالذات، يثير الدجهشة والكثير من التساؤل. ففي هذا الوقت تجري عمليات عسكرية كبرى ضدّ داعش، إحداها تقودها القوات العراقية بمؤازرة من طيران التحالف الأميركي، والمعززة أيضا بهجمة مشابهة في شمال سورية تقودها «قوات سورية الدمقراطية، أيضا تحت غطاء من طيران التحالف الأميركي. ويرافق هذه وتلك، ضربات توجهها القوات السورية مؤازرة بمظلة من الطيران الروسي، لعدة مواقع تسيطر عليها «داعش» في الأراضي السورية، وتشمل احدى جبهاتها، التوغل داخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة «عاصمة داعش».

ففي خضمّ هذه المعارك المفصلية هنا وهناك، يشنّ هذا الهجوم المستغرب في توقيته، جيش الفتح الذي تقوده جبهة النصرة ذات الانتماء الصريح والمعلن لتنظيم القاعدة، وذلك بمؤازرة من أحرار الشام وعدة كتائب تنتمي لحركة الإخوان المسلمين، بل وبمشاركة جنود أتراك نظاميين أطلقوا لحاهم وادّعوا انتماءهم للجماعات المسلحة المسمّاة معتدلة، وهو وصف لا يتسق مع انتماء حليفها الرئيسي في جيش الفتح، أيّ جبهة النصرة، الى تنظيم القاعدة.

ولا أحد يستطيع تفهّم هذا الموقف الغريب لجبهة النصرة التي يفترض بها أن تعزز الجهود لمقاتلة داعش، خصوصاً أنّ أبو محمد الجولاني، امير النصرة والقائد الفعلي لجيش الفتح، هو من ألدّ أعداء أبو بكر البغدادي، «خليفة الدولة الاسلامية». وقضية الانشقاق ثم العداء بينهما منذ عام 2013، افترض بها أن تشكل حافزاً له للمشاركة في القتال ضدّ داعش، لا فتح جبهات تعزز موقف الدولة الاسلامية، وذلك بإشعاله جبهة حلب ومشاغلته فيها من يقاتل عدوّته اللدود أيّ داعش، سواء كان من يقاتلهم القوات السورية الحكومية، أو «قوات سورية الدمقراطية».

فهزيمة داعش، تعني تكريس أبو محمد الجولاني قائداً فعلياً وقوياً للجماعات المسلحة في سورية، رغم أنّ الجناح الآخر للمعارضة المسلحة هو «جيش الإسلام» الذي يقوده «علوش»، هو الذي يقود حالياً ويؤثر في مصير المفاوضات.

وقد يرجح البعض أنّ معارك حلب، هي أيضاً من معارك اللحظات الأخيرة تمهيداً لتحقيق مكاسب لجبهة النصرة المهملة في مسألة المفاوضات، وهي مكاسب يسعى الجولاني لتحقيقها بأسرع وقت ممكن تعزيزاً لضرورة ايجاد دور له في جنيف المقبل، حتى ولو مثله فيه علوش ظاهرياً. فجنيف المقبل انْ عقد، قد يكون الأخير، اذ انّ الولايات المتحدة بعد شهرين أو ثلاثة قد يستغرقها جنيف الرابع ، سوف تنشغل بالانتخابات الرئاسية، ولن تكون إدارتها عندئذ متفرّغة لفترة ما، لقضية فرعية أقلّ أهمية في الاهتمامات الأميركية كالقضية السورية. فالعودة للاهتمام بالمسألة السورية ولو عن طريق «جنيف 5»، ستكون من نصيب الرئيس القادم، سواء كان دونالد ترامب، أو هيلاري كلينتون. كما أنّ الرئيس الجديد كان من كان، لن يستطيع الشروع بالتعامل مع الملف السوري قبل مضيّ عدة شهور على توليه الرئاسة، لوجود قضايا عدة ذات اهمية خاصة، بعضها داخلي، وبعضها يحتاج ضرورة إطلاعه ودراسته للملفات القائمة والتي تحتاج الى إحاطة الرئيس الجديد بها، قبل التفرّغ للتعامل مع قضايا خارجية قد تشكل المسألة السورية واحدة منها.

اذن كما يتنافس دونالد ترامب وهيلاري كلنتون على مقعد الرئاسة في الولايات المتحدة، فانّ الجولاني بات يتنافس الآن على مقعد قيادة المعارضة المسلحة في سورية. والتنافس الأشدّ هو بين الجولاني وعلوش الذي بات مرحلياً أهمّ من التنافس مع أبو بكر البغدادي، فكلّ منهما يريد الجلوس في مقعد قيادة تلك المفاوضات، أو تكون له الكلمة الفصل حتى ولو لم يظهر على شاشتها، علماً أنّ الجولاني الموعود بقيادة تنظيم القاعدة لدى رحيل أيمن الظواهري عنها، وبسبب ذاك الوعد المعطى له كما يبدو من الظواهري، رفض التخلي عن انتمائه للقاعدة كما فعل البغدادي وفعلت «بوكو حرام» وتنظيمات أخرى تخلت عن ولائها للقاعدة. وهو لذلك، وتعزيزاً لموقعه المستقبلي في تنظيم القاعدة، يسعى لتعزيز موقعه في الساحة السورية أيضاً، تمهيداً ربما، لنقل قيادة القاعدة من أفغانستان الى سوريستان كما يريد لسورية أن تكون.

فعلى ضوء هذه المطامح «الجولانية»، يمكن للمراقب أن يتفهّم معارك حلب في هذا التوقيت بالذات، على انها معارك انتخابية تجري في سورية على قدم وساق، كما تجري الانتخابات الرئاسية في أميركا على قدم وساق، مع فارق واحد، هو أنّ الأصوات التي تفصل في مصير الرئاسة الأميركية هي أصوات يدلى بها في صناديق الاقتراع، أما اصوات ترجيح الفائز على صعيد المعارضة السورية، هي أصوات تلعلع بها أصوات المدافع وأزيز الرصاص.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين

عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى