القدس… العيساوية نموذجاً
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
القدس كانت دائماً بوصلة النضال الوطني الفلسطيني… والقدس هي من تتصدّر المشهد الفلسطيني، تعطي بلا حدود، تدفع الثمن وتضحّي ولا تنتظر الثمن من احد… تنتصر لقضاياها بطريقتها… تفجر وتشعل لهيب الهبات الشعبية والجماهيرية وتقودها وتوجهها نحو انتفاضة شعبية عارمة… والاحتلال يستخدم كل اساليبه ووسائله من اجل كسر إرادتها…
قمع ومداهمات واعتقالات بالجملة ومحاكمات بالجملة أيضاً واحكام وغرامات «قراقوشية» بمئات الآلاف بل وحتى بملايين الشواقل من اجل تطويع المقدسيّين وكسر إرادتهم، فهم منذ جريمة حرق الفتى الشهيد ابو خضير حيّاً وقدسهم مشتعلة على كلّ الجبهات، وتخوض حرب شوارع مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية ومستوطنيه… وأهل القدس يقولون هذا وقت المغارم لا وقت المغانم… ولن ننزل عن الجبل… ويسطر المقدسيون أروع أشكال النضال والكفاح الشعبي…
تتصدر هذا المشهد المقدسي المقاوم قرية العيساوية الباسلة، التي تمرّس أهلها فصائل وأحزاب وجماهير في معمعان النضال الشعبي والجماهيري والكفاحي، ويخوضون حرباً حقيقية مع قوات الاحتلال وأجهزتها والأمنية وقواتها الخاصة ومستعمريها على مدار الساعة، ولا يرهبهم شيء ولا يخافون لا السجن ولا السجان، بل أصبحوا اكثر جرأة وصلابة في كفاحهم ونضالهم، ويزدادون وعياً وثقة بمشروعهم الكفاحي والنضالي، وهم متقدمون على القيادة السياسية في وحدتهم الكفاحية والنضالية والسياسية، بل تتولّد لديهم قناعة راسخة بأنّ هذه القيادة دون مستوى التحديات، وهي أعجز بشكلها الحالي عن ان تشكل عنواناً وثقة لهم، ولذلك خلقوا أجسامهم الخاصة بهم، التي تمكّنهم من نظم وهيكلة أطرهم وعملهم.
العيساوية هي النموذج الذي يجب أن يدرّس ويعلّم في النضال الشعبي والجماهيري… كما هو حال غزة في العمل المقاوم، فكما هي غزة محاصرة فالعيساوية محاصرة أيضاً ولكنها تقاوم وتقود المقاومة في القدس وتتصدّرها بامتياز، ويبدو أنّ الحصار في كلا الحالتين، يلعب دوراً بارزاً في غرس مفاهيم وقيم المقاومة عند أبناء وجماهير غزة والعيساوية.
العيساوية ممثلة بعدد لا بأس به من المناضلين في سجون الاحتلال بشكل دائم من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وعدد منهم بحكم الوعي والتجربة والخبرة والفاعلية والنشاط، يتصدّر قيادة المنظمات الاعتقالية لأكثر من فصيل فلسطيني، وهم أيضاً جزء فاعل من قيادات منظمات الأسر في مختلف المجالات والميادين، واللافت للنظر أنّ الكثير من معتقلي العيساوية الذين يخرجون من المعتقلات الصهيونية، يواصلون نضالهم ومقاومتهم للاحتلال، وبما يؤكد على مبدئيتهم وثقتهم بخيار المقاومة والكفاح، ولنا في المناضلين سامر ومدحت وشادي ورأفت وأختهم شيرين، خير مثال ودليل، حيث أنّ هذه العائلة المناضلة، باستمرار وعلى مدار سنوات، كان ثلاثة من أبنائها في المعتقلات الصهيونية، وهذا لم يفت من عزيمتهم ولا عضدهم، ولا من عضد وعزيمة والديهم، اللذين دائماً يعتزان ويفخران بابنائهم، ويحثانهم على مواصلة الكفاح والنضال، ولديها من الإرادة والمعنويات ما يشحن معنويات جيش بأكمله، ونحن خبرنا ذلك من الأم المناضلة «أم رأفت» والدتهم، فعندما كان ابنها القائد سامر العيساوي، يخوض أطول إضراب مفتوح عن الطعام 280 يوماً، لم تهن او تضعف او تطالبه بإحساس ومشاعر الأم بفك او كسر إضرابه، بل كانت دائماً تقول هذا خياره، وعلينا ان نقف معه وندعمه، فانتصاره هو انتصار للحركة الأسيرة باكملها ولكلّ أبناء شعبنا، وحتى لو استشهد فإنه سيكون أرسى قواعد جديدة في النضال والكفاح، يُبنى عليها في المعارك النضالية القادمة ضدّ إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، وعندما انتصر سامر في معركة الأمعاء الخاوية، كان نصره نصراً لكلّ أبناء شعبنا الفلسطيني، حيث تحوّل الى رمز وقائد وطني التفّت حوله كلّ جماهير شعبنا الفلسطيني على طول وعرض فلسطين التاريخية.
والعيساوية لا يمكن لنا ان نختزلها في هذا المناضل او القائد، بل والحق يُقال… العيساوية أبدعت ولا تزال تبدع في النضال والكفاح الشعبي والجماهيري، وكانت سباقة في ميدان الفعل والمواجهة على صعيد العيساوية والقدس، ولذلك استحقت لقب ستاليننغراد القدس بجدارة.
لا مشروع وطنياً ولا دولة فلسطينية بدون القدس، فالقدس هي البوصلة التي يجب ان تكون حاضرة في كلّ برامج أحزابنا وقياداتنا، ليس فقط على الصعيد النظري والشعاري، بل يجب ترجمة الأقوال والبرامج والشعارات الى خطط وبرامج عمل، من شأنها أن تسهم في تدعيم ثبات المقدسيّين وصمودهم وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم، فالاحتلال يتحدث عن سحب الهوية الإسرائيلية من 14250 مقدسي، تحت حجج وذرائع انّ مركز حياتهم ووجودهم ليس في القدس، في الوقت الذي لا تسحب فيه أية هوية مستوطن، ليس له علاقة بالقدس سوى بالاسم او العنوان.
الاحتلال يسابق الزمن ويريد قادته ان يصحو، وقد اصبحت القدس فارغة وخالية من سكانها العرب الفلسطينيين، وهم يخوضون حرباً معهم يستخدمون فيها كلّ الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة لطردهم وترحيلهم، وهاجس العامل الديمغرافي يقلق الإسرائيليين، فالعرب في القدس في تزايد وليس تناقص، فلا الضرائب الباهظة بأشكالها وعناوينها المتعدّدة، ولا الحصار ولا المصادرة للأراضي ولا الإجراءات البيروقراطية والمبالغ الخيالية المفروضة على رخص البناء ولا الغرامات الخيالية على البناء غير المرخص، ولا الاستيلاء على المنازل والممتلكات ولا جدران العزل والفصل العنصري ولا الأحزمة الاستيطانية في الأطراف وفي قلب البلدات الفلسطينية وكلّ إجراءات التهويد والأسرلة قد افلحت في طردهم وتهجيرهم، بل يزدادون صلابة وقوة وتصميماً على الدفاع عن وجودهم وبقائهم ومجابهة ومقارعة الاحتلال في كل الساحات والميادين.
القدس موحدة على صعيد القاعدة وبكلّ ألوان طيفها السياسي في مقاومة ومقارعة الاحتلال، وهي تفرز قياداتها من خلال الفعل في الميدان، والشباب المقدسي يتصدّر المشهد في الكثير من المعارك التي يخوضها المقدسيون ضدّ المحتل، وهم على قناعة بأنّ إعادة قضية القدس إلى الصدارة وواجهة الأحداث والاهتمام، فقط ممكنة من خلال قيامهم بدورهم ومهامهم ومسؤولياتهم، فقد ملّوا الشعارات وبيانات الشجب والاستنكار وحرف «السين» من العرب والمسلمين، فالأرض تضيع والأقصى يُهدم، فيما العرب والمسلمون جزء منهم متآمر وآخر متفرّج، وما تبقى جريح ويئنّ من وطأة الاحتراب والاقتتال الذي فرضه الغرب عليهم.
Quds.45 gmail.com