مخيّم الشباب القومي العربي وضرورة الاستمرار
خالد المسالمة
بمناسبة التحضيرات المكثّفة التي تحظى بها دورة مخيّم الشباب القومي العربي للسنة الحالية، والمزمع عقدها في منتصف الشهر الحالي في مدينة نابل التونسية، والتي كانت قد استضافت هذا المخيّم عام 2012، فيما عقدت دوراته السابقة وعلى مدى ربع قرن في معظم الأقطار العربية من العراق حتى المغرب مروراً بسورية واليمن والأردن والسودان ومصر وليبيا والجزائر ولبنان.
لا يمكن بدايةً لأيّ مراقب لحال المخيم ودوراته، إلا أن يشيد بعظمة الفكرة وفرادتها وعظمة الجهد الذي بُذل في سبيل عقد دورة المخيّم الأولى والسهر على استمرار عقد دوراته سنة بعد أخرى.
كان لمخيم الشباب القومي العربي الفضل الكبير على معظم المشاركين فيه، وأنا أحدهم، بمساهمته في تحسين قدراتهم وتوسيع مداركهم حين شكّل ساحة تلاقٍ وتعارف وحوار بين شباب الأمّة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ما كانت لتكون لولا هذا المخيم.
ووفّر المخيّم عبر دورات انعقاده السنوية بيئة مناسبة لإنشاء شبكة العلاقات الشبابية العربية التي تسودها المحبة والأخوّة، بعيدة عن المصالح الفئوية الضيقة. ويجمع بين أفرادها وحدة الانتماء والفكر والحرص على امتلاك أسباب نهضة الأمّة.
كثيراً ما كنت أشعر على الصعيد الشخصي بأنّ لي بيتاً في كل قطر عربي تعرّفت على شاب منه، من خلال مشاركتي في المخيّم، وكذلك شعوري إزاء بيتي حين اعتبرته بيتاً للجميع. هذا فضلاً عمّا أضافه ويضيفه المخيم للمشاركين ثقافياً ومعرفياً سواء باحتكاكهم بعضهم ببعض، وبالحوارات والنقاشات التي تأخذ معظم وقتهم، أو بلقاءاتهم شخصيات فكرية ونخباً سياسية عربية يكون اللقاء معهم في المخيم ذا طابع خاص بلا حواجز وقيود، ويعطي هذه اللقاءات فائدة مضاعفة بالمعرفة على الصعيد الشخصي أولاً، وبإمكانية الاتصال والتزوّد من معينها ثانياً.
يمتاز مخيّم الشباب القومي العربي بحرص منظمّيه على تعرّف المشاركين على معالم القطر المستضيف، وذلك عن طريق برنامج سياحيّ يأخذ طابعاً ثقافياً في معظم الأحيان.
وساهم المخيّم بخلق أسر قومية عربية وتكوينها حين جمع في رحابه شباباً ذكوراً وإناثاً، وجد كلّ في الآخر ندّاً صالحاً لأن يكون زوجاً رفيقاً لدرب الحياة الخاصة بكل منهما. ففي المخيم وبسببه عُقد قران عشرات الشباب من المشاركين فيه على مدى دورات انعقاده في السنوات السابقة.
يعيش المشاركون طيلة أيام انعقاد المخيم حالة «الوحدة العربية» التي يحلم معظمهم بها، إذ تذوب بينهم الحدود والفوارق المصطنعة وتبنى جسور التقارب والألفة من خلال سلخهم من حالة انتظامهم بوفود قطرية إلى إدماجهم في مجموعات عمل مختلطة الأقطار وفق نظام المخيّم الداخلي.
يتفاعل المشاركون في المخيّم ويتشابكون، وتكبر الفجوات بينهم أحياناً وتصغر أحياناً أخرى، لكنهم وبشكل يدعو إلى الفخار، ينسجون في ما بينهم علاقات أخوية قوية صادقة تحمل كل صفاتها، ويغمرها الودّ والاحترام.
هذا أساس فكرة انعقاد المخيم، والذي يثبت نجاحه وجدواه خروج المشاركين منه بعلاقات، وبتواصل مستقبلي يخدم كلّ منهم الآخر إنسانياً. ويخدمون بلدانهم وأمّتهم مجتمعين متسلّحين بثقافة الحوار وقبول الآخر ورفض الإقصاء والإلغاء والتعصّب.
إنّ تَعاقُب الأجيال الشابة على مخيم الشباب القومي العربي وعبر ربع قرن من الزمن، لا بد أن يكون مهمّاً ومنتجاً نهضة الأمة ومستقبلها لأنّ معظم الذين شاركوا في المخيّمات تمكّنوا من لعب أدوار مهمة في أقطارهم وأخذوا مواقعهم المتقدّمة أيضاً في مجتمعاتهم المحلية.
ولا تخلو أيّ تجربة بحجم مخيّم الشباب القومي العربي من أخطاء وسلبيات أو معوقات. وما زالت تجاربنا الشبابية تعاني انعكاس المشاكل والخلافات والأمراض التي أورثها أسلافنا.
هذا فضلاً عن تأثر المخيّم كما كلّ اللقاءات والنشاطات والمؤتمرات وحتّى الأفراد بما يجري من أحداث مهولة على امتداد ساحات العالم العربي في السنوات الثلاث الأخيرة. فحالة الانقسام بلغت مداها، والتبعثر والتفتت أضحيا عنوان المرحلة. الأمر الذي لا بدّ معه من تظافر الجهود لإعادة التوازن إلى التجربة، والحرص على إبقائها واستمرارها ورفدها بالكوادر القادرة وإحاطتها بالعناية الفائقة من كل الحريصين عليها ومحبّيها.
لم أنس ولن أنسى اليوم الأخير من أيام كل مخيّم شاركت فيه. فقد كان مشهد الوداع في كلّ مرة مؤثّراً وقاسياً. تكفهر فيه الوجوه ويجهش فيه الجميع بالبكاء، وترى العيون لامعات تحكي عن أمل اللقاء والبناء.
يدفعني هذا المشهد في كل مرة يُذكر فيها المخيّم أمامي إلى أن أوجّه نداء ومناشدة لكلّ المعنيين والمسؤولين عن المخيّم، بأن يحافظوا عليه ويكونوا أمينين على استمراره، وأن يبعدوه عن الحسابات والاصطفافات والمصالح الضيقة مشكورين… والتاريخ للجميع وبينهم.
عضو الهيئة الإدارية في مخيّم الشباب القومي العربي سابقاً