تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
صوّت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52 لصالح معسكر الخروج، و48 لصالح معسكر البقاء، وأمر الخروج الآن والذي سيستغرق وقتاً قد يصل إلى عامين حسب اتفاقية لشبونة متروك لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والذي يبدو أنه استعجل الرحيل على ضوء النتائج، حيث قدّم استقالته، وكانت قضية الخروج أو البقاء في الاتحاد الأوروبي قد أثارت جدلاً واسعاً في الأشهر الأخيرة بين المؤيدين والمعارضين، ولعلّ هذا الجدل المحتدم سببه بالأساس هو السطوة الألمانية على الاتحاد الأوروبي، والمحاججة القوية عند المعارضين بأنّ هذا الاتحاد يحتضر وبحاجة إلى حملة إنعاش قوية، والهدف منه بالأساس، أن يكون هذا الاتحاد كتلة وازنة اقتصادياً وسياسياً تنافس أميركا وروسيا، ولكن هذا الهدف المرجو لم يتحقق، حيث أنه التكتل التجاري الوحيد الذي لم يسجل أيّ نمو تقريباً.
الانقسام حول البقاء والخروج بين التيارين المؤيد والمعارض كان حاداً وكبيراً، وصل حدّ العنف بقيام أحد المتطرفين اليمينيين البريطانيين بطعن النائبة البريطانية جو كوكس حتى الموت، لمواقفها الداعمة لبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أنّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يقف على رأس الفريق الداعم للبقاء، وقد حاول هو وفريقه والأحزاب التي تدور في فلكه أو المؤيدة للبقاء، استخدام كلّ قدراتهم ونفوذهم، لجعل التصويت مع البقاء من خلال إشاعة مناخ من الخوف من المجهول واحتمالات خسارة ملايين الوظائف وفقدان المكانة المميّزة للمملكة المتحدة في الأسواق المالية العالمية في حال الخروج من الاتحاد، الأمر الذي قد يؤدّي إلى انتشار البطالة وتراجع الأجور واضطرار الحكومة إلى زيادة الضرائب وتقليص الخدمات العامة.
في المقابل، يقول الداعون إلى الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، وهم يمثلون أطيافاً سياسية مختلفة يمينية ويسارية، إنّه آن الأوان لاستعادة «إستقلال» البلاد من أيدي بيروقراطية واحتكارات الرأسمال العالمي، وكذلك العمل على وقف الهجرة، والعمل على إعادة توجيه الأموال والثروات البريطانية من أجل بناء المؤسسات العامة والاقتصاد البريطاني الذي يشهد تباطؤاً في النمو الإقتصادي، وأيضاً يطرحون بأنّ السيطرة على القرار هي لدول منطقة اليورو، ويحظى القرار هذا بتأييد ودعم الفئات المهمّشة والمزارعين وأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، والذين يقولون بأنّ البقاء هو لمصلحة الشركات الكبرى والمحتكرة.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان له تأثيراته المباشرة على الجنيه الاسترليني، حيث انخفضت قيمته 10 ، وهي النسبة الأعلى منذ 31 عاماً، وكذلك يرجح خبراء ومختصون ومحللون اقتصاديون بريطانيون ودوليون، بأنّ هذا الخروج سيلقي بظلاله وتأثيراته على الاقتصاد البريطاني من حيث زيادة نسبة الفقر، وحسب تقرير البنك الدولي فإنّ خروج بريطانيا، سيكلفها خسارة قدرها 224 مليار جنيه استرليني، اتفاقيات منطقة التجارة الحرة، وكذلك سيؤدّي ذلك إلى انكماش اقتصادي في الاقتصاد البريطاني يبلغ 1.4 بحلول 2019، ناهيك عن فقدان بريطانيا لقدرتها على التأثير في الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي والسياسي.
التداعيات لن تكون على مستوى بريطانيا الداخلي، بل هذا سيطال بتأثيراته مجمل الاتحاد الأوروبي، من شأن هذا القرار الذي اتخذه الشعب البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي أن يضع مسألة استقلال أسكتلندا مرة أخرى على جدول الأعمال. والواقع أنّ كثيرين في اسكتلندا ممن يدافعون عن الاستقلال سيجادلون من أجل أن تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي – وهو امتناع شعبي من المتوقع أن يؤدّي إلى التصويت لصالح الانفصال عن المملكة المتحدة. وعلى أقلّ تقدير، لا يرحب الأميركيون بنقاش صعب مع قادة اسكتلندا على إمكانية تمركز الأسلحة النووية والغواصات على أراضيها في الوقت الذي أشارت فيه إلى روسيا مرة أخرى كمصدر تهديد لأوروبا.
ومن غير المرجح أن يتوقف التقسيم عند هذا الحدّ. فما يحدث في اسكتلندا يمكن أن تكون له تداعيات عبر ما تبقى من المملكة المتحدة المجزأة. وعلى وجه الخصوص، فإنّ مغادرة بريطانيا العظمى الاتحاد الأوروبي وخروج اسكتلندا من المملكة المتحدة سيؤجّجان التوترات في أيرلندا الشمالية بين مؤيّدي بريطانيا الاتحاديين والجمهوريين الذين يسعون للانضمام إلى إيرلندا، انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على مستقبله، فانسحابها سيشجع دولاً أوروبية أخرى، على أن تحذو حذوها فتنفصل من الاتحاد الأوروبي، وأبرز مثال على ذلك، أنّ مسألة الخروج من الاتحاد تناقش حالياً في هولندا، وسحبت سويسرا طلب انضمامها إلى الاتحاد الذي كانت قدّمته عام 1992، وكذلك فإنّ المسألة لن تقف عند هذا الحدّ فالدول الأفقر والأضعف والتي شهدت احتجاجات شعبية واسعة طالبت بالخروج من نطاق دول اليورو كاليونان واسبانيا والبرتغال وايطاليا، حيث اعتبرت ما يسمّى بسياسة ووصفات التقشف التي وصفها البنك وصندوق النقد الدوليين لها، هي بمثابة هيمنة وإفقار لدولها وتدمير لاقتصادها لعشرات السنين المقبلة، ولذلك ستجد في بريطانيا وخروجها نموذجاً يُحتذى به.
قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي لم يحدث في فراغ. وفي الواقع، لا يمكن للتوقيت أن يكون أسوأ إذ تواجه أوروبا مسبقاً عاصفة من الصعوبات المالية ونمواً اقتصادياً هزيلاً. وتدفق أعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين وتجدّد الصراع مع روسيا، بعدما استعادت مكانتها الدولية عسكرياً واقتصادياً. وكأنّ ذلك لم يكن كافياً، فهناك أزمة منطقة الشرق الأوسط والتغيّر المناخي والإرهاب.
الولايات المتحدة الأميركية تدرك تماماً بأنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون له تداعياته الكبيرة على الولايات المتحدة الأميركية، فهي تعتبر بريطانيا حليفها الاستراتيجي القوي في الاتحاد الأوروبي، اذ تعدّ بريطانيا أهمّ شريك للولايات المتحدة تعوِّل عليه في كثير من الأحيان لدعم مواقف تتفق مع مصالحها في بروكسل، كما سيعزز نفوذ معسكر الدول الأوروبية الشرقية، خصوصًا ألمانيا، على حساب الدول الأوروبية الغربية، فضلاً عمّا سيلحقه خروج بريطانيا من الاتحاد من تراجع دورها ومكانتها على الصعيد العالمي، الذي قد يؤثر سلباً على التوازن الدولي والمصالح الأميركية في العالم، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد صعود قوى عالمية مثل الصين وروسيا وتشكيلها.
فور نجاح التصويت بالانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، كانت ردود الفعل من الدول القوية في هذا الاتحاد، تشير إلى مدى ما سيلحقه هذا الخروج من ضرر على مستقبل هذا الاتحاد، والذي قد يصل حدّ التفكك الكلي، فقد عقب نائب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على نتائج الاستفتاء بعبارة «إنّه يوم مشؤوم لأوروبا»، بينما رآها وزير الخارجية البولندي «أنباء سيّئة لأوروبا وبولندا».
أما فرنسا فقالت على لسان وزير خارجيتها إنّ ما حصل «يوم سيّئ لبريطانيا وأوروبا ستستمرّ، لكن عليها العمل لاستعادة ثقة شعوبها».
من جانبه، أعلن البيت الأبيض أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما سيبحث مع كاميرون نتائج الاستفتاء.
Quds.45 gmail.com