عودة «الفلوجة»… الفجر نصراً

نظام مارديني

تذكِّرنا عملية تحرير الفلوجة بالكامل بتلك الروايات عن الملاحم الحربية القديمة والمعارك الضارية التي سجّلها التاريخ، ولعلّ أهمها تلك المعارك التي قادها والانتصارات التي حققها القائد العسكري هنيبعل، وهو القائد الذي لا تزال خططه تُدرَّس في معظم الأكاديميات العسكرية في العالم حتى الآن.

وما كان لمعركة الفلوجة أن تحقق انتصارها، رغم كثرة الخنادق المضادّة لها، لولا ذلك الوعي الجمعي العراقي الذي قاد إلى استعادة المدينة وتحرير جولانها. وأتت حصيلة هذا الوعي الجمعي ثمارها بعد تعاون العراقيين في كشف خنادق «يهود الداخل» الذين كانوا يريدون السوء بالعراق.

طرّز الجيش نصراً عراقياً ممهوراً باسم كلّ عراقي وعراقية، وخاض حرباً مفتوحة قاسية في اتجاهين: أولاً، في اتجاه استعادة الفلوجة بعد استئصال الغدة السرطانية «داعش» من خلال عمل عسكري بطولي، وثانياً، في اتجاه مواجهة حرب قذرة ضدّ الجيش العراقي والحشد الشعبي، استُعملت فيها كلّ وسائل الدهاء والمكر، على الصعد المذهبية والطائفية والعرقية والإعلامية، وكأنّ جميع العراقيين أعداء لبعضهم البعض، يخافُ أحدهم الآخر حتى داخل الطائفة الواحدة والجماعة الواحدة.

هكذا نجح الأميركيون في تكريس الطائفية والعرقية بعد غزوهم العراق واحتلاله عام 2003، فأصبح لكلّ جماعة خندقها، وكلّ خندق يدّعي الدفاع عن الفلوجة، والأخيرة منهم براء.

أسقطت معركة الفلوجة القناع عن هؤلاء الذين تبيّن أنهم يخافون على «الدواعش» أكثر من خوفهم على الجيش العراقي، رغم أنّ هذا الجيش وطني ويضمّ شرائح المجتمع كافة، وقد أصابت أصحاب «الماسك» والرؤوس واللغات والأمكنة والأزمنة الفارغة، لعنة الخوف من الانتصارات التي تحققت بسبب انتمائهم إلى تلك الكائنات السرطانية التي ساعدوا على إيجادها لأسباب طائفية، بدعم وتمويل سعودي وتركي، وبرعاية أميركية.

وهكذا يقف العراقي أمام طرفي معادلة متناقضة أو متنافرة القطبين: جبهة أمنية يقودها الجيش، بمؤازرة الحشدين الشعبي والعشائري، حيث ينتزع من مخالب «داعش» تراب العراق شبراً شبراً، وجبهة تحاول حماية هذا التنظيم الإرهابي بكلّ «كبرياء وإباء» وهي جبهة مفكّكة ويعتريها الهزال.

مع الشروع في معركة تحرير الفلوجة كان العراقيون أمام نباح كثير أطلقه البعض من الداخل أو الخارج وهم يصوِّرون المعركة وكأنها ثأر طائفي حيث «السُنّة يُذبحون ويُبادون»، ولكن فات هؤلاء أنّ دموع التماسيح التي ذرفوها كانت مجرد كذبة ورياء، فأهل الفلوجة هم عراقيون ومن الواجب إنقاذهم من مخالب الوحش الطائفي ـ المذهبي.

الآن، سيلوذ خفافيش «داعش» من السياسيين بالصمت بعد انتصار الفلوجة، ولكنه صمت من يستعدّ لعرقلة عمليات الجيش في معركة الموصل التي أصبحت استعادتها مسألة وقت.

لأصحاب السواعد الذين يصنعون النصر نقول: أنتم وحدكم من ترسمون فجر العراق الجديد.

ولأصحاب الدعاية الطائفية نقول ما قاله الأمين هنري حاماتي: «كلّ طائفي خائنٌ بالقوة حتى تثبت خيانته بالفعل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى