تركيا و«إسرائيل»: مصالحة بتكتيك مزدوج
روزانا رمّال
قياساً لسير العلاقات السياسية والأمنية في المنطقة وأحداثها المتسارعة تبقى العلاقة التركية «الإسرائيلية» ضبابية لجهة إعلان عام عن قطيعة وتشنّج منذ حادثة سفينة «مرمرة» الشهيرة من جهة ومواصلة التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي الغير مباشر من جهة أخرى في سنوات القطيعة المفترضة، واذا كانت المفاوضات حول تعاون حالي قد أنتجت إعلاناً عن مصالحة واضحة المعالم فإنّ توقيت هذا التطور يدخل مرحلة حساب سياسي شامل يتحكم بمواقف كلّ من تل ابيب وأنقرة الحديثة.
يعلن مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو أمس عن تأجيل توقيع اتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا الى اليوم بعدما كان مقرّراً امس، ما يوحي بوضع اللمسات الأخيرة حول الموقف الذي بث كخبر استطلع فيه الطرفان التفاعل جساً لنبض الرأي العام الذي بات ناضجاً لاستثمار عودة العلاقات مجدّداً، اللافت في هذا الإطار انّ رئيس حزب العدالة والتنمية الجديد بن علي يلدرم كان قد أعلن الأسبوع الماضي عن نية تركيا التوجه نحو سلة مصالحات مع دول الجوار التي تأزمت معها العلاقة وتطوّر الموقف سلباً حتى القطيعة نتيجة الأزمة السورية، وهنا تحضر روسيا كأول دولة تلاحق تركيا ملف المصالحة معها بكلّ اهتمام حسب ديبلوماسيين أتراك أعلنوا مراراً عن نوايا مدّ اليد للعب دور فعّال في المفاوضات بين الطرفين، لكن ما لم يكن وارداً ان تكون اول الدول التي تلجأ تركيا لحلّ الأزمة معها هي «إسرائيل»، وهي التي لم تدخل اصلا تحت عنوان العداوة بسبب سورية.
على ايّ حال اتخاذ الطرفين قرار المصالحة والإعلان عنه لا يقرأ إلا لجهة الاصطفاف السياسي الجديد الذي ترغب كلّ من أنقرة وتل أبيب تقديمه للاعبين الإقليميين والدوليين، وهنا من جهة الجانب التركي فلا يمكن اعتبار انّ ايّ خطوة له اليوم تفوق بأولويتها على الملفّ الأهمّ لجهة المحافظة على الأمن القومي للبلاد المتمثل بملف «دولة كردية» تعيش أنقرة هاجسها وتأخذ حسابات الميدان على أساسها نحو كلّ ما هو مفتوح، وبالتالي فإنّ ايّ ربط للهمّ التركي بالتحوّل السياسي يعني كتحصيل حاصل ربط أكبر معارك سورية وأهمّها فيها وهي معركة حلب التي ستحسم المصير السياسي للاعبين على أرضها بشكل أخير ليتطوّر الحساب ويصبح السؤال الأبرز عن علاقة «إسرائيل» بمعركة حلب وعن أسباب الإعلان الرسمي عن مصالحة باتت ضرورة بالنسبة للجانبين، وبالتالي فهل هذا يعني انّ العلاقات الرسمية هنا ضرورة لملف تفاوض ما لا يمكن ان يحسم بدون حلّ العقدة القديمة وحلحلة الملف؟
ليس جديداً الحديث عن علاقة تركيا بالملف الفلسطيني اولاً وقدرتها على لعب ناجز وفعّال بالملف الفلسطيني بقدرتها على السيطرة على موقف حركة الحماس التي تندرج ضمن إطار حركة الإخوان المسلمين الذي يجمع العدالة والتنمية في تركيا بإطاره، بالتالي فإنّ استفادة «إسرائيل» العلنية من هذه المصالحة هي حاجة إذا كانت نية تركيا استثمار المفاوضات الفلسطينية كجزء من دور جديد لها يستبق المفاوضات النهائية، هذا من جهة الاستفادة من الملف الفلسطيني الذي تبدو التوجهات الفرنسية والمبادرات مهتمة بحيثياته.
ثانياً، يبدو الإعلان عن المصالحة بين تركيا و»إسرائيل» رسالة مباشرة الى حلف روسيا وإيران وسورية الذي تحاول تركيا استنفاره لجهة الصمود ودعم المجموعات المسلحة وهي التي لم تقدّم حتى الساعة ايّ نية للتعاون ميدانياً لجهة تقديم المساعدة للمسلحين والاستمرار بالسماح لها بتسيير أعمالهم عبر حدودها المفتوحة لهم بشكل مريح وكامل، وهما أمران سبق وطلبتهما موسكو من أنقرة تبريراً لنوايا واضحة تريد الأخيرة إظهارها، خصوصاً بعد مطالبتها المصالحة مع روسيا من دون ان تقدّم ايّ ضمانة تؤكد انّ الأمر ليس مناورة تركية.
الحشد في حلب اليوم تحدّث عنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في تأبينه القيادي الشهيد مصطفى بدر الدين، كاشفاً عن انّ زخماً اميركياً قد ضخّ على أرض المعركة، ما يعني انّ حلفاءها وبينهم تركيا قدّموا المزيد من التعاون من دون ايّ إيحاء بصحة نوايا أنقرة المصالحة مع روسيا والالتقاء عند نفس الهدف، وكلّ هذا يؤكد المزيد من صحة قراءة موسكو للمناورة التركية، وبالتالي تأتي المصالحة مع «إسرائيل» كنوع جديد من الحشد القادر على الضغط على خط المفاوضات أولا والمعارك الميدانية من جهة أخرى، فلإسرائيل ملفات حدودية أمنية متشابكة قصدت روسيا على أساسها لتأمين نوع من الضمانات.
زيارات رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو المتكررة إلى روسيا وقبلها زيارة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين واللقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تؤكد على حاجة «إسرائيل» إلى الدور الروسي كضامن لتحرّك حزب الله تحديداً على جبهة الجولان، وهو تأكيد على يقين «إسرائيل» لدور روسيا الهامّ في هذا الإطار.
المصالحة التركية الإسرائيلية تحمل شراكة ثنائية الفائدة للطرفين، لكنها قادرة على خرق التعقيدات لاختتام الأزمة السورية بلحظة بداية التسويات، وهنا فإذا كانت «إسرائيل» بدورها قادرة على تقريب وجهات النظر بين تركيا وموسكو، فإنّ الضمانة التي تطلبها تل أبيب تصبح قابلة للصرف اذا أثبتت بحلفها الجديد مع أنقرة نية ضبط الحدود والمشاركة بمكافحة الإرهاب، وهذا الحديث هو آخر مراحل الأزمة التي لم تبدأ حتى الساعة.
زخم جديد يضاف على الأزمة السورية عبر المصالحة التركية ـ «الإسرائيلية» بتكتيك ذات أبعاد مزدوجة.