الرسم على الماء

شهناز صبحي فاكوش

في زمن الجنون كيف يمكن أن تحافظ على عقلك، وكلّ ما حولك يدور عكس عقارب الساعة… تبحث عن الخير فلا تجد إلا غربان الشرّ تحوم حولك، تنعق على الأشجار العالية.. تبحث عن الحياة، فلا تجد مبتغاك بين أكداس الموت المرعب..

تبحث عن النقاء فلا تجد إلا الضباب، يحول بينك وبين الحقيقة المتوارية خلف جدران وعوالق، زرعها الحاقدون في دربك.. تسعى إلى انتشال ما يمكن إنقاذه من بقايا الأخلاق الحميدة.. في زمن الفساد المتفشي، فتجد ريشتك ترسم على الماء..

الأزمة في طولها الزمني، وعرضها المنتشر في أزقة الوطن وزواريبه، أصبحت مرتعاً للحيتان كي تتورّم أكثر.. وللأفواه كي يزداد يباسها بجفاف الحلوق.. وأصبح المنافقون والموتورون هم رافعو سيوف الإنقاذ خلف الخسة والمتاجرة بكلّ محرّم..

هي جرائم موصوفة بدءاً من بورصة لقمة عيش المواطن.. وانتهاءً بدعم ظاهر وخفي لأعداء الوطن.. مروراً بابتزاز البعض للبعض خاصة في المناطق الساخنة. بين سماسرة وتجار أنواعهم وأشكالهم ووصوفاتهم مختلفة الألوان والمضمون واحد.

وطن بأهله وكلّ المتمسكين به محبة وعشقاً لا منّة ولا تكسّباً.. علَّمَ أيوب قوة الصبر والاحتمال.. لكن المصيبة إنْ بدأ يشعر أنّ كلّ ما حوله يتخلى عنه.. وهو يتشبّث بتلابيبه أكثر وأكثر، حتى ليلتصق الجلد بالتراب.. تُرباً وتِبراً مع ياقوتة الدم الأحمر..

زمنٌ متغيّراته تحملك إلى عوالم تشعرك أنك الغريب في مكانك.. جانٍ ولست مجنيّاً عليه.. سجانٌ ولست أسير حبك لأرضك رغم عذاباتها.. تدور في عشّ الدبابير ومساحات الجنون، لكنك في النهاية عاشق مَلِكٌ في حب بلادك بلا صولجان ولا تاج.

البنتاغون يتجاذب التصويت على ضربة لسورية.. وكأنها مصدر قلق لأمنه القومي.. والحقيقة أنّ بلادهم واستخباراتهم، هي مصدر كلّ جرائم عصابات الإرهاب العابث والموت المتجوّل في بلادنا، ولا تقلّ خسة عن عورات فيه تكشفت وظهرت بشاعتها.

ضمائر عفنة لم تحمل بندقية لكنها تنال من كرامات الناس، حين تسهم في طعنه وهو مبتسم في غفلة منه.. تنتفخ أوداجهم وهم يتحدّثون عن القيم والثبات والأخلاق.. وفي المقلب الآخر يتفاقم فيهم الفساد بدلاً من أن يتراجع لمصلحة الوطن والمواطن.

الإرهاب يخرق الهدنة، المصالحات ليست كاملة البراءة. الأصدقاء تثبت مواقفهم. الأعداء يدورون زواياهم في موضع.. وتزداد أسنة حرابهم في مواقع أخرى.. تخفّ حرب الإعلام ضدّ سورية من قنوات الخليج والناطقون بألسن حكامها يلجمون..

سورية باقية وقائدها منتصر. شعبها صامد وتضحياته أعظم ما يسجله التاريخ، أما من ناصبها العداء من حكام، فطابور زوالهم ما زالوا فيه مصطفّين كلّ ينتظر دوره.. رفعوا أصواتهم ضدّها وكادوا لها سخرت لهم المنابر المجلجلة.. واليوم أين هم؟

دواعش ونصرة وفيالق، جيوش مختلفة الأسماء والوصوف، كلها تعبث في مصيرها وتحاول التحكم بمصائر أبنائها.. يغذيها الحاقدون والخارجون عن القانون ودول لم تحتمل أن تراها في المقدّمة.. لكنهم مخفقون وهي باقية منتصرة.. وهم زائلون..

وهذا لا بدّ ينطبق على كلّ من يكيد لها من دواعش الداخل، ونصرة الفساد، وأفراد ومجموعات الانتهازيين، الذين يستفيدون من الحالة التي تعيشها البلاد وظروف العباد،ة حيث تطفو الطحالب.. وأما الثمين فيبقى في قاع البحر ينتظر الغواص الماهر.

اليوم نحتاج إلى وعي يؤسّس لإعمار العقول، ويؤثث أرواحاً نقية، بعيدة عن خلط المفاهيم، ناصبة لميزان المقاييس العادلة.. رافضة القيم المشوّشة، وأشهاد الزور، حيث لا أرض مستباحة.. ولا مجازفة بمصير وطن، وشعب أعطى كلّ ما يملك..

نحتاج قوة القرار. وصوابية رأي من يسهم فيه، وصدق المعلومة، وقراءة الماضي. ودراسة دقيقة للحاضر، الذي ينبئ عن المستقبل الذي نريده نقياً صافياً زلالاً.. فيه بياض الثلج وصفاء حقول السنابل ونقاء لأكسجين، وإلا فنحن نرسم على الماء..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى