ماما أميركا وجلابيب دواعيشها والباديشاهية الحديثة

محمد احمد الروسان

صحيح أنّه لا أصدقاء دائمين ولا حلفاء إلى الأبد وإنّما مصالح ومصالح فقط في العلاقات بين الدول والساحات السياسية، وهذا مسار ومؤشّر يشي بأنّ السياسة كمفهوم وطريقة حياة وعيش هي مثل الشلوخا ، فما يجري في المنطقة العربية والشرق الأوسط وفي أوكرانيا، هو نتاجات ثمار السياسة الخارجية الأمريكية، ومحركات الأخيرة أي السياسة الأمريكية منظومات بلا أخلاق ولا احترام لقواعد القانون الدولي وبدون إبداعات، أنّها سياسة قائمة ضمن حزمة تكتيكات ما يُعرف باسم سلاح الصدمة والترويعSHOCK AND AWE والذي يعرّفه الاستراتيجيون العسكريون والخبراء، على أنّه سلاح يعتمد على الاستخدام المفرط للقوّة بهدف شلّ قدرات الخصم على إدراك ما يحصل في ساحة المعركة بقصد هزيمته، وهذا ما شبّت عليه دواعش الماما الأمريكية البلدربيرغيّة.

ولندخل في جولات أفق من التساؤلات السياسية والعسكرية والاستخباراتية في ما جرى ويجري وسيجري لاحقاً في وعلى جلّ المشهد العراقي، من لحظة التخلّي عن المالكي رئيس حكومة تصريف الأعمال الآن، ولحظة كينونة توافق الضرورة المشتركة على خطوط علاقات طهران واشنطن السعودية مصر لبنان قوى الثامن من آذار في تسمية حيدر العبادي رئيساً مكلّفاً للوزراء في العراق. والى حدّ ما لا يمكن أن نقول إنّ الفرز المذهبي للمنطقة قد انتهى وسقط وولّى بغير رجعة لصالح الفرز السياسي الاستراتيجي، وإنْ كان الأخير يسير على خطى التجذّر ويسحب من رصيد الأول الفرز المذهبي ، ومن يقول غير ذلك فهو من باب الترف الفكري الرغائبي المربوط بحلّ غيبي.

فهل يمكن اعتبار القبول والترحيب الإيراني بتسمية حيدر العبادي رئيساً للوزراء والتخلّي عن نوري المالكي بمثابة المدماك الاستراتيجي الأول في رسم الحلول السياسية لجلّ المشكلة البنيويّة ليس في العراق فقط بل وفي المنطقة ككل؟ وهل هناك استعادة لشراكات سياسية أمريكية كاملة مع إيران من الزاوية البلدربيرغيّة الأميركية في الداخل العراقي والمنوي إعادة لا أقول هيكلته بل هندرته من جديد؟ هل ما زال المالكي قادراً على تحريك مفاصل الشارع العراقي المذهبي لصالحه لاحقاً وبعد سحب ترشيحه؟ وهل في تعهّدات العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي في إرسالها للسلاح لحكومة إقليم كردستان، وإرسالها الفعلي لأكثر من مائة وثلاثين خبيراً عسكريّاً واستخباراتنا لمعرفة الاحتياجات ولمحاربة دواعشها أبناء السفاح بين أصولها وفروعها وأبناء الزنا مع آخرين من بعض عرب كخراف شرق أوسطية وبعض غرب كذئاب أوروبية، وفي ذات الوقت تطلق الماما الأمريكية دواعشها في كلّ العراق وضدّ كلّ العراقيين وتمتنع عن إرسال السلاح للجيش العراقي حتّى اللحظة، فهل يمكن اعتبار تموضعات كلّ ما قيل في هذا التساؤل بالذات، بمثابة سعي الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام الأكراد في شمال العراق بطريقة استراتيجية الفوضى الخلاّقة وخلق «إسرائيل» جديدة في الشمال العراقي بتوظيف لخمسة عقود من العشق الممنوع بين أربيل وتل أبيب؟

إلى أيّ مدى يسعى البلدربيرغ الأمريكي جنين الحكومة الأممية عبر الرئيس أوباما الصدى ، يريد التحكم بقواعد لعبة الحرب الداخلية في العراق وعبر مخطط استراتيجي يعيد انتاج الوجود الأمريكي في العراق، وعبر البدء برؤية عسكرية بسيطة يسيطر فيها من الجو ويوزّع خلالها مصادر القوّة الناريّة على أي طرف ضدّ مصلحة الطرف الآخر في الجغرافيا العراقية وتقسيماتها الديمغرافية؟ بعبارة أخرى هل يريد البلدربيرغ وعبر أوباما كقائد عام للجيش الأميركي، أن يرسم الحدود الجغرافية وتعرّجاتها في الديمغرافية العراقية لدولة دواعشه؟ ثمّ يعمل على توجيهها حين يرغب لتقتل وتدمّر في المكان الذي يتناسب مع رؤية البلدربيرغ في تقسيم العراق وتفتيت قدراته وتاريخه، بهدف تحويله إلى إمارات الطوائف الصغيرة المتقاتلة ليحقق مصالحه في العالمين العربي والإسلامي خدمة للكيان الصهيوني ولبعض العرب والمسلمين المتصهينين بثمالة مثلاً؟

يقرّ بعض المراقبين ومعهم كثير من السياسيين أنّ حيدر العبادي هو نتاج عملية المحاصصة الطائفيّة نفسها والتي جاء منها المالكي ولثمان سنوات، وهو أيضاً نتاج شراكات نفوذ بين واشنطن وطهران، ويرتكز العبادي إلى منظومات وُسِمَت بضم الأول وكسر الثاني وفتح الثالث بالفساد، وهي نفسها التي ارتكز إليها المالكي لدورتي حكم، ويرى فيه الكثير من المراقبين بأنّه شخصية غير كاريزميّة مثل المالكي بل أضعف من المالكي، ولا يملك مفاتيح مساحات النفوذ الأمني والعسكري، وانْ تمكّن من تشكيل حكومة، بل وذهب البعض من هذا الفريق إلى القول إنّ المالكي قال لا كبيرة وصريحة وواضحة في البيت الأبيض للماما الأمريكية، في المضيّ في مشروعها لإسقاط الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي، فهل يجرؤ حيدر العبادي لقولها مجدداً مثلاً؟ والى أيّ مدى نسج المالكي سياسات خارج نطاق الرضا الأميركي مع النسق السوري ومع الرئيس الرئيس بشّار؟ وهل دفع المالكي أثمان وقوفه العميقة مع دمشق؟ ومعروف انّ المالكي رفض بشجاعة الاتفاقية الأمنية مع العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، والتي كانت تنص على بقاء المارينز نتاج ماء زنا المحارم مع توفير الحماية القانونية لهم، فهل تم تدفعيه الثمن أمريكيّاً وإخراجه إخراجا سياسيّاً وقانونيّاً ودستوريّاً إلى حدّ ما؟ كيف رأى البلدربيرغ الأميركي في صوغ المالكي لعلاقات تتعمّق مع روسيّا، وسعيه إلى إمكانات التوسّع العراقي في الإقليم وعلى حساب إصلاح الداخل العراقي، مع رؤيته في الأردن رئة عراقية وامتداداً عراقيّاً في رؤية قادته لإخراج مشاريع كبرى مثل خط البصرة العقبة للنفط والغاز معاً، خطراً استراتيجيّاً على مصالح الكيان الصهيوني ومصالح الأم الأميركية؟ وهنا من حقي أن أتساءل كمراقب وأردني، لأستولد تساؤلاً آخر من التساؤل السابق وهو: هل ضحّى وطني الأردني بمصالحه الاستراتيجية وخضع مع كلّ أسف للتكتيكات الأمريكية السعودية، مع تذكيرنا كيف كالت حكومة الأستاذ المحترم عبد الله النسور جلّ المدائح والمعلّقات النثرية لسياسات المالكي القومية نحو الأردن كنسق وشعب وحكومة وجغرافيا، ولم يجفّ حتّى اللحظة حبر المدائح الأردنية للمالكي ولحكومته؟ وكيف لنا أن نحسب معادلات التفاهم الإيراني الأمريكي والتقدم الملموس في مفاوضات 5 + 1 مع طهران في جنيفها النووي حيث قاد ذلك إلى الانقلاب السياسي بعملية قانونية صرف على المالكي؟

البلدربيرغ الأميركي عبر ذراعه المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي وحكومة البلوتوقراطية الأمريكية حكومة الأثرياء في الداخل الأمريكي حكومة الصدى البلدربيرغيّة، وعبر دواعش الماما والعم سام في الداخل العراقي، يريد رسم خارطة المنطقة من جديد بجانب تهجير بعض الجماعات قسراً، حيث تنظيم القاعدة والدواعش الأميركية في المنطقة والعالم، هي نتاجات الوهّابية، وهي كما أعتقد وأحسب أخطر على سلامة العقيدة الإسلامية وسلامة العلاقة مع الخالق من الصهيونية العالمية وأساءت للدين الإسلامي أكثر مما أساء له الأعداء وجلّ المتصهينين من عرب ومسلمين.

دواعش الماما الأمريكية حصلت على جرعات دعم سياسية من مواقف دول الخليج وبعض الدول العربية على إسقاط النسق السياسي في سورية، وكذلك على جرعات عسكرية ومالية من خلال السيطرة على عدد نوعي وكمي من سلاح الجيش العراقي في الموصل بالمناسبة كلّه سلاح أميركي ، وحصلت على كميات كبيرة من الأموال النقدية وتحصل على المزيد منها عبر تسهيلات الماما الأمريكية لها وغض الطرف عن الجهات التي تبتاع النفط منها، حيث الأموال تسمح لها بتعزيز تواجدها الإعلامي من ناحية وتجنيد مزيد من المقاتلين من ناحية أخرى، والدواعش تنطلق من الأراضي السورية والعراقية في رسم حدود دولة على أرض الواقع والعمل على تحويل الساحة اللبنانية إلى ساحة جهاد، بعد أن كانت ساحة نصرة وحديقة خلفية للتنظيم الإرهابي التكفيري.

فماذا عن الحواضن الفكريّة لدواعش الماما في الداخل الأردني؟ هل ستبقى ساحة نصرة أم تتحوّل إلى ساحة جهاد داعشي والعياذ بالله من الأم الأميركية وأبنائها أبناء الزنا مع بعض عرب وبعض غرب؟

وعموماً، أياً كانت الأسباب والمسبّبات التي أشعلت العنف في العراق، فإنّ معطيات نظرية المؤامرة الجارية حالياً في المناطق الايزيدية لا تشير بشكل مؤكد إلى أنّ السنة هم الذين يقومون باستهداف أبناء الطائفة الايزيدية، وذلك لأنّ المتمرّدين السنة أكثر اهتماماً بشنّ الهجمات ضدّ القوات الأمريكية، ولا يخفى على أحد دور الأيادي الخفية الأمريكية في إشعال الصراع السني- الشيعي في العراق، وعلى الأغلب أن تكون الهجمات الجاري تنفيذها حالياً ضدّ الايزيديين من أجل تهجيرهم من ديارهم، أو دفعهم إلى الارتماء في أحضان الحركات الكردية المرتبطة بإسرائيل وأميركا، هي اعتداءات بـ فعل فاعل يعرفه جيداً الجنرال الأمريكية تويتي قائد اللواء الرابع التابع للغرفة المجوقلة الأمريكية التي تتمركز حالياً في منطقة الموصل، وتمهيداً لترتيبات تسليم مسؤولية الأمن في المنطقة لقوات البيشمركة التابعة لحكومة كردستان الإقليمية.

الهدف الرئيسي من ضمّ مناطق الإيزيديين إلى كردستان العراقية هو اكتشاف وجود خامات اليورانيوم في هذه المناطق… إضافة إلى المخزونات النفطية، فضلاً عن أنّ سيطرة الحركات الكردية على مناطق الايزيديين تمهّد الطريق أمام الحركات الكردية المتحالفة مع أميركا وإسرائيل من أجل السيطرة على منطقة الموصل، وتفريغها بالكامل من السنة.

انتصار مجتمع المقاومة

أما لجهة العدوان الحالي على غزّة وانتصار مجتمع المقاومة في الداخل الغزّي وما بعده في المشهد العراقي، ثم مقترح مشروع التعديلات الدستورية الأردنية والتي كانت مفاجئة للجميع ودون مقدمات، ثم الاستعجال بتشريعها مفاجأة أخرى لا تقلّ عن المفاجأة الأولى، فالي أيّ مدى كان لميكانيزميات تطورات الإقليم والمنطقة ككل في الإسراع في ضرورة إخراجها سريعاً؟ وشيء عظيم وجميل للغاية أن تزداد الإدراكات القيميّة السلوكية، لمفاعيل وتفاعلات قرون الاستشعار السياسي والأمني والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والفكري والثقافي، لدى النسق السياسي لدينا ومؤسسة العرش تحديداً، ثورة يقودها الملك نفسه إزاء جغرافية وديمغرافية حكمه، بثلاثية الجيش والأمن والشعب، مع إثارة انتباه عميقة وقويّة لكافة المكونات وللجميع، من التعوّد على فتح الدستور كلّما دق الكوز بالجرّة حفاظاً على الاستقرار الدستوري الأردني.

وهنا نتساءل: هل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» كصراع استراتيجي، أو كما يسمّيه البعض بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي تمّ اختزاله بمشكل غزّة والعدوان البربري عليها؟ وصحيح أنّ البلدربيرغ الأمريكي والكيان الصهيوني يسعيان إلى حالة من عمليات تقنين الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، بحيث تعزل غزّة ومشكلها عن جلّ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، وإيجاد حلّ لها بمعزل عن موضوعات الحلّ النهائي على المسار الفلسطيني ـ «الإسرائيلي» وبمساعدة من سلطة رام الله وبالتدرّج وحبة حبة ينتهي كل شيء، مع إحياءات لمشروع كيري من جديد والذي تمّ إفشاله.

وهل نواة الدولة التركية الاستخباراتية والسياسية كانت على علم بالذي جرى في وعلى المشهد العراقي مؤخراً مثلاً؟ هل فعّلت أدواتها في الداخل بحيث أقنعت أكثر من ثلاثة عشر مليون تركي بمقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة لينجح أرودوغان، كونه لو شاركت لكانت النتيجة غير ذلك؟ هل هي رسالة تركية إلى السعودية والإمارات ومصر، حيث وصول أردوغان إلى سدّة الرئاسة يعزّز دور الإخوان المسلمين في المنطقة؟ النزاع بل قل الصراع سوف يصار إلى تظهيره بين أنقره والدوحة من جهة والرياض ومصر والإمارات وساحات سياسية أخرى من جهة ثانية؟

فهل نحن أمام حالة عميقة من إعادة تأهيل استراتيجي للدور التركي في المنطقة؟ فهل تعترض مثلاً الفدرالية الروسية على ذلك؟ وهل تتنشّط من جديد وتتعاون بعمق المخابرات الألمانية والروسية وتعود لسنوات التعاون السابق ضدّ الأدوار التركية في آسيا الوسطى بل وجلّ أوراسيا العظمى؟ وهل نشّط أردوغان استخباراته إزاء مجتمع الاستخبارات الجورجي المتحالف مع الأميركي وذكّر الجميع أنّه تركي من أصول جورجية؟

محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى