«قوات سورية الديمقراطية» المسار الخاطئ والمصير المجهول
العميد هيثم حسون
مع انتقال الأحداث في سورية من مرحلة التشبّه بالثورات إلى الحرب السافرة برعاية اقليمية ودولية مالياً وعسكرياً وسياسياً.
ومع نهاية عام 2011 ظهرت مجموعات مسلحة في مناطق مختلفة بأسماء مختلفة ولأهداف مختلفة، ولكلّ منه راع إقليمي أو دولي. وكان من تلك المجموعات من ينتمي لأحزاب سياسية كردية في الشمال السوري وبعضها حظي بدعم عسكري مباشر من الدولة السورية لحماية مواطني تلك المناطق.
تطوّرت الأمور وتطوّر معها هدف وعلاقات تلك المجموعات، لتأخذ اسم وحدات الحماية للشعب الكردي كبداية لظهور النوايا الخبيثة لقادتها ومتنت علاقاتها مع كردستان العراق ومن خلاله مع الاستخبارات الأميركية والبريطانية والفرنسية.
في هذا الوقت حصل حدثان في تزامن غير بريء ولا علاقة له بالصدفة وهما بدء هجوم «داعش» على عين العرب، والإعلان عن بدء ما سمّي التحالف الدولي لمحاربة «داعش» بقياده أميركية استهداف مواقع «لداعش» في العراق وسورية، بفاصل يومين فقط منتصف شهر ايلول 2014، ثم بدأت واشنطن بإسقاط المساعدات جواً للمقاتلين الكرد والتي وصلت مناصفة لهم و»لداعش» بخطأ مقصود.
واستمرّت تلك المعركة حتى نهاية شباط 2015، قدّمت فيها الولايات المتحدة الدعم الجوي والاستخباري واللوجستي وأجبرت تركيا على السماح بمرور مقاتلي البيشمركة عبر أراضيها، وقدّمت الدعم الناري للأكراد من داخل الحدود، ثم انتهت المعركة بالشكل الذي شاهده العالم، فحصلت الولايات المتحدة على شرف المنتصر الأكبر بنظر الكرد وسند القوي خاصة مع تلميحات لمسؤولين أميركيين تدغدغ أحلام وأطماع كردية.
في هذا الوقت بدأ الحديث عن الحاجة لقوات بريّة تعمل على الأرض السورية لدحر «داعش»، وبالتأكيد غير أميركية وكانت الخيارات محدودة بعد انفراط عقد ما سمّي «الجيش الحر» وعدم إمكانية التعاون العلني مع «النصرة» وحلفائها، فوجدوا ضالتهم بتلك القوات التي خرجت من عين العرب بنصر تمّ تضخيمه لتصويرهم قوة لا يشق لها غبار، ولكن كانت المشكلة في الهواجس التركية فتمّ التغلب على هذه العقبة بتغيير اسم تلك القوات لإزاحة الصفة الكردية عنها وتطعيمها ببعض المجموعات العشائرية التي تمرّدت باكراً على الدولة السورية مع مجموعات تتبع لـ»النصرة»، وهكذا صنعت ما سمّي «قوات سورية الديمقراطية».
وضعت الخطط لتجهيز تلك المجموعات وبدأت بتحقيق بعض المكاسب على حساب مجموعات أخرى، إلا أنّ الدخول العسكري الروسي المفاجئ وبزخم كبير في 30 /9 /2015، والذي أحدث انقلاباً في المشهد العسكري بمستوى استراتيجي، وتوّج ذلك المشهد بتحرير تدمر والقريتين وبدء التحضير الجدّي لعملية عسكرية باتجاه الشمال السوري، والخشية من انقلاب الصورة بشكل كامل. دفع الولايات المتحدة لبدء الاستخدام الجدّي لتلك القوات فوضعت لها هدفاً كبيراً بمستوى استراتيجي وهو تحرير الرقة في عملية واضحه لاستباق إعلان الجيش السوري وحلفائه هدفهم الحقيقي، وتمّت التهيئة الإعلامية بحملة تصلح للإعلان عن عرس لا عملية عسكرية لتحرير عاصمة «داعش»،
وتمّ نقل تلك القوات على وجه السرعة إلى شمال الطبقة، مع تمهيد جوي كثيف لتحقيق نصر عسكري وسياسي وإعلامي سريع على ذلك الاتجاه.
إلا أنّ تلك الحملة العسكرية فشلت بشكل كامل لعدة أسباب منها:
1 ـ عدم التكافؤ بين «داعش» وتلك المجموعات من حيث العدد والعتاد والخبرة القتالية.
2 ـ التحضير الرديء لتلك العملية نتيجة التسرّع.
3 ـ التفوّق المعنوي لصالح مقاتلي «داعش» المدرّبين بتقنيات عالية والمعزّزين بانتحاريّين وانغماسيّين بأعداد حسب الطلب مقابل مقاتلين اقلّ ما يُقال عنهم إنهم هواة ومبتدئين.
4 ـ الفارق الكبير في معرفة الأرض بين إرهابيّي «داعش» واولئك المقاتلين، مما أوقعهم فريسة سهلة في حقول الألغام والمفخخات والكمائن وكبّدهم خسائر فادحه قبل دخولهم أيّ معركة.
5 ـ هجوم المجموعات الأخرى على المناطق التي ينتمون إليها في شمال حلب، بعد أن أفرغت من الحماية جعل المقاتلين ينسحبون للدفاع عن بلداتهم.
هنا كانت الولايات المتحدة مجبرة على إلغاء تلك العملية ولكن بدون إعلان فقامت بتغيير الهدف تلافياً لإعلان الهزيمة واختارت هدفاً أقلّ أهمية وتجهيزاً وأصغر مساحة وأقرب إلى الحدود التركية، مع إمكانية أكبر للحشد العسكري واللوجستي، وهو بلدة منبج وتمّ تعزيز تلك القوات بمجموعات جديدة تابعة لـ»النصرة» ومجموعات محلية، وأنشأت غرفة عمليات ودخلت القوات الخاصة الأميركية والبريطانية والفرنسية والألمانية، ورافق ذلك حمله إعلامية لتصوير تحرير منبج، بأنها تشبه عملية النورماندي لتضخيم الانتصار إنْ حصل، وأيضاً لتبرير الفشل إنْ وقع. وتمّ التمهيد الجوي لتلك العملية بعشرات القاذفات لأيام عدة ومرافقة جوية لحركة القوات على الأرض وتدمير ممنهج لكلّ مقوّمات الحياة الاقتصادية والدفاع واتباع سياسة التهجير لتفريغ البلدة من سكانها الذين وقعوا بين نار المدافعين الذين اتخذوهم دروعاً بشرية، والمهاجمين الذين يريدون تحقيق نصر بأيّ ثمن، لأنّ الخسارة تعني نهاية طموحات الأكراد وضربة كبيرة لأهداف الولايات المتحدة في سورية.
مهما تكن النتيجة العسكرية لتلك المعركة فلن تكون «قوات سورية الديمقراطية» رابحة سياسياً لأسباب منها:
1 ـ لأنها أوجدت الأرضية المناسبة للاشتباك العسكري مع المجموعات الإرهابية المنتشرة في تلك المناطق لتنافرها فكرياً وسياسياً وعرقياً.
2 ـ بتبعية تلك القوات للولايات المتحدة وتحالفها مع «النصرة» فقد أصبحت في مواجهة مؤجلة مع الدولة السورية ليس عسكرية فقط بل أكثر من ذلك ربما.
3 ـ الولايات المتحدة أقامت قواعد استخبارية وعسكرية على الأرض السورية كجزء من أهدافها، وبذلك تكون مهمة «قوات سورية الديمقراطية» تحوّلت إلى حزام آمن لحراسة تلك القواعد.
4 ـ أخطأ القادة الأكراد عندما اعتقدوا بأنّ الولايات المتحدة يمكن أن تضحّي بشريك استراتيجي بحجم تركيا، لصالح مجموعة تؤمّن مصلحة تكتيكية مؤقتة
تنتهي الحاجة لهم بانتهاء تلك المصلحة.
أخيراً… إنّ هذه الحرب ستنتهي ولكن ليس كما ترغب «قوات سورية الديمقراطية» وحلفاؤها ومشغلوهم، وعندها ستجد تلك القوات بأنّها لم تربح بلح اليمن بل خسرت عنب الشام أيضاً.