ظواهر غير مألوفة في تاريخ الدول الغربية
حميدي العبدالله
على امتداد أكثر من مئتي عام، تناوب على الحكم في البلدان الغربية المتطوّرة صناعياً حزبان وحيدان. حزب يميني متطرّف، يتمثل في بريطانيا بحزب المحافظين، وفي الولايات المتحدة بالحزب الجمهوري، وفي فرنسا تجمع اليمين الذي يضمّ عدداً من الأحزاب اليمينية، وأحزاب «يمين الوسط» التي عُرفت في بريطانيا بحزب العمال، وفي الولايات المتحدة بالحزب الديمقراطي، وفي فرنسا بالحزب الاشتراكي، ويمكن القول إنّ الظاهرة ذاتها عمّت الدول الصناعية الأخرى مثل أستراليا وكندا واليابان، وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا واليونان.
وكان على امتداد أكثر من قرنين من الصعب على أيّ حزب أو تكتل سياسي آخر أن يكون له تأثير جدّي في الحياة العامة.
برزت بين فترة وأخرى أحزاب ثالثة، لكن ظلّ تأثيرها هامشياً، وحتى عندما انتصرت الثورة الشيوعية في روسيا وامتدّت بعد الحرب العالمية الثانية إلى أوروبا الشرقية، ظلّت السلطة في الدول الصناعية الكبرى بأيدي واحد من الحزبين التقليديين، ولم تقد الأزمات الاقتصادية التي نشأت على خلفية الحروب، بما في ذلك «الكساد العظيم» الذي حدث في ثلاثينيات القرن العشرين إلى هزّ سيطرة الحزبين التقليديين، أيّ اليمين ويمين الوسط.
لكن اليوم تبرز للمرة الأولى في تاريخ الدول الصناعية الكبرى ظاهرة جديدة تتلخص هذه الظاهرة بتحدّي وجود الأحزاب التقليدية. بداية نشأت هذه الظاهرة في هولندا والنمسا، وتمثلت بصعود اليمين المتطرف في فرنسا بزعامة لوبن وابنته، ولكن الظاهرة الآن اجتاحت أكثر الدول حصانة في وجه هزّ هذه التقاليد التي استمرّت حوالى أكثر من مئتي عام. فحزب الاستقلال الذي نال تأييد 52 من الناخبين البريطانيين وصوّت لصالح انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي شكل تحدّياً واضحاً للحزبين التقليديين، المحافظين والعمال. وظاهرة دونالد ترامب داخل الحزب الجمهوري، شكلت هي الأخرى نوعاً من أنواع التحدّي للقيادة التقليدية للجمهوريين، وقبل ذلك سجل انتصار حزب ثالث في اليونان على اليمين وعلى الاشتراكيين الديمقراطيين مؤشراً على هذه الظاهرة.
لا شك أنّ تحدّي الأحزاب التقليدية التي مثلت ودافعت عن مصالح الرأسمالية في الغرب، يشكل ظاهرة تاريخية جديدة تحدث للمرة الأولى في تاريخ الرأسمالية، وهي مؤشر على مرحلة جديدة غير مسبوقة تقتضي المزيد من الرصد والتحليل.