أردوغان يستعجل نهاية السلطنة العثمانية بعد سقوط الإمبراطورية الأوروبية تفجيرات التهجير للقاع تكشف مأزق داعش وجعجع… وتطلق استنفاراً وطنياً
كتب المحرّر السياسي
ثبت السقوط المدوي لعاصفة الشمال التي أعدّ لها الرئيس التركي رجب أردوغان بوضع مئات الآليات والمدافع بتصرّف جبهة النصرة وفتح الحدود لها لتمرير الآلاف من عناصرها المستجلَبين، بعد تزويدها بنوعيات جديدة من السلاح الغربي عبر السعودية، في ظل التطورات العسكرية التي يحملها الميدان السوري من مدينة حلب وجوارها، عن تقدّم عسكري بارز في محاور عديدة، وانكفاء هجمات النصرة بعد نجاح الجيش السوري والمقاومة والحلفاء باحتوائها، وعودة المشاركة الروسية في العمليات الجوية بفعالية عالية منذ زيارة وزير الدفاع الروسي لسورية وتوليه الإشراف على توجيه التعليمات اللازمة لسد الثغرات التي استفادت منها جبهة النصرة في تطبيق الهدنة.
لم تعد ثمة حاجة لمزيد من الانتظار، فقرر الرئيس التركي أن يبدأ التموضع على خط التسليم بسقوط مشروع السلطنة، وأوهام وأحلام العثمانية الجديدة، والعودة إلى مفاهيم تحتمي بشعار الأمن القومي التركي، فلا تذهب للتسويات، لكنها لا تقود الحروب، وتضع ثقلها لتفادي التوترات، فكلفة التطبيع مع «إسرائيل» بترويض حماس وقبول الحد الممكن من المكاسب مقابل الأمن «الإسرائيلي» تصير ثمناً مقبولاً، لمعونة «إسرائيلية» ضرورية لتخفيف خطر نشوء خصوصية كردية مسلحة على الحدود التركية السورية، والاعتذار من الرئيس الروسي عن إسقاط الطائرة الحربية الروسية قبل عشرة أشهر، بعد عناد ورهان على التصعيد، يصير ذلاً لا مشكلة فيه إذا كان الباب لتخفيض حجم الدعم الروسي للخصوصية الكردية، التي تموضعت في الحضن الأميركي.
يقرأ الخبراء الأتراك في كتاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي غير متأسفين على عدم الانضمام لكيان هش صار في طريق الزوال والتفكك فيتوجّهون بالنصح لأردوغان برسم خطوط الأمن القومي التركي بتخفيض التوتر مع الجوار وصولاً إلى مصر، ولو كان الثمن الخروج التركي من اللعبة الأخوانية. فقد قدمت تركيا لهذه اللعبة الكثير من رصيدها، وآن الأوان ليسدّد الأخوان بعضاً من فواتير الدين لتطبيع علاقات تركيا بروسيا وإسرائيل ومصر، مع التسليم بالحاجة الماسة لرسم سياسة جديدة تجاه سورية، بعد استكشاف حجم الاستعداد الروسي الإيراني للانفتاح والثقة بالتعاون مع حكام أنقرة.
فيما كان الأتراك يصيبون في يوم واحد عنواني المصالحة مع كل من إسرائيل وروسيا، كان السعوديون يشعرون بالعزلة فيطلبون وساطة فرنسا مع إيران، خصوصاً مع المعلومات الصحافية الفرنسية عن تفاهمات تمّت بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، تطال فوق المصالح الاقتصادية العليا بمقايضة معاملة الشركات الفرنسية في إيران كشركات مفضلة بمعاملة المصارف الإيرانية في فرنسا كمصارف صديقة، تفاهمات سياسية تتصل بالملفين السوري واللبناني بينما شككت مصادر مقرّبة من الرياض بالحديث عن قبول سعودي بوساطة فرنسية مع إيران وأكدت مطالبة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للرئيس الفرنسي بعدم التسرع بتطبيع العلاقات مع إيران، لأن ذلك سيكون على حساب العلاقات السعودية الفرنسية مبديا استعداد الرياض لتعويض فرنسا ما تتأمله من هذا التطبيع، فيما وصفته مصادر إعلامية فرنسية بالرشوة السعودية لتعطيل تفاهمات هولاند ـــ ظريف.
على خلفية الارتباك الدولي الإقليمي وسقوط المشاريع الإمبراطورية، وتقدّم حلف المقاومة في سورية نحو تثبيت مواقعه والتقدم نحو الإنجازات، بدا مأزق الذين راهنوا على سقوط سورية والمقاومة، مزدوجاً ومشتركاً، فقد جاءت التفجيرات المتتالية التي نفذها تنظيم داعش في بلدة القاع الحدودية، لتكشف حجم الحصار الذي يعيشه في ظل الطوق المحكم الذي يفرضه الجيش اللبناني من جهة والمقاومة والجيش السوري من الجهة المقابلة، وبين الفجر والليل تقدّم ستة انتحاريين ليقتلوا خمسة مواطنين، في صورة تعبر عن انتحار التنظيم ومشروعه ودرجة الضيق التي يعيشها، وسعيه لتهجير أهالي القاع والتمدّد نحو أرض يمكن العيش فيها، معتبراً أن البلدات المسيحية البقاعية هي الخاصرة الرخوة الممكن اختراقها وتهجير سكانها، بينما جاءت التفجيرات لتكشف درجة الحقد والكيد في توجيه خصوم المقاومة الداخليين، وفي مقدمهم القوات اللبنانية، التي سارع رئيسها سمير جعجع لتبرئة داعش من استهداف القاع، واعتبار الأمر مجرد صدفة جغرافية، قبل أن يتراجع عن تصريحه مساء، كاشفاً أيضاً حجم إرباكه وارتباك الحلف الذي ينتمي إليه محلياً وإقليمياً ودولياً أمام ما يجري في سورية، بالقدر ذاته الذي كشف فيه التلاقي في الخطاب الجامع بالعداء للمقاومة مع داعش.
لبنانياً، أطلقت التفجيرات مناخاً من الاستنفار الوطني الحكومي والعسكري والسياسي، كما حشدت أجواء التضامن والتأييد لأهل القاع وصمودهم، فصدرت المواقف المتتالية للقيادات السياسية تحفل بعبارات الاحتضان للقاع وأهلها، بينما يرتقب أن يكون الوضع في القاع موضوع لقاءات قيادية على مستوى عالٍ للقوى السياسية والحكومة والقيادات العسكرية والأمنية لوضع ترتيبات حماية ودعم تحول دون نجاح مخطط التفجير والتهجير.
مخطط إرهابي مزدوج في عيد الفطر
كانت القاع أمس بين تفجيرات الصباح والليل هدفاً للتهجير تمهيداً للاختراق وفك الحصار.
لقد أعاد هجوم الانتحاريين الأربعة في القاع التفجيرات الإرهابية إلى الواجهة مجدداً وسط تحذيرات أمنية من عمليات إرهابية قد تستهدف مراكز تجارية في بعض المناطق في العاصمة بيروت كأماكن السهر في مناطق الحمرا ومارمخايل والجميزة. وبانتظار ما ستكشفه التحقيقات ما إذا كانت العملية تستهدف بلدة القاع بذاتها أو محطة عبور إلى مناطق لبنانية أخرى، كشفت المعلومات أنّ الترجيحات الأولية تفيد عن احتمال باستهداف حافلتين تنقلان عسكريين وأن الجيش كان لديه معلومات عن عمل إرهابي وقد اتخذ إجراءات أمنية مسبقة. وأشارت مصادر أمنية لـ «البناء» إلى فرضيتين: الأولى أن القاع هي محطة للانطلاق نحو الهدف المحتمل أن يكون تجمّعات مدنية في الأسواق او إفطارات أو مراكز عبادة من مساجد وسواها أو مراكز أمنية. الفرضية الثانية أن القاع هي الهدف بحد ذاته، وأن المنزل الذي لجأ إليه الإرهابيون الأربعة صباحاً هو للانتظار والترقب للانقضاض ساعة الذروة إلى الهدف المرسوم»، مشددة على أنه من «المستبعد حصر الموضوع بفرضية واحدة»، معتبرة «أن مقتل الإرهابيين الأربعة لم يترك أي خيوط دليل للكشف عن المخطط».
ونقلت مصادر سياسية لـ «البناء» عن مصدر أمني بارز تخوّفه من أن تكون تفجيرات القاع هي البداية، وأعربت عن قلقها من مخطط إلهاء الجيش والقوى الأمنية على الأطراف والتسلل إلى الداخل»، كاشفة عن تحذيرات وصلت عن مخطط إرهابي مزدوج في عيد الفطر عند السنة والشيعة»، معتبرة أن الوضع الأمني غير مريح، فهناك أكثر من خلية نائمة غير مترابطة مع بعضها البعض لم تتكشّف بعد».
وفيما بلغت زنة كل حزام ناسف من الأحزمة الأربعة التي استخدمها الإرهابيون 2 كلغ من المواد المتفجرة والكرات الحديدية، لا تزال وجوه الانتحاريين الـ4 واضحة وقد تكون وسيلة للتعرف إلى هوياتهم. وكلّف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مديرية المخابرات في الجيش اللبناني والشرطة العسكرية إجراء التحقيقات الأولية. تفقد قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي بموازاة تحليق طوافة عسكرية في الجوّ مكان التفجيرات وغادر من دون الإدلاء بأي تصريح.
وبحسب بيان قيادة الجيش استشهد عدد من المواطنين وجرح آخرون بينهم أربعة عسكريين، بعدما أقدم أحد الإرهابيين عند الساعة 4.20 من فجر امس، على تفجير نفسه بحزام ناسف داخل بلدة القاع أمام منزل أحد المواطنين، تلاه إقدام ثلاثة إرهابيين آخرين على تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة في أوقات متتالية، وفي الطريق المحاذي للمنزل المذكور، وبحسب البيان، كان العسكريون الشهداء في عداد إحدى دوريات الجيش التي توجّهت إلى موقع الانفجار الأوّل. وقد فرضت قوى الجيش طوقًا أمنيًا حول المحلة المستهدفة وباشرت عملية تفتيش واسعة في البلدة ومحيطها بحثاً عن مشبوهين. كما حضر عدد من الخبراء العسكريين للكشف على مواقع الانفجارات، وتولّت الشرطة العسكرية التحقيق في الحادث.
ومساء أمس، استهدفت 5 تفجيرات انتحارية بلدة القاع البقاعية بالقرب من ساحة البلدة وكنيسة مارالياس بعدما تعرّضت فجراً لانفجارات انتحارية مماثلة. وحصلت الانفجارات أثناء الوقفة التضامنية التي نفذها أهالي القاع استنكاراً لانفجارات النهار، وأثناء التحضير لمراسم جنازة اليوم، وأسفرت عن سقوط عدد من الجرحى نقلوا إلى مستشفيات الهرمل والبتول والعاصي. وأعلن محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر منع التجول للنازحين السوريين في نطاق بلدتي القاع وراس بعلبك. ودعت قيادة الجيش أهالي القاع إلى عدم التجمع في أي مكان داخلها والتجاوب التام مع الإجراءات الأمنية التي تنفذها قوى الجيش للحفاظ على سلامتهم.
تحصين لبنان وتأمين مظلة للوضع الراهن
وأكدت مصادر عين التينة نقلاً عن الرئيس نبيه بري لـ «البناء» «أن ما حصل في القاع يجب ان يشكل حافزاً لتحصين وضعنا الداخلي»، مشيراً في الوقت نفسه إلى «أن الوضع الأمني لا يزال أفضل رغم عدم الاستقرار السياسي، الجيش والقوى الأمنية يقومان بدورهما، لكن ذلك لا يكفي وحده، فالأمن يحتاج إلى استقرار سياسي ويجب أن تكون انفجارات القاع عبرة للجميع للانتباه والإسراع لمناقشة كل القضايا العالقة وتحصين لبنان وتأمين مظلة للوضع الراهن من خلال التفاهم السياسي».
وأعلن رئيس مجلس الوزراء تمام سلام أن الوقائع التي كشفتها العملية الإرهابية تظهر طبيعة المخططات الشريرة التي تُرسَم للبنان وحجم المخاطر التي تُحدق بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة داخلياً وإقليمياً، وتؤكّد أهمية الحفاظ على أقصى درجات اليقظة والاستنفار لخنق هذه المخططات في مهدها. وأكد سلام في بيان له، أن هذه العملية الإرهابية تثبت أنّ استقرارنا مستهدف من قبل قوى الظلام، وأن سبيلنا الوحيد لتحصينه هو وقوفنا جميعاً صفّاً واحداً خلف جيشنا وقواتنا وأجهزتنا الأمنية في معركتها مع الإرهاب، وتعزيز وحدتنا الوطنية وتمتين جبهتنا السياسية الداخلية.
لبنان على رأس استهدافات الإرهاب
وأكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان أنّ الإرهاب الذي يجتاح المنطقة بجرائمه الوحشية، يضع لبنان على رأس استهدافاته، والتفجيرات الإرهابية في القاع وما سبقها من تفجيرات في مناطق مختلفة، تؤكّد هذه الحقيقة… لذلك، فإنّ المطلوب اليوم، قرار سياسي حاسم وحازم وجامع، يحشد كلّ الطاقات ويدفع بخطوات جادّة وإجراءات سريعة في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف».
وربط الرئيس سعد الحريري بين تفجيرَي الأردن والقاع، مهاجماً حزب الله من دون أن يسمّيه، معتبراً أن أي خطة لمكافحة الإرهاب تبدأ من الداخل اللبناني ومن خلال المؤسسات الشرعية وعلى رأسها الجيش المعنية حصراً في إعداد الخطط وتحصين الحدود وحماية المواطنين».
الإدانة الحقيقية للدول التي خطّطت وموّلت
ولفت رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى أن «الإدانة الحقيقية ليست للمضلَّلين الذين يفجرون أنفسهم وغيرهم «لنيل الجنة»، إنما للدول التي خطّطت وموّلت وهجّرت ودفعت بالمنطقة إلى أتون النار».
وسارعت الدول الغربية إلى استنكار الهجوم الإرهابي وأكدت السفارة الأميركية في بيروت في تغريدة عبر حسابها على تويتر دعهما والتزامها المستمر للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية ضد الإرهاب. وطالبت المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ بدعم دولي مستدام لتحسين إمكانياتهما في مواجهة التحديات الامنية، بما في ذلك التهديد الإرهابي في لبنان وعلى طول الحدود. وكررت وقوف المجتمع الدولي إلى جانب لبنان. وأكدت السفارة البريطانية الالتزام بدعم «الجيش اللبناني والقوات المسلحة لحماية أمن واستقرار لبنان وخاصة أفواج الحدود البرية على طول الحدود اللبنانية».
الإرهاب محور جولة أنصاري
الى ذلك، قام مساعد وزير الخارجية في الجمهورية الاسلامية الايرانية جابر الانصاري بجولة على عدد من المسؤولين اللبنانيين. والتقى الانصاري يرافقه السفير الايراني في لبنان محمد فتحعلي رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ورئيس الحكومة تمام سلام في السراي، حيث جرى عرض للأوضاع والتطورات في لبنان والمنطقة. وبحث مع وزير الخارجية جبران باسيل في موضوع الإرهاب في المنطقة وسورية.
حكومياً، يعرض وزير المال علي حسن خليل تقريره المالي عن الواقع الاقتصادي والمالي اللبناني وتطوراته، بالأرقام المفصّلة في جلسة مجلس الوزراء. ويتحدّث عن «النفقات التي لا تزال تُعتمد على القاعدة الإثنتي عشرية وموازنة العام 2005، باستثناء بعض القوانين التي أقرّت لفتح اعتمادات للوزارات والإدارات العامة وغيرها.